«تدعم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حق المرأة فى حياة خالية من العنف، وترفض المسيحية تمامًا كل أشكال العنف ضد المرأة، سواء كان هذا العنف جسديًّا أو لفظيًّا أو معنويًّا، كما تناهض الكنيسة أى ممارسات ضارة تؤدى أو يمكن أن تؤدى إلى معاناة للمرأة أو تنتقص شيئًا من حقوقها وكرامتها كـ(ختان الإناث، والزواج المبكر، والزواج القسرى، والحرمان من التعليم، والحرمان أو التمييز فى الميراث، والتحرش الجنسى فى الشارع والعمل وأماكن الدراسة وغيرها، وهتك العِرض، والاغتصاب، والاستغلال الجنسى كزواج القاصرات والاتجار بالفتيات والنساء، والعنف المنزلى والأسرى)، ومن هنا لا يجوز لأى رجل أن يمارس العنف ضد المرأة بأى شكل من الأشكال».
الوثيقة التى أطلقها البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، فى إبريل الماضى، تصلح أرضية يجتمع عليها القادة الدينيون مسلمون ومسيحيون لإطلاق وثيقة وطنية جامعة تحض على حق المرأة فى حياة خالية من العنف، وتنبذ كل أشكال العنف المجتمعى ضد المرأة، وتحرم الانتقاص من حقوقها المشروعة فى إطار المساواة التى نصّت عليها الأديان السماوية جميعًا.
وحَرِىٌّ بقداسة البابا أن ينفر إلى دعوة فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والقادة الدينيين جميعًا إلى لقاء يُذاع علنيًّا على الشعب، عنوانه «حق المرأة فى حياة خالية من العنف»، لقاء يؤسس لوثيقة وطنية معتبرة تحرم وتجرم إيذاء المرأة على نحو من الأشكال المحزنة التى تعانيها بقصد أو بجهل تحت ستار تفسيرات دينية مغلوطة، وموروثات مجتمعية أقرب إلى الأمراض السارية وغير السارية، وبعضها متوطن فى دواخل البعض ويحرف فطرته الإنسانية، والرحمة والمحبة عنوانها.
لماذا هذه الوثيقة؟ لأسباب، منها انتشار مفاهيم وموروثات وعادات خاطئة، خاصة فى المجتمعات البسيطة والمُهمَّشة، والتى تشكل الأسباب الرئيسية وراء ممارسة العنف، ولم تنجُ منها الطبقات المجتمعية المتراكبة، حتى النخب تتفنن فى الإيذاء، بنفوذ المال والسلطان، والنماذج لا تُعد ولا تُحصى.
وغير منكور (شئنا أو أبينا) أن بعض رجال وعلماء الدين يتمتعون بمصداقية وتأثير قوى فى المجتمع المصرى. يصدقون الشيخ والقسيس. وهذا جيد وحسن ويمكن البناء عليه، لو أحسن هؤلاء الأفاضل استغلال منابرهم الدينية فى الحض على حسن معاملة النساء، على طريقة «رفقًا بالقوارير».
يستوجب هذا تنمية قدرات رجال الدين وتثقيفهم للعمل على توعية المجتمع من أجل مناهضة كل أشكال العنف ضد المرأة، وفق برامج مدروسة ومتكاملة ترفع منسوب الوعى المجتمعى، وتشمل الشق الدينى والقانونى والنفسى والاجتماعى والعديد من برامج التمكين الاقتصادى والاجتماعى للمرأة كإحدى الدعائم التى تُمكِّنها من التمتع بحقوقها المجتمعية وتوفير حياة كريمة لها ولأسرتها.
أعلم علم اليقين أن بعض النخب تفضل إبعاد رجال الدين عن مثل هذه القضايا فى إطار مدنية الدولة، بل تُحمل بعضهم أوزار ما تتعرض له المرأة من عنف مجتمعى، باعتبارهم سببًا من أسباب المشكلة، ولم ولن يكونوا جزءًا من الحل، ولكن مكانة رجال الدين وقادتهم فى المجتمعات البسيطة والهامشية وكذا فى عموم الطبقات العليا مجتمعيًّا غالبًا معلومة، حيث يصيخون السمع لعظات وخطب هؤلاء، وبعضهم يملك تأثيرًا غير منكور، ومستوجب تشهيل هذه المكانة لخدمة الغرض الأساسى، وهو حياة أسرية آدمية خالية من العنف والقهر، والاستعاذة تصح فى قهر النساء كما هى تصح فى قهر الرجال!.