قد يتراءى للبعض خلو عنوان المقال من بعض المنطق، إذ يزعم وجود لذة للفشل، إلا أن هذه القراءة صحيحة فى أحد أو بعض أبعادها، فقد تم فهم الفشل على أنه الإخفاق فى تحقيق الأهداف التى يرصدها الفرد لنفسه أو يقررها سلفًا، ولتوضيح الأمر ووضع التعريف فى السياق الصحيح يجب تعريف الفشل على النحو الصحيح، وهو انهيار الأهداف المخطط لها سلفًا من قبل الشخص مُقرر هذه الأهداف، لذا فهى رؤية تخص صاحبها، ولا يمكن اعتمادها فى سياق آخر.
فبينما يرى البعض أن إخفاق متسابق فى الوصول للمركز الأول فى مضمار السباق هو نوع من الفشل، فهناك فى المقابل من يترجم هذا الفشل على أنه السبب فى نجاح المتسابق الثانى وفوزه على منافسيه فى مضمار السباق. إذن يجب فهم الفشل على أنه محدود الخسارة، وهذه الخسارة تقف عند حدود المنفعة للشخص الذى منى بالفشل، فالتعريف الحقيقى للفشل هو الإخفاق فى تحقيق النتائج التى يرجوها الساعى لتحقيقها، وفى المقابل ينظر للنجاح على أنه تحقيق النتائج المرجوة، وهى أمر نسبى يخص كل شخص وفق توجهه، فبينما يضع البعض آمال بناء الثروة كهدف استراتيجى فى الحياة، قد تتجه أفضلية المغانم لدى شخص آخر إلى تحقيق الشهرة.
وهنا إذا أصابت الشهرة وحدها دون المال الشخص الأول؛ فسيكون الحكم هو حصاد الفشل، وعلى العكس مع النموذج الأخير، فسوف يمنى بالفشل إن حصد المال ولم تتحقق له الشهرة.
المدقق فى مكاسب البشرية من ابتكارات واختراعات وأرصدة معرفية يجد أن جل هذه المكاسب جاء وليدًا لمحاولات السابقين التى باءت بالفشل، فاختراع الطائرة الذى بدأ بمحاولات الأخوين «رايت» للتحليق بأجنحة من العشب والريش لهو خير دليل على استمرار التطوير بعد عدة محاولات فاشلة، بل إن كثيرًا من العواقب الفاشلة للبعض تناولها آخرون وكانت بمثابة انطلاقة لمحاولات متجددة أسفرت عن نجاحات وإضافات استمتعت بها البشرية لاحقًا.
إذن يمكن القول بأن الفشل تجربة تخص محاولة معينة أو تخص شخصًا قام بها، وبذات الوقت قد تعنى للآخرين بداية محاولة.
كيف يفرز الفشل نجاحًا؟
لعل أوضح الأمثلة للفشل الذى يفرز نجاحًا هو ما يؤتيه جهاز المناعة بأجسادنا عندما يفشل فى صد هجوم ميكروبى على الجسم فيصاب بالمرض، وبعدها يشرع جهاز المناعة فى إنتاج أجسام مناعية ضد نفس المرض الذى تسرب فى الخفاء ليغتال صحة البدن.
الفشل ليس نتيجة فحسب، بل هو درس يتأكد فيه الفاشل أسباب الإخفاق، وربما تتضخم خبرته لتمنحه حصانة ضد الإخفاق مستقبلًا فى أمور مماثلة، ومن ناحية أخرى قد يقود الفشل إلى مزيد من التحدى لتجاوز الفشل أو عدم تكراره. إذن الفشل خبرة تضيف عائدًا إيجابيًا لمن منى بالفشل.
ولدى الحديث عن قياسات الفشل، وما إذا كان الفشل أمرًا كليًا، أم أن هناك فشلًا جزئيًا، يجب أولًا فهم الأهداف التى وضعت سلفًا قبل السعى فى تحقيقها، ومن ثم يمكن تقييم النتائج التى تصدرت مشهد النهاية.
كيفية تجنب الفشل: تجنب الفشل ليس أمرًا معقدًا، فبعض الضوابط الوقائية والدراسة المتأنية وتحديد خطوات التنفيذ كلها أمور تحول دون وقوع الفشل، إذن، يلزمنا تحرى الخطوات التالية كما يمليها المنهج الإدارى لضمان سلامة المخرجات، وهى على النحو التالى:
١- تحديد الأهداف المزمع تنفيذها ووضع معيار كمى محدد يمكن الرجوع إليه لقياس حجم الإنجاز، وكذلك وضع قياس نوعى يقيس جودة المخرجات.
٢- تحديد أدوات التنفيذ وصياغة المنهجية وتحديد الأشخاص المنوط بهم تنفيذ المهام.
٣- وضع إطار زمنى يتم خلاله تنفيذ الهدف، وإلا فإن انفلات زمن التنفيذ، فى حد ذاته، هو نوع من الفشل.
٤- تشخيص أى انحرافات فى مراحل التنفيذ للإصلاح المبكر وعدم الانتظار لنهاية المرحلة حتى لا تكون النتائج خاسرة وترتفع التكلفة.
٥- قياس النتائج كما تم التخطيط لها من الناحية الكمية والنوعية.
القراءة المجتمعية للفشل:
غالبًا ما يكون وسم العار هو عنوان الفشل، فالعقل الجمعى لا يتحلى برفاهية التماس الأعذار للفاشل، وبالطبع يمكن أن يترتب على هذا الوصف الكثير من الإحباط، وربما انسحاب الفاشل من وعود تنفيذ أعمال مماثلة، لأن وصمة الفشل تظل لصيقة بالشخص، وكان الأحرى بالمجتمع تحليل طبيعة الفشل وتحديد السببية.
لعل أشهر نماذج الفشل التى أفادت البشرية هى محاولات المخترع الشهير توماس إديسون، الذى نجح فى اختراع المصباح الكهربى، ولكن حدث ذلك بعد آلاف المرات من المحاولات غير الموفقة، وكانت له مقولة ارتقت بالفشل إلى مقام النجاح: «أنا لم أفشل، أنا بكل بساطة وجدت ١٠٠٠٠ طريقة لا يعمل بها المصباح»، بل إنه اضطر لتجربة ٢٩٠٠ معدن وسبيكة مختلفة حتى وصل إلى مبتغاه، وكان يقول: «إن ما حققته هو ثمرة عمل يشكل الذكاء فيه ١٪ والمثابرة والجد ٩٩٪».
أما جيمس دايسون، صاحب أكثر المكانس الكهربائية نجاحًا، فقد توصل لصناعة مكنسته عام ١٩٩٣ بعد أكثر من خمسة آلاف محاولة فاشلة من النماذج التى قام بتصنيعها على مدار عدة سنوات، حتى استقر على نموذجه النهائى.
إذن يمكن اعتبار أن الفشل إحدى خطوات النجاح؛ لتجنب الإحباط الناتج عن هزيمة النفس البشرية وقتل محاولات الإصلاح والتجريب حتى الوصول لنهاية ناجحة تخدم خطة النجاح.