كان ما تبقى من حياتي يدفعني نحو اليافطة الكبيرة Emergency وحاول ال Security توجيهي الى الباب الآخر ،وان هذا الباب مخصص لسيارات الاسعاف فقط ، فدفعته من طريقى ، وتعلقت عيناى بالأسهم المسرعة على اللافتات الزرقاء الى حجرة Emergency ، وانا أعدو مسابقا اياها .
وبسرعة وضع الطبيب جهاز الأكسجين على فمى وأنفى ، وأجلسني ، وخفت الا يقفز من بين ضلوعى ، فوضعت يدى على قلبى ، وجاءت الممرضة وخلعت ملابسى ، وألبستني قميصا ابيض فضفاض ، وأنامتني على السرير ، ووصلت جميع جسمى بأسلاك تتصل بأجهزة لا اعرفها .
اغمضت عينى فاجتاحتني الظلمة ، فكأنني محمول على نعش يطير ويندفع الى الامام ، الى اعماق العتمة ، اذلك هو الجحيم !؟
أصرخ فى وجه صديقى الذى يقود السيارة ...أسرع ...أسرع ، لا أريد ان اموت .
حاولت جاهدا ان تظل عيناى مفتوحتين طوال الوقت ، ولكن بين إغماءه واخرى ، رأيته يكاد ان يطبق علىَ ، فقلت له لا تأخذنى فى غربتى ، فان اردت فليكن بين اهلى مكان مولدى ، فهانا غريب هنا ، فهل تؤجل هذا لحين عودتى؟
قفزت رأسي ، وتحركتُ فزعا رافضا التسليم لهذه الهواجس ، فلن اموت ، وسأعود الى امى التى تنتظرنى ، وسأحضر لها الكثير من الشموع التى توقدها امام القديسين كل صباح وهى تصلى من اجلى ، فنذرت للعذراء مريم وقلت لها : ايتها القديسة الام الحنون خذى كل ما جمعته من اموال وأنقذى حياتى، ولكن ساورنى هاجس وخفتُ ان تنقذ العذراء حياتى وافقد أموالى فى لحظة ضعف ، فأقنعت نفسى وربما اقنعتها ، ألا أساوم على حياتى مقابل المال ، وقلت لها : أيتها القديسة مريم الغنية هل تطمعين فى حفنة من الدولارات وانتِ تملكين الكثير منها، فقط عليكِ ان تنقذينى وحسب.
افقت من غفلتى على صوت رجل يتألم ويتأوه ويلعن كل شئ .
كانت العتمة تبدأ من نقطة مركزية ثم تتوالد منها دوائر معتمة صغيرة ما تلبث ان تكبر وتكبر حتى تملأ فضائى تماما .
شاخصا كنت إلى الحوائط الباهتة والمعلق عليها صور لأشخاص قدامى لا اعرفهم ، وخيوط العنكبوت تملأ ركنا قريبا من السقف ، أشعلت سيجارة كان قد أعطاها لى مكسيكى يعمل معى ، تذكرت طرفة قديمة ، أخذت اضحك واضحك كثيرا ، لم يكن معى أحد بالمنزل ، راحت الحوائط تتمايل غير ثابتة فى مكانها ، وصارت الأريكة التى أرتاح عليها أرجوحة تتطاير بى لأعلى واسفل وانا اضحك حتى دمعت عيناى .
مسحت بيدى على وجهى وأنا ممدد على السرير فى المستشفى فابتلت .
كان يجلس بجانبى الطبيب الذى يتابع حالتى ، مقطب الوجه ذو لحية مشذبه ، فامتعضت وتمنيت لو كان بدلا منه أخى الطبيب الذى اغتربتُ عنه ، لكانت حياتى مؤتمنة وسيفعل اقصى ما لديه لإنقاذي بجانب العذراء مريم بالطبع ، وبسرعة اقتحم ذاكرتى كالرصاص وتعالى ضباب دخان كثيف اختلط بعتمتى ، دخان يحيط بكنيستى التى احرقوها واهدموها ،
وبسرعة فتحتُ عينى وكأنني اُنتشلت من الغرق ، كانت الكوابيس تجتاحنى غصبا وانا ممدد على السرير او على النعش بلا حراك ، لا أقوى على تحريك أصابع يدى وكأنه الشلل التام او الموت فى خطواته الأولى .
اقتحمت (آنى ) عتمتى وهى ترتدى hot short وبلوزة تكشف عن نهدين متمردين وقدمت لى سيجارة بعد ان وضعتها على فمها وأشعلتها ، كان طلاء شفاها الأحمر قد أوقدنى ، فضحك أصدقائي وقالوا لها انه – وهم يعنونى - بان ليس له فى المارجوانا ، فوضعت أناملها على خدى وقالت بغنج أليس لك فى أشياء اخرى ، صرخت فى وجهها no وفررت خارج المنزل لأتنفس هواءً نقيا.
كانت السيارة التى تحملنى الى مستشفى Queens - والتى توقفت حياتى وانقاذها على سرعتها – تسير ببطء اتخيله ، وعند توقفها فى كل إشارة مرور كنت العن قائدها ، لم يعرنى أدنى اهتمام وهو يقود سيارته فقد كان مشغولا، ماذا سيقول عنى ، وربما سيعرضه هذا الى (س ، ج ) ، وبينما كانت حبات ال snow تتساقط على زجاج السيارة ، راحت اسراب النمل الفارسى تزحف تحت جلدى ، وحاولت التقاط أنفاسي بصعوبة ، واعتبرتُها أنفاسي الأخيرة .
عبرت أمامي فتاة جميلة ، وجاء مكانها بجانبى وارتدت نفس القميص الأبيض الذى ارتديه وعلى مسافة قريبة منى تمكننى من رؤية جسمها خلف قميصها المفتوح من الجانبين ، وبطرف عينى كنت اختلس النظر الى ساقيها المرمريتين اللتان انحسر عنهما قميصها ، فكدت المس نعومتهما ممليا عينى ببياضهما الذى يضوى تحت لمبات النيون الهادئة ، ونهداها اللذان يطلان من فتحة قميصها ، هكذا كانت جولى التى لا ترتدى (سوتيان )، وحينما طوقتنى بذراعيها سألتها ان تعلمنى كيف تُقبل المرأة رجلا ، وعندما أنهيت عملى كانت بصحبتى فىCentral parkهى يونانية الاصل تركها زوجها بعدما انجبت منه فتاة ، فهاجرت هى وابنتها الصغيرة الى امريكا ، حدثتها عن زوربا اليونانى فابتسمت ، تحدثنا عن الشر والخير فاتفقنا ، حدثتها عن الموت فصمتت ، صارت جولى صديقتى ، افترشتُ لها معطفى ومحبتى على الحشائش الرطبة ، وسألتها كيف تبدو لكِ الحياة هنا وانتِ مغتربة عن وطنكِ اليونان ، أجابتني بحزن قديم ، اغتربتُ عندما تركنى زوجى ، الغربة حالة وليست مكان .
صديقى الذى حملنى فى سيارته وانا أصارع الموت لم يدخل معى المستشفى بل لم يترجل من سيارته، حاولت أن أتذكره وسط هذه الكوابيس ، صار صديقى بلا ملامح .
عاد طيفها كشفق يتسلل الى عتمتى متسربلة بالنور، وهى تبتسم لى، ومدت يدها نحوى فأفقت من إغماءاتي ، كانت الممرضة الجميلة التى تشبهها مبتسمه وقالت لى فى المرة القادمة سوف لا تشعر بالموت عندما تتناول جرعة زائدة من المارجوانا .