من المصطلحات التي دخلت القاموس الطبي حاليا ما يعرف ب(كوفيد طويل الأجل) في إشارة للأعراض طويلة الأمد التي تصاحب متحوري اوميكرون بنسبة أعلى ودلتا بنسبة أقل .
وهذا يرجع للقدرة الأعلى لأوميكرون على الإفلات من الجهاز المناعي مما يعني أن الجرعات الحالية من اللقاحات ولو وصلت لأربع لن تكسبك الحماية الكاملة من إصابات لاحقة بمتحورات فرعية .
ومن أشهر هذه الأعراض تلك المرتبطة بالمخ حيث تشير الدراسات إلى معاناة مصابي كوفيد من ضبابية في الدماغ أو الضباب العقلي حيث قلة التركيز وتراجع الوظائف الذهنية كالانتباه والتركيز والذاكرة فضلا عن انكماش المخ(في أقرب السيناريوهات لما حدث لوالدتي رحمها الله) وتقليل المادة الرمادية في مناطق التحكم بالذاكرة والعاطفة وإتلاف الأجزاء المتحكمة في حاسة الشم كما يحدث انخفاض في خلايا أوليغوديندروسيتيات التي ترسل أذرعها إلى الأعصاب أشبه بالعنكبوت مغطية إياها بمادة دهنية تسمى الميالين توفر الحماية للأعصاب وكذلك نقل الإشارات عبر العصب .
من الأعراض الأخرى الوهن العضلي الشديد والذي ترجعه الدراسات لتكون خثرات صغيرة بالأوعية الدموية وحدوث خلل بطبقة البطانة التي تغلف الأوعية الدموية وتضمن سلامتها.
ومن حديث الأعراض إلى أخر أخبار اللقاحات فقد حصل لقاح فالنيفا الفرنسي على موافقة الوكالة الأوروبية للأدوية و هو لقاح يعتمد فيروس غير نشط بشكل كامل وعلى الرغم من كونه لقاح تقليدي إلا أنه أنتج أجسامًا مضادة أكثر تحييدًا للفيروس من لقاح أسترازينيكا بعد أسبوعين من تلقي الجرعة الثانية مع أعراض جانبية أقل في موضع الحقن .
وأما وقد تحدثنا عن موضع الحقن فتعالوا معا نتحدث عن دراسة طريفة أجريت على الفئران ونشرتها مجلة ساينس والتي خلصت أن إعطاء جرعة اللقاح الثانية بنفس الذراع الذي أعطيت به الأولى يعمل على تنشيط Germinal center (GC) وهي المراكز المحتوية على خلايا الذاكرة B cells المسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة وهو ما من شأنه استدعاء أفضل لهذه الخلايا ومنح مناعة وقائية طويلة الأمد لذا فربما تصبح مسألة مراعاة مكان التحصين من استراتيجيات التطعيم القادمة.
على صعيد علاقة كوفيد 19 بالسرطانات فقد أصبح جليا أكثر من أي وقت مضى أن كوفيد ليس مرضا للجهاز التنفسي فحسب بل أيضا مرض للأوعية الدموية في المقام الأول لذا نجد مرضى سرطان الدم الأكثر خطرا للإصابة بعدوى كوفيد 19 الشديدة كما تزيد عدوى كوفيد 19 من خطر الإصابة بسرطان الرئة .
لذا من المفيد أن نعود قليلا للوراء وأن نتذكر سويا مجموعة statins ذائعة الصيت والمستخدمة في علاج الكوليسترول والتي تعرضت لها في مقالات سابقة عن دور محتمل لها في الحد من كوفيد والآن أشير لها لدورها في الحد من السرطانات ووقف انتشارها خاصة بعد سن الأربعين وفي مقدمة هذه المجموعة أتورفاستاتين ويعود السبب أن مجموعة statins تعمل على تثبيط بروتين مهم تحتاجه الخلايا السرطانية للانتشار ألا وهو MACC1 .
فيما يتعلق باستراتيجيات الحماية والوقاية كما أشرنا لذلك في مقالات سابقة ولأن الأسطح من ناقلات العدوى فقد اختبرت الدراسات قدرة الأسطح المغطاة بمعادن لها خصائص مضادة للميكروبات كالنحاس والفضة لتكشف قدرة النحاس على مقاومة الفيروسات وقتلها مقارنة بالفضة .إذا كان الصينيون محقون حينما استخدموا العملات النحاسية سنة 1600 قبل الميلاد في علاج أمراض المعدة والمثانة والقلب بحسب مجلة سميثسونيان.
نمضي إلى طرائف الكشف عن كوفيد 19 وإمكانية استخدام الكلاب المدربة في المطارات بكفاءة ودقة تصل لتسعين بالمائة .
نأتي إلى الأمور التنظيمية التي أحاطت بالجائحة واستحداث جوازات السفر الصحية حول العالم كدليل على تلقي اللقاح وجعلها شرط للسفر حول العالم وهي بالمناسبة ليست المرة الأولى ففي تسعينات القرن التاسع عشر فرضت بريطانيا على مستعمرتها في الهند شهادة تلقي اللقاح ضد الطاعون للتضييق على حركة السفر وهو ما جوبه وقتها بمعارضة هندية كبيرة ..
ولأننا على أعتاب انقشاع هذه الأزمة وربما يكون هذا أخر مقال لي حولها فلا يسعني أن اختتم هذا المبحث دون أن أذكر بحركات القرصنة الحديثة بين الدول الغربية والتي اشتعلت وتيرتها في الفترة الأولى من الأزمة فالولايات المتحدة تستولي على الأقنعة الطبية الموجهة للشرطة الألمانية وفرنسا تستولي على ملايين الأقنعة والقفازات الطبية وهي في طريقها لايطاليا واسبانيا والتشيك تصادر مساعدات من بينها أجهزة تنفس اصطناعي موجهة لايطاليا وتركيا تستولي على أجهزة تنفس اصطناعي وهي في طريقها لإسبانيا .بالطبع لا نلوم الدول فالجوائح تفقد كثير من الدول أعصابها بل وتشعل الثورات فيها ألم تكن الانفلونزا الإسبانية التي حصدت أرواح آلاف المصريين عام 1918 وتداعياتها الإقتصادية سببا في اندلاع ثورة 1919 ؟!
لكن في المقابل مصر الحاضر نجدها تستعيد مجدها التاريخي في مساعدة الجوار فترسل مساعدات للصين والسودان والولايات المتحدة وإيطاليا وغيرها وهو غير المستغرب على مصر التاريخية أيضا في وقت الشدائد والمحن ففي ديسمبر عام 1931 أوفدت مصلحة الصحة المصرية (كانت تابعة لوزارة الداخلية آنذاك ) بعثة طبية إلى الصين مؤلفة من الدكتور حسين ابراهيم البكتيرولوجي الاخصائي في التطعيم ومحمد افندي الهواري وإمام افندي السرجاني مساعدين للطبيب وبصحبتهم لقاح الكوليرا ومعمل مجهز متنقل وجاء ذلك بعد انتشار الأمراض الفتاكة في الصين كالكوليرا والجدري والدوسنتاريا وزاد من وطأتها الفيضان الذي اجتاحها مما جعلها تلجأ لعصبة الأمم طلبا للمساعدة فتبادر لها يد مصر .
إنها صفحات من العلم المعطر بالتاريخ الذي لابد وأن يبقى وتطل صفحاته الناصعة على الأجيال القادمة.
* د.محمد فتحي عبد العال
كاتب وباحث وروائي مصري