صفوت عطا الله يكتب : ومن الحب ما قتل

صفوت عطا الله يكتب : ومن الحب ما قتل
صفوت عطا الله  يكتب : ومن الحب ما قتل
قائل هذه المقولة التي نرددها ترجع للشاعر العربي عبد الملك الأصمعي الذي كان يعيش في العصر العباسي الأول في مدينة البصرة بالعراق في القرن التاسع الميلادي وأثناء تجواله في البادية لاحظ ابيات منقوشة على صخرة يسأل فيها أحد العشاق: أيا معشر العشاق بالله خبروا إذا حل عشق بالفتى كيف يصنعُ، فرد عليه الشاعر وكتب على الصخرة يقول: يداري هواه ثم يكتم سرهُ ويخشع في كل الأمور ويخضع، لكن المحب سأل يستفسر من الشاعر بقوله: كيف يداري والهوى قاتل الفتى وفي كل يوم قلبه يتقطع، وعلى نفس الصخرة رد الشاعر عليه قائلاً: إذا لم يجد الفتى صبراً لكتمان سره فليس له سوى الموت ينفع، وبعد عدة أيام وجد الشاعر هذا الفتى وقد انتحر عند الصخرة بعد سماع نصيحة الشاعر وقبل انتحاره كتب: سمعنا اطعنا ثم متنا فبلغوا سلامي إلى من كان للوصل يمنع، هنيئاً لأهل النعيم بنعيمهم وللعاشق المسكين ما يتجرع، وهنا أطلق الشاعر الأصمعي مقولته الشهيرة " من الحب ما قتل"، هذا ما فعله الشاعر الولهان الذي أحب من طرف واحد، فكان سبيله هو الموت لأجل معشوقته ومحبوبته بعكس ما يحدث في هذه الأيام الردية عندما يتربص الشاب المتعلم المثقف محمد عادل بزميلته ويطاردها حتى أسوار الجامعة ويطعنها بوحشية بل ويذبحها وينحرها كالشاة أمام العلن ثم يوثق المشهد المأساوي بالصوت والصورة فهل يا ترى هذا هو الحب والعشق أم هي شهوة وغريزة وحب تملك؟، وفي نفس الليلة أيضاً أقدم شاب بنفس المدينة المنصورة بالانتحار بأن قفز بسيارته من أعلى الكوبري وترك رسالة على موقع التواصل الاجتماعي وسجل مقولة أخرى وهي للأديب المعروف والحائز على جائزة نوبل في الأدب نجيب محفوظ وقد كتبها المنتحر ليبرر بها سبب انتحاره قائلاً: لكل عصر جاهليته، ونحن نجمع جاهلية كل العصور، ثم طلب أمر غريب إن أبوه ما ( يمشيش ) في جنازته لوجود مشاكل بينه وبين أبوه!
فهل كل خلاف أو مشكلة بين الأب وابنه تؤدي للانتحار والموت؟ وهل كل خناقة أو مشكلة بين الزوج وزوجته تؤدي لقتلها؟ إنها مقدمة لحوادث وكوارث ومصائب جسيمة خلال أسبوع واحد فقط وبدلاً من البحث عن حلول أو إيجاد مخرج لكل مشكلة يكون الطريق السريع للحل هو الموت والانتحار والقتل، إنها ظاهرة اجتماعية يجب تسليط الضوء عليها.
 
 
جريمة طعن وذبح نيّرة:
نيرة أشرف طالبة جامعية بكلية الآداب قسم اجتماع بجامعة المنصورة بالفرقة الثالثة وأثناء جائحة كورونا تعرفت على رجل من نفس بلدتها المحلة الكبرى وكان أكبر منها ويساعدها في إعداد الأبحاث حتى تحولت العلاقة إلى حالة حب وعشق وفي الغالب كانت من طرف واحد حيث تم رفضه عدة مرات ولكن الأمور تطورت للأسوأ بتهديد الفتاة ومطاردتها مما جعل أهل الفتاة يتقدمون ببلاغ ضده بعدم التعرض لأبنتهم وأيضا تم عقد جلسات عرفية لصد الرجل ومنعه من ملاحقة الفتاة ولكن كل المحاولات باءت بالفشل أمام اصرار العاشق الولهان الذي انتظر فرصة ذهابها للجامعة لأداء الامتحان وأمام أبواب الجامعة قام بطعنها وذبحها وسط ذهول الجميع وقد تم تسجيل الحادثة، وسواء كان هذا التسجيل بكاميرات المراقبة التابعة للجامعة أو من الهاتف المحمول فقد تم بثها مباشرة عقب الحادثة ثم تم القبض على القاتل وكان رد الفعل العفوي الفوري عبارة عن حالة من الغليان والفوران والغضب مطالبين بالقصاص والحكم بالإعدام لهذا القاتل المجنون وخلال جلستين فقط ومرور أسبوع واحد كان الحكم الفاصل الحاسم بالإعدام وكانت أسرع قضية تم النظر فيها أمام القضاء المصري وكما كان الغليان بالانتقام من القاتل في يوم وليلة واحدة أسرع الكثيرين إلى المعارضة والتعاطف مع القاتل مطالبين بالرأفة في الحكم عليه والشفقة والرحمة، وايجاد تبريرات للإفلات من حبل المشنقة سواء بجمع دية تجاوزت ملايين الجنيهات أو الطلب بالاستعانة بأشهر المحامين وخاصة المحامي الشهير فريد الديب الذي استطاع تبرئة أسرة الرئيس محمد حسني مبارك، وقد تبرع المحامي قبول الطعن المقدم من القاتل لهذا الحكم أمام محكمة النقض لما يعرف عنه من حنكة وقوة حججه القانونية وبلاغته في المرافعة وشهرته في ايجاد الثغرات، وقد كان قبوله عباره عن رسالة واضحة لوقوفه مع المظلومين بغض النظر عن الملايين التي يتقاضاها من القضايا الساخنة والمثيرة لإيهام الشعب بتقديم المساعدة دون مقابل وتلك هي المغالطة الكبرى، فليس من الغباء الإسراع بالقبول ما لم يكن هناك مقابل مادي مغري وكبير بل ودعاية مجانية وعمل ( شو ) لم يكن يحلم به على جميع مواقع التواصل الاجتماعي تخطى بها الحدود التي وصلت للعالمية، وأن الطموح الدائم لهذا المحامي جعله يغامر ويخوض التجربة لإثبات مهارته في الدفاع، فإذا كسب القضية فإنها تضيف لرصيده المهني مكاسب عظيمة، وإن خسرها كان له شرف المحاولة، وحتى إن خسرها فقد كسب تعاطف الجماهير بعد الرفض والمعارضة والنقد لما فعله في قضية حسني مبارك وتكن بمثابة مصالحة مع جماعة الإخوان واعطاء الضوء الأخضر لاحتمال القيام بالدفاع عنهم وما أكثر قضاياهم، وكذلك يمكن استرداد القضايا الهامة والخاصة بالفساد والتي من شأنها أن تكون باهظة الأتعاب مثل قضية المليونير حسن راتب ومحمد الأمين أو المستشار القاتل أيمن حجاج وما خفي كان أعظم.
 
 
جريمة قتل الإعلامية شيماء:
قصة أخرى نالت شهرة إعلامية لا تقل عن سابقتها وحدثت في نفس التوقيت لمذيعة تليفزيونية مشهورة اسمها شيماء جمال التي تم الإعلان عن اختفائها عن الساحة الإعلامية إلى أن تم اكتشاف لغز اختفائها بعد اسبوع والإعلان عن وجودها مدفونة ومقتولة ووجهها مشوه داخل حديقة فيلا وتم توجيه الاتهام لزوجها الذي يشغل منصب حساس بالدولة حيث تم القبض عليه أثناء محاولة هروبه بمدينة السويس وهو المستشار أيمن حجاج والذي يبلغ من العمر أربعة وأربعين عاما ويشغل عدة مناصب حساسة منها منصب نائب رئيس مجلس الدولة والمتحدث الرسمي لنادي القضاة وأحد المرشحين لرئاسة نادي الزمالك والوكيل الرسمي لنادي القضاة وأن زوجته الإعلامية شيماء جمال هي الزوجة الثانية في السر لمدة سبعة سنوات وأن سيادته يملك ثروة كبيرة تجاوزت عشرات الملايين في صورة عقارات ومزارع وكافيهات وأرصدة بنكية وأن سبب الجريمة نتيجة لخلافات زوجية عادية حيث طالبته زوجته بإشهار زواجه واعلام زوجته الأولى بذلك، وواضح أنه ليس السبب المباشر لارتكاب جريمته البشعة والتي خطط لها، ولكن كان هو التهديد بإفشاء أسراره التي تمس شرفه المهني وأمانته، واتهامه بالرشوة والتلاعب بالأحكام مقابل أموال باهظة، وهناك وثائق ومستندات تدينه مما جعله يدبر جريمته بايهام زوجته شيماء القيام برحلة إلى دبي وتم استدراجها إلى فيلا نائية يمتلكها وضربها على رأسها بمسدسه وخنقها بإيشارب وشوه وجهها بمادة حارقة كاوية ودفنها بخضرة معدة لذلك بمشاركة أحد مساعديه الذي أرشد عنه وأعترف عليه وهكذا تبدو هذه الجريمة البشعة حدثاً آخر للإثارة والجدل الإعلامي لما تملكه الإعلامية من شهره منها ارتداء النقاب والدخول لمنطقة كرداسة أثناء الاعتصام الإخوانية وكانت شاهدة أثناء الحوادث الإرهابية وكذلك أداء دور المدمنة وتمثيل كيفية شم الهيروين أمام شاشات التليفزيون مما أدى لمحاسبتها ومنعها من الظهور لمدة ثلاثة أشهر،  وقد أحدث وقوع الجريمة إلى حالة من الفوران والغليان ولكنها بطريقة أخرى من جانب جماعة الإخوان المسلمين مملوءة بالشماتة والتعليق بالانتقام من تلك السيدة بسبب سجن كثيرين منهم في حادثة كرداسة المشهورة وحتى تاريخه لا نعرف كيفية إدارة محاكمة القاضي المستشار القاتل وسرعة اصدار الحكم العادل لهذا المتهم كما حدث في قضية الطالبة نيرة وإن اختلفت اسباب الجريمة لكل منهما.
 
 
نقطة نظام:
لنتوقف قليلاً لمحاولة فهم ومعرفة ما يدور حولنا من تكرار الجرائم بتلك الصورة الوحشية وسرعة اصدار الأحكام الرادعة حيث أثبت أن ساحة القضاة هي المكان الوحيد المنوط بتلك القضايا التي اصابت المجتمع كله بحالة من الخوف والرعب والقلق، ولكن سرعة اصدار الحكم دون ابطاء يعطي بعضاً من الاطمئنان والاحساس بالأمان وأن أي مرتكب لخطأ أو تصرف أو سلوك منافي للأخلاق مهما كان صغيراً بلفظ أو كلمة أو تحرش أو اهانة أو ازدراء أو سخرية أو تنمر لا يصح أن تعقد له جلسات عرفية أو جلسات مصاطب لحلها وتركها لأشخاص غير مؤهلين للفصل فيها، وهي في حقيقة الأمر السبب الرئيس في استفحال صغائر الأمور التي تؤدي في النهاية لأبشع الجرائم، وأن المحكمة قادرة على تحقيق العدالة الناجزة وسرعة اصدار الأحكام في أقل وقت ممكن وحيث كان سابقا تستغرق مثل هذه المحاكمات سنوات وسط مماطلة فاضحة ولأسباب غير مفهومة مثل استشعار الحرج وتحويلها لدوائر أخرى واعادة المحاكم مرات ومرات مما أدى إلى شعور عام بعدم المحاسبة مع القدرة على الإفلات من العقاب وتشجيع المحامين على ايجاد ثغرات ومنافذ قانونية للمتهم والقاتل والجاني يتم بها تخفيف الحكم عليه والتلاعب بأقوال الشهود والتأثير بمواقع التواصل الاجتماعي وقد وضح التباين والاختلاف والتباعد وردود الافعال والانفعالات والأصوات العالية والتعليقات المثيرة التي تكشف – للأسف – عن الحالة الضبابية للمجتمع واستخدام بعض المغرضين لاستغلال تلك المواقع للتأثير السلبي وقلب المزاج العام سريعاً دون تفكير او عمق في الرأي وهو ما ينذر بخطورة شديدة التعقيد واصبح قطاع كبير من البشر لا يمتلكون القدرة والوعي للتفريق بين الظالم والمظلوم وبين الجاني أو المجني عليه أو بين الحق والباطل وبين الأسود والأبيض وهنا اصبحنا لا نعرف المعنى الحقيقي للعدل.
لقد كنا منذ زمن ليس ببعيد نعيش وكل شيء واضح وصريح، هذا اسود معروف والخطأ مكشوف، وأيضا اللون الأبيض ساطع والصح مفهوم ومع تغير السلوك وتغير العقول اختلط اللونين حسب الأهواء الشخصية والنفوس المريضة حتى جاء زمن اللون الرمادي لكثيرين وايجاد مبررات وتبريرات وتأويلات وتحليلات وتحويرات إلى أن كاد أن يختفي من حياتنا كل شئ جميل ونظيف والخلق الراقي واللفظ المحترم والصفات الميدة وتزايد اللون الغامق لهذا الرمادي حتى اصبح الأسود هو السائد بل والمسيطر والذي فرض منطقه بالقوة وتلاشى تماماً اللون الأبيض نهائيا واصبح منطق فرض قانون القوة بدلا من قوة القانون حيث انخفض صوت العدل ولا غرابة مع انخفاضه أن نجد من يدافع عن القاتل والجاني والظالم بقوة الحجة أو في حقيقة الامر قوة المراوغة ودغدغة مشاعر البسطاء وقد اشتركت وسائل الإعلام الفاسدة الفاشلة الساقطة في تغذية تلك التيار بإثارة النعرات والجدل والنقاش، فليس من حق أي فرد أو أي إنسان الخوض في أعراض الناس أو أن يتطاول علي المجني عليه فتلك الفتاه المذبوحة والمقتولة بدم بارد وهي بين يدي الله ورحمته الآن يحاول البعض محاسبتها ومحاكمتها على ماضيها وطريقة لبسها وسلوكها، وهو الأمر الذي كان في الماضي من العار والعمل المشين ومن الصعب قبوله، أما النبش في القبور فهو أمر ردئ وسيئ، أذكروا محاسن موتاكم، كذلك ما نراه من حالة الشماتة والتشفي لتلك المذيعة الإعلامية، حياتها الخاصة أمر مخزي ومقرف، أليس هناك حرمة للميت، أم اصبح لكل إنسان أن يفتي ويحلل ويدين ويضع نفسه في موضع القاضي يحاكم ويحاسب وينفذ.
التزموا الصمت والسكوت لأن القصاص لابد من تحقيقه مهما طال الزمان فالقاتل يقتل ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب  لعلكم تتقون.
 
 
والسؤال المهم الآن:
ما الذي أوصل المجتمع إلى هذا المستوى المتدني في الحكم على الأشياء بهذا الانفعال والتفاعل المتباين والمزاج المتقلب  الحاد والاختلاف والتباعد الواسع بين المؤيد بشدة والمعارض بقوة، هذا يحدث بالتأكيد، خلاف وصراع وعراك عنيف، وما نراه الآن يحدث في بلادنا المصرية من النادر اجراء حوار راقي أو مناقشة عادية تتبادل فيها الآراء والرؤى فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود  قضية وإلا ينقلب إلى شتائم وصراخ وتطاول وضرب واشتباك بالأيدي للأسف، وقد وصلت هذه الحالة المتدنية حتى وصلت على المستوى الأسري والمجتمع ككل، ومن ثم نحن على حافة جرف عميق وعلينا أن نتوقف وننتبه حتى لا نتحول لدمى يتلاعب بنا الآخرين، فهؤلاء جهلة وفاسدين وخونة ومتاجرين بالدين ومتآمرين، فنحن نعي دروس التاريخ ونفهم ما  جرى لنا، فمنذ عهد عبد الناصر الذي أرسى مبدأ خطير وهو الاعتماد على أهل الثقة بدلاً من أهل الخبرة والعلم والذي بموجبه أصيب الوطن كله بالتدهور الشديد في منظومة التعليم حتى وصلنا إلى ذيل العالم في جودة التعليم وتخلفنا عن معظم الدول العربية التي كنا أفضلهم وأحسنهم.
فمنذ تغيير وزارة المعارف إلى وزارة التربية والتعليم وتسليمها لشخص كمال الدين حسين الذي يحمل شهادة الثانوية العامة لمجرد أنه ضابط ومن رجال الثورة فكان الانهيار والانحدار.
ويأتي بعده أنور السادات الذي ينقلب من أقسى اليسار والنازية لأقصى اليمين والسلفية والإخوان حيث  أرسى قواعد التحزب والفتنة والتفرقة والانقسام والفساد الذي أسس نظام الخصخصة وظهور فئة اللصوص والحرامية.
ونتواصل إلى الرئيس حسني مبارك ثلاثين عاماً وهو متشبث بالكرسي وصاحب مبدأ التوريث لميوله الأنانية والمصلحة الشخصية وترك الحبل على الغارب حتى تفشى الفساد في أوصال الدولة كلها.
هذا القاضي المرتشي لولا فعلته وجريمته لكان مستمراً في منصبه يسرق ويرتشي ويحكم.
رجال الأعمال مسيطرين على الاقتصاد أمثال محمد الأمين وحسن راتب ولولا القبض عليهم بجرائم الإتجار في البشر والآثار لظلوا حتى الآن في أعلى المراتب والمناصب وعلى شاشات الفضائيات ونسأل بعد ذلك ما الذي جرى في بر مصر.
أمضي كأنك لم تسمع، أصمت كأنك لم تفهم، تجاهل كأنك لا ترى، وأنسى كأنك لم تذكر، فبذلك تنال حياة هادئة وجميلة وتعيش  مرتاح.