أ.د/صبري فوزي أبو حسين يكتب : التَّنَمُّر النقدي ضد الشاعر المصري الرائد أمل دنقل (2)

أ.د/صبري فوزي أبو حسين يكتب : التَّنَمُّر النقدي ضد الشاعر المصري الرائد أمل دنقل (2)
أ.د/صبري فوزي أبو حسين يكتب :  التَّنَمُّر النقدي ضد الشاعر المصري الرائد أمل دنقل (2)
 
 
2عتبة عنوان القصيدة:
جاء عنوان القصيدة المُتَّهَمة (مقتل كليب "الوصايا العشر")، وهو عنوان دال على الحدث الأبرز فيها(مقتل)، والشخصية الأبرز(كليب)، والمقولات الأبرز(الوصايا العشر)؛ فشاعرنا منذ العنوان يُحيلنا على مصدر إبداعه القصيدة، وهو مشهد النهاية لهذا الأمير العربي العجيب، وعرض ما صدر عنه من فكر خلال هذه اللحظة العصيبة؛ فهل السارق يفعل ذلك؟ وهل هذا العنوان -بهذه الصياغة- وُجِد في المصدر الذي وردت به قصيدة كليب(سيرة الزير سالم الشعبية)؟ والإجابة بالطبع: (لا)! ورد فقط تركيب(وصايا عشر) في مطلع قصيدة كليب، ويقصد به النصائح المبثوثة في الأبيات العشرة التالية للمطلع!   
 
• عتبة التقديم للقصيدة:
بدأ شاعرنا (أمل) قصيدته بتقديم نثري، نصه: " فنظر (كليب) حوله وتحسّر، وذرف دمعةً وتعبّر. ورأى عبدًا واقفًا، فقال له: أريد منك يا عبد الخير، قبل أن تسلبني، أن تسحبني إلى هذه البلاطة القريبة من هذا الغدير، لأكتب وصيتي إلى أخي الأمير: سالم الزير، فأوصيه بأولادي وفلذة كبدي. فسحبه العبد إلى قرب البلاطة، والرمح غارس في ظهره، والدم يقطر من جنبه.. فغمس (كليب) إصبعه في الدم، وخط على البلاطة، وأنشأ يقول:..." وهو مشهد مقتبس من السيرة الشعبية، يعبر عن الحالة الجسدية والنفسية التي كان عليها الأمير كليب وهو يقول قصيدته! وهو نص مُوظَّف من قبل شاعرنا (أمل) للدلالة على الحالة الشعورية الكئيبة التي كان عليها وهو يبدع هذه القصيدة!  
 
• عتبة البناء الفني للقصيدة:
جاءت القصيدة المُتَّهَمة في مائتي سطر شعري تقريبًا، على نسق شعر التفعيلة السطري، وعلى قالب التفعيلة الخَبَبية(فاعلن) بكل صورها المعروفة، وقصيدة (كليب)- كما رأينا سلفًا- من البحر الوافر التام.
 وقد بُنِيت خريدة(أمل) على تكرار العبارة الأم المفتاح(لا تصالح) في كل مقاطعها، وفي كل مقطع تجد التركيز على دال معين كـ(الذهب) في المقطع الأول، و(الدم) في المقطع الثاني، و(البنت) في المقطع الثالث، و(تاج الإمارة) في المقطع الرابع...وهكذا في بقية المقاطع..
وقراءة هذه المقاطع فكريًّا يدل على أفكار كثيرة حديثة جدًّا لم ترد بأبيات (كليب) على الإطلاق، مثل قوله: [لا تصالح/ولو قيل ما قيل من كلمات السلامْ/كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنس؟...].وقد ختم الشاعر القصيدة بذكر تاريخ إبداعها، وهو(نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1976م)؛ ليساعد المتلقي في فهم رؤاها المعاصرة وفكِّ إسقاطاتها الفنية! 
 
• عتبة التذييل للديوان:
ختم الشاعر مجموعته الشعرية بإشارات تاريخية مُعرِّفًا بأعلام وردت في تجارب الديوان الثلاثة، وهي (البسوس، كليب بن ربيعة، جليلة بنت مرة، اليمامة، جساس بن مرة، المهلهل بن ربيعة)، ثم ذكر تذييلاً للمجموعة قرر فيه ما قررناه في تحليل العتبات السابقة، حيث قال: "حاولت أن أقدم في هذه المجموعة حرب البسوس التي استمرت أربعين سنة رؤيا معاصرة"؛ فعمله في هذه المجموعة ليس سرقة لقصيدة زجلية شعبية كما يُدَّعَى عليه! وإنما عرض للتاريخ برؤيا معاصرة، ونضع تحت تعبير شاعرنا (رؤيا معاصرة) ألف خط ويزيد! فهي دالة على طريقته في إبداع مجموعته الشعرية، وقد وضح هذه (الرؤيا المعاصرة) بقوله: "وقد حاولتُ أن أجعل من كليب رمزًا للمجد العربي القتيل أو الأرض العربية السلبية التي تريد أن تعود للحياة مرة أخرى ولا ترى سبيلاً لعودتها إلا بالدم.. وبالدم وحده.. وهذه المجموعة عبارة عن قصائد مختلفة, استحضرت شخصيات الحرب وجعلت كلاًّ منها تُدلي شهادتها التاريخية حول رؤيتها الخاصة"؛ فصنيع (الأستاذ أمل دنقل) رؤيا معاصرة، وتناصٌّ فني واعٍ عميق، وقراءة شعرية خاصة لهذه الحرب العتيقةـ وعرض فني خاص لشخوصها ومُجرياتها، عبر هذه السيرة الشعبية، وليس سرقة ولا اغتصابًا! كما يُدَّعَى على الشاعر في قصيدته المقاومة الحاضرة في زمنها وبعد زمنها إلى آننا هذا!
إننا أمام شاعر جنوبي مصري عربي مقاوم، أحيا التراث العربي الشعبي السيَّار بشعره، وأوصله إلينا إيصالاً نُردِّده كل وقت وحين، حتى صارت قصيدته (أيقونة) للنضال، وصارت أنشودة فنية، تُغنَّى في كل مسرح، وتُستَدعى في كل محفل ومجمع، وصارت نصًّا تعليميًّا وتربويًّا، تُعلَّم في كل مدرسة ومعهد وتُبحَث في كل كلية وجامعة، من قِبَل كثير من النقاد والمثقفين والمعلمين في مصرنا وبقية بلاد العروبة!