مصطلحاتٌ ثلاثٌ تقض مضاجع العرب. ونبدأ بالسياسة وقد تحول معظم العرب إلى محللين سياسيين ينتقلون من محطة لأخرى ومن مركز ثقافي إلى آخر. وبنظرةٍ خاطفة ستجد آلاف المحطات وملايين الصفحات السياسية التي تتحدث عن سياسة الانقسام تحت شعار واحد ( أنا مع وأنت ضد فأنت عدوي) والعداوة عند العرب تعشعش في أدمغتهم المترفةِ بشهوة الثأرِ وصهيل الخيول وشحذ السيوف وعلى أصوات صليلها كُتبت آلاف القصائد الصماء في التمجيد والتأييد والوعيد والرّثاء والفخر. وعلى وقع أحرف الهمس والجهر ووسوسة السياسة لم يستطعْ العربُ استخدام لغة الشك والتحليل المنطقي لواقعهم المتردي حيث فقدوا ذهبهم الأسود والأبيض والأصفر ليشعلوا نار ثورتهم ضد حكوماتهم ولتبدأ تجارة الأسلحة مع الغرب بدلاً من تجارة الحرير والعطور والأرجوان . وأمام لغة السّكاكين والرصاص ضاعت كلمات المثقف العربي الوطني النبيل الذي حاول لعقود الارتقاء بالواقع فسقط في مستنقع السياسة ودهاليزها وما نفع قطرة نقية من الماء تسقط في مستنقعٍ عفن بأفكاره المتطرفة التي تُفرَض من الخارج ومانفع القصيد والكلمة العصماء في زمن البحث عن الأمان والخبز والماء.
أما الجنس هو محاولة استحضار فحولةِ الشعراء حيث ضاعت أفكارهم وأمانيهم وسبل العيش الرغيد ، فجذفوا بقواربهم الورقية عبر مداد أقلامهم إلى جسد الأنثى فغدونا نقرأ القصيدة العارية، وتظهر لك الأنثى الغاوية المدللة تتراقص على وقع حروف الهمس والجهر وتتقافز بين المدود الطويلة والقصيرة لقد ضاعت التفعيلة وأصبح الشاعر الفذ يبدأ من العيون الحالمة إلى الشفاه الملتهبة إلى الاثداء العارية ليضيع في تضاريس جسد الأنثى ولا يخجل البعض من تصوير لحظاته الحميمية مع أنثاه في مشهد وكأنه بحرارة البراكين واضطراب الزلازل التي ضربت هذه الأرض فتحولت حدائق بابل إلى أنقاضٍ، وسقطت منارة الإسكندرية، وتاهت سفن المرافئ الفينيقية فضاع الأرجوان والحرير والعطور والحبّ وظلت كلماتهم ترن في فضاءات الفراغ اللامبالي تصم الآذان عن مدافع الحروب فتكاثرنا وتكاثرنا وتوالدنا وملأنا الأفق أطفالا تطحنهم رحى الحروب وتذيب شحوم أجسادهم الغضة لتذوي الضحكات وتموت الطفولة في مجتمع تفترسه وحوش الجماعات المتطرفة والحروب المدمرة. شعب يعيشُ على أخصب الأراضي وقد حباه الله بخيرات وكنوز تُسرق من بين أصابعه المفتوحة للتضرع والتسول للأجنبي الذي سوق نفسه أنه السيد ونحن العبيد . ويبقى المثقف العربي مطبقا بمخالب كلماته على صدر أنثاه يغتصبها كما اغتصب القصيدة على المنابر التي كانت تسمى يوما منابر الكلمة الحرة . وبنظرة لكلمات تلك الشاعرة التي لم تتردد في صفع اللغة صفعات موجعة فتتجرد من عفة الكلمة ونظم الكلمة وتتعرى القصيدة من خلال (فتح زر القميص وسحاب التنورة ) بشعر يفقد النظم والهدف. وأخطر (المثقفين) من اختص بمحيض الأنثى ونكاح الأنثى وضرب الأنثى بل ويجوز أن تأكل قدم الأنثى إذا أصابك الجوع أيّها الرجل الشرقي فالنساء كثر ولك ما ملكت أيمانكم . وماذا يفعل المثقف الأصيل ماذا تفيد الصرخات والمنبر يهدى للمتشدقين والغوغائيين الذين حولوا القلم بمحبرته إلى عضو لإغتصاب القصيدة الحرة وكموا الأفواه الصادقة بل وقطعوا الرؤوس المفكرة .
يقولون ( شر البلية ما يضحك) والبلية تجمع بلايا أي المصيبة تضحكنا حدّ الثمالة لتظهر أسناننا المسوسة الملونة بالأصفر المريض والأسود الحالك كأيامنا. لنبحث عن عالم مفكر باحث أو كاتب وطني محبّ لوطنه وهو غني ماديا يستطيع أن يمتلك المال ليمتلك ناصية الكلمة. أي الحكومات تحكم العرب والعالِم يتسول على أبواب الجاهل والأحذية على الرفوف المخملية والكتب على الأرصفة تتقاذفها أقدام الرؤس الخاوية. لماذا تظن حكوماتنا أن الكلمة ثرثرة فترفع الحقير وتحطّ من شأن المثقف العالم الفقير . نقف عاجزين أمام واقع مؤلم الشباب في إقبال على كتب التنجيم والطعام والتزيين وفي إدبار عن كتب الأدب والفكر والفلسفة ومحطات الأخبار تتناقل الأخبار بمزيج من اللغات ومزيج من الإعلاميات ومزيج من الطبخات والعظات والصلوات وما زال الفانوس السحري وعلي بابا والأربعين حرامي يتوالدون وتزداد الكنوز المنهوبة من فكر وتراث ونسأل كتّاب التنوير في عالمنا العربي أين أنتم هل اختنق الصوت وكبرت الأحلام وضاعت الأمنيات في محاولة لعلنا نصل إلى بر الأمان.