عقب ثورة 30 يونيو وتولي الفريق عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم ، وتحديدًا في شهر سبتمبر 2014 ، أكد في تصريح بديع حول دور العلم في حياتنا " أن العلم هوالحياة بأسمى معانيها، والشمس التي تشرق دوماً ومن كل الجهات، أما الجهل فهو ظلام الحياة الدامس، والفكر المنغلق الذي يرفض التطور والتقدم، وهو عدو الحياة ولعنتها الكبيرة، فالجهل لا يكون في شيءٍ إلا شانه، أما العلم فلا يكون في شيءٍ إلا زانه، وشتان ما بين العلم والجهل، أحدهما يدٌ تبني، والأخرى تهدم، فالعلم يبني الأمم والعقول والدول، أما الجهل فإنه يهدم كل جميل، بل إنه ينسف جميع أسس الحياة الجميلة لتصبح غارقةً في التخلف..."
نعم سيدي الرئيس "العلم نور والجهل ظلام" عبارة كانت تتردد في زماننا على ألسنة أساتذة اللغة العربية كمفتتح لموضوعات التعبير ، وكانت بنصها عبارة مدونة على الغلاف الأخير لكراسات التلامذة من باب التنوير والتحفيز للمزيد من الانتماء والولاء للمدرسة والتعليم وحب دراسة كل العلوم ..
وعلمونا إن العلم منارة حياتنا ونورها الهادي للتطور والعزة والرفعة، وأن العلوم يتم إحيائها بكل إنجازات ومخترعات أهل العلم والعلماء ..
ومعلوم حدوتة الأديب الكولومبي جابريال جارسيا ماركيز عندما سافر الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الأحد، ليصل طوكيو الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الإثنين، في رحلة استمرت 11 ساعة من النهار المتواصل، اكتشف بأن ليلة ضاعت من عمره إلى الأبد متحسرًا على حلم تلك الليلة الضائعة. وقد تساءل كيف يسافر الإنسان بالكونكورد من باريس عند الساعة الحادية عشرة ويصل نيويورك عند الساعة الثامنة صباح اليوم نفسه، وبعد أن يتناول الإفطار في باريس يعود فيتناول إفطاره في نيويورك في اليوم والساعة نفسيهما.. هذه هي عجائب الفيزياء التي قال عنها ماركيز أنه لم يفهمها، رغم شروح من حوله من العلماء بكل وسائل الإيضاح.
ولكن ــ للأسف ــ هناك حالة تراجع إعلامي غريب ومحبط في هذا السياق ــ فقد اختفت المتابعات الإعلامية لأخبار العلم والعلماء والاختراعات ومتابعات لإنجازات المراكز البحثية والعلمية ونشر المقالات التي يحررها أهل العلم والبحث العلمي ، وتم رفعها من صفحات الجرائد والمجلات الحكومية والخاصة ، وإلغاء البرامج العلمية التي تحصن وتدعم الوعي العلمي..
من منا يمكن أن ينسى دور رائد الصحافة العلمية والبيئية " صلاح جلال " وعموده العلمي اليومي بجريدة الأهرام وعبر رئاسته لتحرير مجلة الشباب وعلوم المستقبل " و كيف كانت متابعته لسباق الفضاء بين أمريكا والاتحاد السوفيتي و تخصصه في الكتابة العلمية، والتفوق في تبسيط العلوم والمصطلحات العلمية للجماهير العريضة.وكان الصحفي المصري - بل والعربي - الوحيد الذي تابع إطلاق سفينة الفضاء أبوللو إلى القمر حاملة نيل أرمسترونج وزميليه في يوليو 1969 ـ وكانت هذه التغطية الصحفية المتميزة لهذا الحدث الجلل تحتل صفحات الأهرام الرئيسية لأيام عديدة ـ وكان يؤمن بأن مصر يجب أن تدخل القرن الحادي والعشرين بالعلم والتكنولوجيا ـ وكان يدعو دائمًا إلى انتهاج الأسلوب العلمي في التفكير.
من منا يمكن أن ينسى برنامج " عالم البحار " ومقدمه العالم الرائع " حامد جوهر " وحلقاته الرائعة التي كانت تمثل إضافة معلوماتية وثقافية متجددة عن سكان البحار والثروات الرائعة التي يتناول أهميتها وكيفية التعامل معها ..
من منا يمكن أن ينسى برنامج " تكنولوجيا" اومقدمه الرائع دكتور مهندس يوسف مظهر وكيل وزارة الصناعة والمخترع الهام والفنان والمصور الفوتوغرافي ... وفي فترة التمانينات كان " مظهر " واحد من فريق العمل بمشروع مصري امريكي هدفة مراقبة الجودة وتطوير الصناعة والتكنولوجيا في مصر ومدير المشروع....
وعليه ، يبقى التساؤل ، أين أجهزة الإعلام بكل وسائطها من متابعات للعلم وفرسانه ومكتشفاته في مصر والعالم ..
يحدث هذا رغم اهتمام القيادة السياسية والإيمان الهائل بمدى الاحتياج الملح للتطبيقات العلمية ودورها التنويري والتنموي في كل مناحي الذهاب إلى دعم وازدهار صناعة التقدم ، فكانت مبادرة الرئيس بتشكيل " المجلس الاستشاري لكبار علماء وخبراء مصر" وقد أكد الرئيس على أهمية الدور الفاعل الذي يضطلع به المجلس وكذلك المهمة القومية التي يؤديها أعضاؤه من أجل طرح الأفكار والتوصيات لحل المشكلات التي تواجه مصر في العديد من المجالات.الصناعية والتعليمية والطبية وغيرها ، ومن ثم إطلاع رئيس الجمهورية علي أحدث ما وصلت إليه العلوم الحديثة علي مستوي العالم في مجالات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي وبحث إمكانيه الاستفادة منها علي مستوي مؤسسات الدولة ..
ولا شك أن الثقافة العلمية باتت تمثل إضافة لفكر وسلوك المواطن ، والتي تشمل كل سبل الاطلاع والتعرف على آليات تحقيق الطفرات العلمية ونتائج تفعيل نظريات العلوم الأساسية والإلمام بالتقنيات المرتبطة بحياة الفرد والمجتمع ،والأهم ممارسة منهج التفكير العلمي في الحياة اليومية، ومجال كل ذلك هو الذهن والسلوك الحياتي واليومي
وتمثل الثقافة العلمية دافعًا و مجددًا لآليات الأنشطة العلمية في كل المواقع ذات العلاقة والمستفيدة بأصحاب وأهل الثقافة العلمية ...وأرى أن دعم فكرة تشكيل الجمعيات العلمية في المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية أمرًا هامًا ويشكل ضرورة لتحقيق وتعميم فكرة الاهتمام بالفكر والبحث العلمي ، بعد أن تابعنا في الفترة الأخيرة انصراف الطلاب عن الانتساب لأقسام العلوم والرياضة وتفضيل القسم الأدبي في المرحلة الثانوية ..
ولابد من إعادة التفكير في إشراف وزارة واحدة على نشاط كل الجمعيات ، وحتى بعد أن تجاوزت أعدادها الـــ 50 ألف جمعية ...لماذا لايكون الإشراف الفني المهني العلمي ــ على سبيل المثال ـــ على الجمعيات العلمية والبحثية من قبل الجامعات الإقليمية أو المركز القومي للبحوث ، ويظل الإشراف المادي والمحاسبي من قبل وزارة التضامن الاجتماعي قائمًا؟
لقد أكد العالم المصري الراحل الدكتور احمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء للعام 1999 على أهمية خلق قاعدة علمية تستقطب الطاقات المحلية ورجال العلم والباحثين المنتشرين في كل انحاء العالم ويكون هدفها بناء استراتيجية علمية على مستوى الوطن ..
وقال الدكتور زويل ان هذه القاعدة العلمية بمؤسساتها يجب ان تعمل بعيدا عن البيروقراطية, وان يوفر للعاملين بها والدارسين في معاهدها الأجواء والمناخات الملائمة للبحث والابداع, وأن هناك قناعة لدى الإدارة المصرية لأهمية ودور العلم والتكنولوجيا في بناء وتطوير المجتمع. وأشار الى انه قد حان الوقت لأن يسهم المواطن من جديد في تقدم البشرية والانسانية بعد ان أسهم علماء العرب من قبل في تقدم العالم ودرست نظرياتهم واكتشافاتهم في كل انحاء الدنيا.