إدوارد فيلبس جرجس يكتب : عقول تُفكر من خلف الضباب ...الخامس من يونيو 1967

إدوارد فيلبس جرجس يكتب : عقول تُفكر من خلف الضباب ...الخامس من يونيو 1967
إدوارد فيلبس جرجس يكتب :  عقول تُفكر من خلف الضباب ...الخامس من يونيو 1967
كل من عاش الخامس من يونيو عام 1967 ،  ما أن يهل شهر يونيو من كل عام وحتى بعد مرور هذه السنوات الطويلة ، ألا وتتجسد أمامه ذكرى هذا اليوم الحزين على مصر وعلى كل مصري عاش هذا الزمن ولم تأت لحظة واحدة في فكره أو ذهنه ، أن الوطن يُضرب هذه الضربة الشريرة التي لا أكون مبالغا إذا قلت أن شرها لا تزال أثاره حتى اليوم ، توجد ضربات تنمحي تدريجيا حتى تختفي وضربات لا يمحوها الزمن بل تبقى كعاهة مستديمة .  الخامس من يونيو عاهة مستديمة ستظل أمام كل أجيال ذلك اليوم ولأجيال قادمة لا نعلم مداها . نعم انتصرنا في السادس من أكتوبر 1973 وعادت بعض الأرض وعاد الباقي بالحلول السياسية ، لكن دائما أقولها لو لم تكن هزيمة 67 ما اضطررنا إلى حرب 73 والخسائر الفادحة للألاف من ابناء مصر في الهزيمة والانتصار ، خسائر اقصادية فادحة عانت منها مصر ولا تزال تعاني منها حتى الآن أو على الأقل تعيش بعضه . كيف لا نتذكره ولا يزال شاهدا يقبع أمامنا حتى اليوم كذكرى بشعة وهو هضبة الجولان التي ما زالت محتلة حتى اليوم في سوريا . لست مخطئا أو أعيش التشاؤم فأنا واحدا ممن عاشوا هذا اليوم وكنت وقتها في السنة النهائية من تعليمي الجامعي وبمجرد تخرجي أُستدعيت للخدمة في القوات المسلحة كما استدعي أبناء الوطن من أجل استعادة ما ضيعته العقول التي كانت تفكر من خلف الضباب ، وإن كانت انتهت السنوات السبع التي امضيتها بالقوات المسلحة بانتصار اكتوبر إلا أن كلمة الحق يجب أن تقال فأنا كنت ضحية مثل الألاف الذين ضاعت منهم هذه الفترة وخاصة بعد التخرج مباشرة وكان يمكن أن تغير في الخطوات كثيرا نحو المستقبل ، لكن ما يعزيني ويعزي الجميع أنها كانت من أجل الوطن وليست من أجل من جلبوا الخراب على الوطن ، حكام وقيادات ذلك الوقت وأقل ما أوصفهم به وأعيدها ثانية لمرارة في الحلق باقية حتى الآن ، أنها كانت تفكر من خلف الضباب . حاكم ترك أحوال البلد لقيادات سلبت ونهبت الكثير بعد ثورة 1952 ، وهذه لها قصص وحواديت ، تركها ليفكر من خلف الضباب كيف يكون زعيما أو امبراطورا على كل الدول العربية  ، فضيع من ابنائها الكثيرين في حرب اليمن وغيرها وخسر الكثير بعد فشل الوحدة مع سوريا ، أضاع البلد كلها وهو يترك قيادة جيشها مجاملة لمن لا يصلحوا سوى للسهرات الحمراء . هل أنا مخطئ الفكر حينما أردد هذه  الكلمات دائما ، كلا وألف كلا ، وإذا احتاج الأمر للقسم فليكن فلقد كنت شاهد عيان لهذه الفترة ولا أستقي كلماتي مما كتبه الغير . كنا نحلم بجرار العسل للوطن فلم يذق منها سوى قناطير المر ، أتذكر عندما التحقت كضابط احتياط بالقوات المسلحة عقب الهزيمة بعدة أشهر ، كيف كان حال الجندي المصري تدريبا ومعيشة وكيف كانت عنجهية الضابط المصري في عهد المشير عبد الحكيم عامر قائد القوات المسلحة في ذلك الوقت وغيره من القادة الكبار ، أقول غيره ولا أقصد الجميع ، لأنه كان الكثير من الشرفاء المخلصين والجادين ، لكن للأسف لم يكن الأمر بيدهم ولا الكلمة كلمتهم ، كانت كلمة مشير يعيش اللهو أكثر مما يعيش القيادة وقادة يعيشون حوله من أجل المنفعة . آسف للرئيس عبد الناصر الذي كنت أحبه وأرى فيه الزعيم الذي سيقود الوطن للإزدهار ، لكن بعد الهزيمة وانكشاف المستور ، تكشف أن الرئيس كان يفكر من خلف الضباب كيف يكون زعيما للأمة العربية فلم ير داخل الوطن وتركه لقيادة من لا يستحق القيادة . العزاء  الآن إننا قبل أن نرحل ويرحل باقي أجيال ذلك الوقت أنه عاد إلينا الأمل بعد ثورة يونيو 2013  وقيادة الرئيس السيسي التي تحاول ونجحت في ترميم الكثير مما تهدم في عصور الحكم السابقة ومنذ ثورة يوليو 1952 ، وأنقذت الوطن ممن كانو سيذهبون به إلى حضن الشيطان ، انقشع ضباب  ما بعد ثورة يوليو 52 وما خلفته هزيمة يونيو 67 ، وما أتت به ما يسمى ثورة 25 يناير 2011 ، أتى الفكر الذي يعمل في ضوء الشمس وغدا بإذن الله سيكون أفضل وأفضل والوطن يكبر ويكبر . 
 
 
المستريحون والفكر الضبابي .
*****************************
أفضل ما ابدأ به هذه الفقرة المثل الذي يقول " الحدأة لا تُلقي بالكتاكيت " ، لأن الحدأة تخطف الكتاكيت " فراخ الدجاج الصغيرة " فليس من المعقول أن تعطيها ، فهل يظن أصحاب العقول التي تفكر من خلف الضباب ومحكومة بالطمع أن هؤلاء المستريحين سيغدقون عليهم من حيث لا يدرون ،  كان لا بد أن يفهموا أو على الأقل يتعلموا ممن قبلهم أنه لغرض في نفس يعقوب سيعطونهم الفوائد العالية مرة أو مرتين على الأكثر ثم يهربون بأموالهم ولا يبقى سوى الندم والعويل . كُتب الكثير عن ظاهرة " المستريحين " ، لكن عندما أرى انتشارها المذهل والقبض على الكثيرين منهم في مختلف المحافظات قررت أن أدلو بدلوى في ظاهرة أنظر إليها من زاويتين ، عقل ذكي ذكاء الشيطان للمسترحين وعقول تفكر من خلف الضباب للضحايا ، إذا كنت قد قررت أن أكتب فلا بد أن نأتي بالحكاية من جذورها ، أقصد حكاية " المسترحيين ". كلمة " المستريح " لم تبدأ سنة 2015 كما يظن البعض بالنصاب أحمد مصطفى وشهرته " المستريح " ، لكن بدايتها الفعلية  ترجع إلى الثمانينات من القرن الماضي بملوك النصب أصحاب " شركات توظيف الأموال "  ، أصحاب الجلاليب البيضاء واللحي وكشوف الرشوة التي أطلقوا عليها " كشوف البركة " وما هي سوى رشوة مقنعة لأصحاب الفتاوى الدينية وغيرهم من المناصب التي تحميهم لكي يكونوا واجهة لهم ، واجهة تدليس ونصب مشترك معهم ، أصحاب الفتاوي هم العسل الذي يجذب الذباب للمصيدة بإصدار فتواهم بأن فائدة البنوك حرام و فوائد شركات التوظيف الحلال المصفى والذباب هم الضحايا الذين أغرتهم المكاسب الكبيرة وهم الذين أطلق عليهم ( أصحاب العقول التي تفكر من خلف الضباب ) وهؤلاء هم الذين يعيشون تحت تأثير فتاوى الحلال والحرام ، انزلقوا إلى المصيدة التي بالفعل كانت بالنسبة لهم الموت كموت الذباب بعد أن فقدوا أموالهم التي أودعوها في شركات النصب ، أبشع لصوصية وأقذر عمليات للنصب ما ابتدعه أصحاب شركات توظيف المال . توظيف العاطفة الدينية الجياشة ، للمواطنين ، لتنفيذ مآربهم ، يُعد ابتزازا وقحا وكارثيا، إذ يزعم القائمون عليها أنهم يطبقون شرع الله ، وأن كل ما يمارسونه مستمد من الدين ، وبمرور الوقت ، يتمادى هؤلاء "النصابين" فيضفون على أنفسهم هالة القداسة الدينية ، ويصبحون هم والدين شيئا واحدا، فمن يحاول توجيه النقد لهم، فإنه ينتقد الدين ، وصولاً إلى النفاق ثم الكفر فالخروج عن "المِلة" ومن ثم استباحة دمه وماله. هذه بداية " المسترحيين " القدامى ، أما المستريحين الجدد الذين وعلى رأسهم المستريح الجديد وهو لقب الشهرة للنصاب أحمد مصطفى الذي كان نشاطه في الصعيد وأوهم الأشخاص الذين وقعوا في حبائله بأنه يستثمر الأموال في الهواتف المحمولة مقابل الحصول على أرباح شهرية مغرية  . لم يأخذ أصحاب العقول التي تفكر من خلف الضباب عبرة من شركات التوظيف التي يتردد صداها حتى الآن فانذلقوا بجشعهم وتقواهم الدينية المغشوشة بأن فوائد البنوك حرام وضاعت أموالهم في جيب المستريح النصاب ولولا القانون لفلت بها ، حكم عليه بالقانون بالسجن 15 سنة ورد الأموال إلى أصحابها ولست أعلم إن كانت رُدت أم ضاعت كما ضاعت أموال المودعين في شركات توظيف الأموال سابقا . الذي  يدعو إلى السخرية المطلقة أنه رغم ما يكتب عن كل مستريح في الصحف وتُعرف عمليات نصبه إلا أن العقول التي تفكر من خلف الضباب ويعميها الجشع والطمع وتقع تحت الفتاوى الدينية المغشوشة لا تتعظ فوقع البعض في براثن نصاب آخر هو مستريح المنوفية ثم توالت عمليات المستريح النصاب والعقول التي تفكر من خلف الضباب ثم  مستريح سوهاج ثم وثم وأَكْثر من " ثم " كما شئت لأن مستريحيين كثيرين لم ينكشفوا بعد وسيأتي بعدهم الكثيرون وإلى آخر المدى طالما يجدون أمامهم العقول التي تفكر من خلف الضباب وغشاوة الأرباح الكبيرة السهلة تلعب دورها والفكر الديني المتخلف الذي يبثونه في فكرهم بأن فوائد البنوك حرام .
 
 
العقائد وأصحاب العقول التي تفكر من خلف الضباب . 
*********************************
أقصد العقائد السماوية للأسف وليس أصحاب العقائد الوضعية أو الأرضية ، فعندما يتنابذ أصحاب العقائد السماوية ويتضارب أصحاب المذاهب في العقيدة الواحدة ، فهذا يدعو للأسف وكأنهم يعبدون إله " صنع في الصين " . الكلمات ليست عامة لكنها شبه عامة ، ولا تنطبق على منطقة واحدة لكنها قد تكون ظاهرة انتشرت في أصحاب العقائد السماوية في العالم كله ، والتعميم ليس مضبوطا لكن شبه التعميم هو الصحيح . لقد ذهب أصحاب العقائد في طريقين إما المغالاة التي تصل للتطرف أو التعصب وإما إلى التسيب الذي يكاد يخرج عن العقيدة أو يشوه تعاليمها ، وفي كل طريق  يوجد أصحاب العقول التي تفكر من خلف الضباب . الغريب أن بعض المناطق أو الدول التي كان يُعرف عنها التعصب والتطرف الشديد بدأت في الخروج من هذا النطاق بل خرجت بالفعل مثل السعودية التي كان يوجد بها كيان يسمى " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، وبالرغم من أن المنطوق يبدو جميلا إلا أنهم حولوه لأداة إرهابية ، العصا والجلد والعنف والتعذيب وإهدار كرامة الإنسان هو المنطوق الصحيح لها ، العصا في الشارع لإجبار الناس على الصلاة ، والويل لمن يضبط غير صائم في شهر رمضان  ، كيان لا يصلح سوى للإرهاب ، لكن الأمير محمد بن سليمان جاء وألغى هذا الكيان الإرهابي بكل ما تحمله المعنى وتنفس الشعب السعودي الصعداء بعد إن اختفى كوباء أشد من وباء الكورونا . ولم يقف الأمير محمد بن سليمان بل سار في طريقه نحو الخروج من كل أدوات التعصب والتطرف التي كانت متغلغلة على أرض المملكة لأنه عرف أنها أدوات باطلة تشوه العقيدة وتشوه أسم المملكة ، وقد يكون القرار الذي صدر منذ أيام بأن تكون صورة المرأة في بطاقة الهوية غير مغطاة الرأس أو الوجه أي سافرة الوجه قرارا حكيما من عدة جوانب ، وفي الوقت الذي سارت فيه السعودية نحو طريق التنوير نجد حتى الآن مجتمعات متنورة إلى حد كبير لكنها تسمح وتغمض عينها عن كيانات التطرف والتعصب الأعمى وإن كانت لا توجد بصفة رسمية كما كانت جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية ، لكنها متغلغلة ومندسة داخل المجتمع بطريقة لا تبشر بالخير وإن لم تفق الدولة سيصبحون أكثر إرهابا وإن كان بطريقة أخرى وتحت مسميات أخرى أشد وأخطر من هؤلاء الذين اندسوا تحت مسمى ثورة 25 يناير وظهرت نواياهم الشريرة بل الإرهابية والتي لا تزال ذيولها تعبث حتى الآن .  منذ فترة ليست بالقصيرة ظهر في مجتمعنا ظاهرة تحت عنوان الدعاة الجدد ، وجهة نظري فيها أنها حالة مَرَضية بالضبط مثل السلفية ، حالة من حالات السخرية ، دعاة ارتدوا الجينز  والتيشرتات المستوردة ليغزون بها المجتمع الراقي ، وخرجوا بفتاوى عصرية وحجاب مودرن والمايوه البوركيني للسيدات ، ومن خلف هذا يدسون الفتاوى غير العاقلة بالنسبة للعقيدة نفسها والمسمومة نحو الآخر المخالف للعقيدة ، لا يهمني إن كانوا يتربحون من هذه المهنة الكثير والكثير، لكن ما يهم هو ما يتحدثون به ويحاولون أن يقنعوا به الشباب والفتيات بل للأسف الأسر الكبيرة والأزواج والزوجات . لقد أثرت أحاديثهم على عقول الكثيرين وهم ينظرون إلى نصائحهم كما لو كانت وردت في العقيدة ، فازداد الشقاق واستفحلت في السنوات الأخيرة ظاهرة الطلاق ومن ثم خراب البيوت بل لن أكون مبالغا إن قلت أن هذا الخراب وصل إلى الإعتداء الجسدي من الأزواج على الزوجات وأيضا العكس بكل أسف ، هذه نبذة مختصرة يمكن أن أطلق عليها مقدمة لكن الموضوع نفسه أكبر بكثير من هذا وسأتناوله بالتفصيل في موضوع مستقل، لكن هذه المقدمة ما هي إلا نداء سريع اللدولة كي تبدأ في النظر إليه بجدية . هنا للأسف العقول التي تفكر من خلف الضباب تنطبق على الطرفين هؤلاء الدعاة وأيضا من يستمعون إليهم وإلى نصائحهم وإلى فتنهم التي يقصدون بها خراب العقول وخراب  المجتمع .
 
واحد من المستريحين