كان سعفان رجلا يكد ويتعب طوال الوقت في حرث و زراعة وري بساتين يملكها مندور..و كان مندور عظيم الثراء، بنى ثروته الكبيرة من الزراعة وكان يمشى دائما في بساتينه معتدا بنفسه في خيلاء وزهو وأنفة ..
وفي أحد الأيام مر مندور بسعفان وهو غارق في عرقه يمسك بفأسه ومنهمك في الزراعة فنظر إليه مندور شزرا وقال له : لما لا تشتري ثيابا جديدة أيها الفقير البائس؟ .
نالت الكلمات من نفس سعفان فقال له : لأن ما اجنيه من نقود لا يكفي لجلب ثياب جديدة، ولكني احمد الله لأن الله قد اعطاني الصحة للعمل و للعيش دون أن احتاج الآخرين.
قال مندور وقد أطلق ضحكة عالية : ألا ترى بأنك تحتاجني ،وتعمل في ارضي،أيها الفقير المعدم. أعز منك مالا وأكثر نفرا وألا ترى بساتيني على مرمى البصر وهذا النهر يتوسطها إن بساتيني هذه لن تبلى أبدا و ملكي هذا لا يزول مطلقا .
قال سعفان غاضبا :يا هذا تذكر نعم الله عليك واشكره على فضله وأما معايرتك لي بفقري وبساطة حالي فعسى الله أن يؤتني خير من بساتينك التي تتفاخر بها والله قادر أن يمحوها كلمح بالبصر ..
قال مندور متحديا : اذهب عني أيها الحاقد الحاسد لا حاجة لي بك في بساتيني و التي لن تزول أبدا رغم أنفك .
ترك سعفان بساتين مندور ، وبسبب سمعته الطيبة ، و ما عرف عنه من جد و أمانة، قدم له أحد ملاك الأراضي الأغنياء فرصة عمل، أفضل من السابق، وسرعان ما احبه صاحب العمل ووثق به فزوجه ابنته، وهكذا يؤتي الله الصابرين الشاكرين رزقهم.
وفي الوقت الذي كان فيه سعفان يرتقي ويغتني ،كان العكس يحصل مع مندور ، فذات يوم وبينما كان مندور خارج القرية ، شب حريق كبير في الغابة المجاورة لأرضه، ولم تتوقف النيران رغم كل جهود رجال الإطفاء للسيطرة عليه، إلا بعد أن أصبحت كل الأشجار رمادا،
وفي أحد الأيام وبينما كان سعفان مارا بالقرب من بستان مندور ,، فرآه قد خرب وزال ومندور يجلس بالقرب منه حزينا كاسف البال.
اقترب سعفان من مندور فاشاح بوجهه عنه ظنا منه أنه جاء شامتا فيه لكن سعفان ربت على كتفه وقال له :لا تحزن يا أخي سأساعدك لنعيدها لسيرتها الأولى بإذن الله .
فرح مندور والتفت لسعفان وقد تهللت أساريره قائلا : وهل هذا ممكن يا سعفان؟!
قال سعفان :أجل ولكن لا تنس الدرس، ولا تتجبر حين يغنيك الله.
قال مندور :لقد تبت الآن ولله الفضل والمنة على عظيم فضله.
انطلق سعفان ومندور وبدأ يزرعان معا الأرض حتى أينعت وأثمرت.