نسيم عبيد عوض يكتب : كنت هناك يوم 5 يونيو 67

نسيم عبيد عوض يكتب : كنت هناك يوم 5 يونيو 67
نسيم عبيد عوض يكتب : كنت هناك يوم 5 يونيو 67
 كنت هناك يوم قام الطيران الإسرائيلى الساعة 8:15 صباح يوم 5 يونيو 67 بضرب جميع المطارات والمواقع العسكرية المصرية وتركتها مدمرة بالكامل,وتقدم القوات المسلحة الإسرائيلية بإحتلال سيناء حتى شاطئ قناء السويس.
 وقبل أن أوصف أحداث هذا اليوم دعونى أرجع إلى الوراء حيث أعلنت حالة الطوارئ  يوم 14 مايوويومها أعلن الرئيس جمال عبد الناصر إغلاق المضايق فى وجه الملاحة الإسرائيلية , وعندما سألنا عن هذه المضايق قالوا لنا مضايق على خليج العقبة منها تخرج الملاحة الإسرائيلية للعالم , وكانت هذة أول مرة نسمع عن هذه المضايق , وعن حالة الطوارئ أن يكون الجيش المصرى بكل فروعه وأسلحته فى حالة إستعداد للحرب مع إسرائيل فى أى وقت يصدر الأمر ,وبالتالى نحن الأفراد لا خروج لنا من وحداتنا لرؤية أهالينا إلا بعد فك حالة الطوارئ ,أي إنتهاء حالة الحرب , وكنت فى كلية ضباط الإحتياط ببلدة فايد , ومنذ ذلك اليوم بدأت حالة الإستعداد للحرب واضحة , فهنالة قوات من جميع الدول العربية تعسكر معنا , وأذكر منها الجزائر والكويت والسودان وغيرها ونحن بدأنا فى التقدم فى التدريب العسكرى وكيفية إطلاق النيران بالأسلحة المختلفة ,وبدأنا نستيقظ فجرا على صوت الطيران المصرى يحلق على إرتفاعات منخفضة , والسبب أننا كنا ومطار فايد والمسمى الأبيض يفصلنا سور واحد فكنا نشاهد الطائرات تحلق فوقنا بأصوات مزعجة , وإستمر حالنا على هذا المنوال وعائلاتنا لا تعرف عنا شيئا حتى كان صباح 5 يونيو .
بدأنا يومنا بوجبة الإفطار وخرجنا لطوابير التدريب وأذكر أننا بدأنا فى محاضرة وكنا جالسين فى دائرة على الأرض ,وجائت طائرات منخفضة جداتحوم حولنا  لدرجة كنا نرى قائد الطائرة وبعد قليل سمعنا أصوات إنفجارات رهيبة , وكنا لفترة ليست قصيرة نظنها طائراتنا التى تتدرب كل يوم , وفجأة سمعنا صراخا هذة طائرات إسرائياية تضربنا وقد بدأت الحرب , وحسب الأوامر نزلنا فى الخنادق التى أعددناه طوال الفترة الماضية والتى لولاها لمتنا جميعا . وأستمر الحال طوال اليوم , وكنا نخرج من الخنادق نراقب الطائرات الإسرائيلية وهى تغادرنا ونراقبها وهى عائدة من فوق قناة السويس , وننزل فى الخنادق لحين مرروها ,وكانت طلقات النيران والشظايا تتناثر حولنا من كل إتجاه , وأنا شخصيا تابعتنى شظية كبيرة هربت منها فى الخندق حتى نجوت منها, والحالة كانت ليست مرعبة لأن القوات الكويتية وكانت بجوارنا تذيع محطة صوت العرب التى تعلن بصوت مذيعها المشهور أحمد سعيد عن إسقاط طائرات إسرائيل ,وأن الطيرات المصرى يتغلب على الإسرائيلى , وفى كل مرة يصفق الجنود مهللين لما تذيعه صوت العرب , وحتى وقعت حادثة إطلاق النيران على أحد زملائنا الذى خرج لإحضار الذخيرة فضربته طائرة إسرائياية وتناثر جسده أمام عيوننا جميعا ,فصدرت لنا الأوامر بعدم التحرك من الخنادق لحين أوامر أخرى
وفى صباح 6 يونيو خرجنا نتنفس الصعداء ونتعرف على حقيقة الموقف , فرايت بعينى قواتنا متناثرة فرادا منسحبة من سيناء وقالوا لنا أن القوات الإسرائيلية تتقدم لإحتلال سيناء فى كل إتجاه , ثم فى المساء رأينا الفرقة الرابعة المدرعة وهى منسحبة من سيناء , وفى الصباح رأينا قوات مصرية منسحبة من سيناء بملابس مدنية جلاليب وقميص وبنطلون , وعندما سالنا قالوا لنا أنهم القوات الإحتياط أدخلوها سينا ء بحالتهم هكذا لحين تجهيزهم للقتال , ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك حتى صدرت أوامر الإنسحاب 
وبالنسبة لنا طلبة  ضباط الإحتياط صدرت إلينا الأوامر أن نخرج إلى جبل هضبة فايد وهو جبل كبير , وقالوا لنا أن يحفر كل واحد له حفرة فى الجبل يختفى فيها لحين صدور أوامرأخرى , وفى هذه الفترة كنا نرى أيضا الطيران الإسرائيلى ذهابا ةإيابا ,وبدأت الأخبار تتوالى حتى عرفنا أن القوات الإسرائيلية تقدمت فى سيناء وأحتلتها كلها فى ظل إنسحاب القوات المصرية , ووصلت قوات العدو إلى شاطئ قناة السويس وبدأت تبنى سدا ضخما من التراب والرمال بدأ يرتفع أمام أعيننا حتى حجب رؤية سيناء بالكامل والمسمى بخط برليف  
فى أوائل شهر أغسطس نزلنا من الجبل وكان لقاء فى سينما الكلية بحضور الفريق مرتجى قائد القوات البرية , الذى أعلن لنا تفاصيل حجم الكارثة التى وقعت يوم 5 يونيو ومابعدها وحتى بنيت إسرائيل سدا ضخما على قناة السيويس قال الخبراء الروس أنه يصعب تحطيمة حتى ولا بالقنابل الذرية , كانت أخبار مرعبة ومفزعة , وأستحق اليوم أن يكون نكسة للجميع .
وسمعنا أنه تعين اللواء عبد المنعم واصل لتجميع القوات المنسحبة فى كل مكان , وبالنسبة لنا نحن طلبة الكلية منحونا رتبة ملازم (نجمة) وأخبرونا أنهم  يعدون لنخرج لنرى أهالينا , وفى حوالى على ما أذكر 15 أغسطس أعطونا ملابس جديدة , وأحضروا لنا قطارا مخصوصا خرج وكأنه يتهرب حتى وصلنا إلى محطة فى شبرا لاأذكرها , ومن محطة المظلات آخر شبرا ركبت الأتوبيس ونزلت فى محطت شارع راتب باشا حيث أسكن , وسرت فى شارع راتب وحتى بيتى والناس تتفحصنى بعيونها وكما عرفت أنه عرف بأننا قتلنا فى ذلك اليوم ,ودخلت على أسرتى التى فوجئت بى حيا بعد أن كانوا قد إستقروا على قتلنا,وخصوصا وأخى قد إستمر يبحث  عن أي أخبارعنى  وطرق كل الأبواب ولم يستطيع الوصول إلى شيئ طوال الفترة من 14 مايو وحتى يوم عودتى ولم يستدل على أي أخبار فأعتبرونى من الأموات , وكانت فرحة كبيرة عندما رأونى حيا أمامهم ,وحتى الجيران شاركوهم الفرحة , وأخذنى أخى وأحتفل بى فى كازينو فى شارع عماد الدين ,وكان لسان حال أخى الله يرحمه " أخى هذا كان ميتا فعاش". 
والسبب لنكسة هذا اليوم ومابعده فى رأيي أن قرار الرئيس عبد الناصر بإغلاق المضايق التى لم يكن يعلم الشعب عنها شيئا, كان قرارا خاطئا لسبب عدم وجود جيش بالمعنى المطلوب للجيوش ,لأنه لو كان إستطلع حالة الجيش لما كان قد إتخذ هذا القرار , كان عبد الحكيم عامر قائدا للقوات المسلحة , وكان الأمر بالنسبة للجيش أنه فوق الجميع , وهذه حقيقة فقد كان الشعب يحترم كل عسكرى يخطو على أرض مصر , والحقيقة انه لم يكن  مسلحا تسليحا حقيقيا , وكانت الطائرات فى مطراتنا فى الهواء الطلق بدون أي حماية , قوة السلاح كانت البندقية الآلية ,وكانت الملابس العسكرية توحى فقط بوجود قوات مسلحة مصرية ولكن الحقيقة كانت مختفية حول مظاهر غير حقيقية لجيش قوي مزيف  وللأسف كان العدو يعرف هذه الحقيقة, ومن هنا كانت الضربة القاصمة للجيش وللقوات المسلحة المصرية.
لقد إنضممت للقوات المسلحة فى ديسمبر 66 ,وكنت قد تخرجت من كلية التجارة جامعة القاهرة فى يوليو 65 وتعينت محاسبا فى أغسطس ,وكان مرتبى 20جنيه  وبعد إستقطاع المعاش 17جنية ونصف , وكان هذا مبلغا كبيرا لأنى أستطيع أن أشترى بدلة كاملة بخمسة جنيهات , وهذا أقوله لمعرفة الحالة الإقتصادية وقت يوم النكسة ,وكان الشعب خارجا من حالة تأميم عبد الناصر لكل شيئ فى مصر , وظهرت فى الأسواق البوتجازات والثلاجات إيديال , ولم يكن هناك أي نقص فى المواد التمونية ,  وعلى ماأذكر كان كيلو الأرز بخمسة قروش وعندما حوالت الحكومة رفع سعره لخمسة ملاليم إضافية أقال عبد الناصر رئيس الوزراء ,وهكذا حتى وقعت النكسة, فكان الزلزال الذى كشف الحقيقية, وبدأنا نقف الطوابير من أجل الحصول على رغيف العيش.
لقد إستمرت خدمتى فى القوات المسلحة حتى نصر أكتوبر 73 ,وخرجت منه برتبة رائد  وهذا قصة أخرى.