وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبني قواعد المجد وحدي، وبناة الأهرام في سالف الدهر، كفوني الكلام عند التحدي، بمناسبة قرب الاحتفال بالانتفاضة الشعبية 30 يونيو 2013م والتي هي بداية التحرر من سطوة وجبروت واحتلال جماعة الإخوان المسلمين الذي استمر عام واحد فقط.
ومرور 9 سنوات على تصحيح المسار بفضل معونة ومساعدة قواتنا المسلحة الباسلة تحت قيادة وطنية ورجل وضع رأسه على كف يده المواطن عبد الفتاح السيسي الذي أنقذ بلادنا مصر المحروسة من الانزلاق إلى مستنقع الفوضى والصراع والتنازع كما حدث في كثير من دول المنطقة المحيطة.
فمنذ فجر التاريخ ومصر تعتبر مأرب وهدف كل غاصب ومحتل وطامع وغازي الهكسوس والإغريق والرومان الذين اعتبروا مصر سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية وصارت الإسكندرية ثاني أهم المدن بعد روما ثم توالى المحتل بعد ذلك الفرس والعرب والأتراك والفرنساوية والإنجليز وبالرغم من كل عمليات النهب والسلب والسرقة استوعبت مصر كل هؤلاء ومازالت مصر المحروسة تملك الكثير والكنوز والثروات والخيرات لم تبح بالأسرار فالذي فعله المحتل وما فعله الفاسدون واللصوص والحرامية وحيتان العصر الحديث وما يقوم به الآخرون من تفريغ البلاد من العقول والعلماء والعمالة الماهرة والخبرات العالية سواء بالسفر للخارج أو الهجرة مما زاد من تدهور وانحطاط واضح على كافة المستويات وتغيرت الأحوال والأزمان مما خلق أجيال لها سلوك وثقافة وأسلوب وأفكار تختلف عما كانت في سابق الزمن حيث كانت الأمانة والإخلاص والضمير والجهد والعرق والكفاح والانتماء والولاء والعمل والعلم والخبرة والمهارة التي أصبحت عملة نادرة في الوقت الحالي.
مصر على مر العصور:
يمكن تقسيم التاريخ المصري خلال الخمسمائة عام الماضية إلى عدة فترات وعصور كالتالي:
1- فترة الاحتلال العثماني الذي بدأ عام 1517وحتى سقوط الخلافة العثمانية عام 1923م والتي استمرت 406 عام وهي من أسوأ وأسود الفترات التي مرت على البلاد.
2- استقلال الدولة المصرية منذ عام 1923م وحتى قيام ثورة يوليو 1952م والتي استمرت 29 عاماً وتعتبر من أفضل وأحسن الفترات ولأول مرة ظهور فكرة الوطنية المصرية تحت مسمى المملكة المصرية.
3- الدولة المصرية وإعلان الجمهورية التي استمرت حتى انتفاضة 25 يناير 2011م وتنحي الرئيس محمد حسني مبارك والتي استمرت 59 عاماً وتميزت بتغيرات وتحولات حادة ثم جاء حكم الإخوان لمدة عام واحد سقطت فيه كل الأقنعة المزيفة عن الوجه القذر للجماعة التي عاشت ثمانين عاماً تخدع وتراوغ وتتحايل وتناور وتسعى بكل جهدها لهدف واحد هو الاستيلاء على مقدرات مصر في فترة عودة الوعي وإعلان واسترجاع الوطنية المصرية من جديد ابتداء من 2013م تحت قيادة وطنية مخلصة وحتى الآن تسع سنوات، ومما سبق نرى أن البلاد المصرية عاشت أربعمائة عام في تخلف وظلام وخمول وانحطاط وانحدار وفقط مائة عام أخرى حدث بها صحوات وحراك وتحول ومعارك وحروب وصراع.
مصر تحت حكم العثمانيين:
عقب هزيمة طومان باي المملوكي بموقعة الريدانية يناير 1517م من السلطان العثماني سليم الأول والذي أعدم طومان باي وتعليقه على باب زويلة أعلن أن مصر ولاية عثمانية والمفارقات عجيبة في حي الزيتون بالقاهرة حيث يوجد شارعين متوازيين أحدهما يسمى سليم الأول والثاني يسمى طومان باي ولا أعلم الحكمة من ذلك وقد نعى المؤرخ ابن إياس الذي عاصر الأحداث بقوله:
نوحوا على مصر لأمر قد جرى
من حادث عمت مصيبته الورى.
من مساوئ الحكم العثماني على مصر وضع نظام الجزية والجباية على جميع المصريين مما أثقل كاهل الشعب المصري المطحون وقد وصف المؤرخ أنه في يوم واحد تم قتل عشرة آلاف من عوام المصريين وصارت جثثهم ملقاة على الطرقات كما تم نهب التراث ونقل أصحاب الحرف فتم القبض على الصنايعية والحرفيين والتجار والموظفين مسلمين ومسيحيين وأعيان مصر من المشايخ والفقهاء ورحلوهم بالمراكب من الإسكندرية إلى اسطنبول ويقال أن أحد المراكب غرقت وكان عليها أربعمائة نفس من هؤلاء وأن مصر انقرضت بها أكثر من خمسين حرفة وقد قام السلطان العثماني بفك الرخام وعواميد الرخام السماقي من قاعات القلعة ونهب فرش مسجد السيدة نفيسة وخربوا ضريحها وداسوا على قبرها وكذلك مسجد أبن طولون والأزهر وأحرقوا مسجد شيخون.
من هذا التاريخ اختفى كل العلم والعلماء بعد أن عزل العثمانيين مصر عن العالم وختم المؤرخ بمقولته:
ما كنت أحب أن يمتد بي زمني
حتى أرى دولة الأوغاد والسُفلِ.
ولا يخفى على الباحث أمرين هامين أولهما حملة نابليون بونابرت التي استمرت ثلاث سنوات فكانت أول مرة إيقاظ الوعي الوطني وعودة الروح المصرية وبعض ايجابيات ثقافية اجتماعية وعلمية مثل اكتشاف حجر رشيد وتدوين كتاب وصف مصر والأمر الآخر تولي محمد علي باشا حكم مصر ليقيم النهضة المصرية الأولى وبداية عصر الدولة الحديثة والتفكير في استقلال مصر.
مصر المستقلة الحرة:
منذ نهاية الخلافة العثمانية والاعتراف بمصر كدولة مستقلة ذات سيادة وإعلان دستور جديد للبلاد عام 1923م والذي جاء فيه أن مصر دولة ديمقراطية ليبرالية ذات حياة نيابية تحت مسمى مملكة مصر تلك الفترة من أزهى وأفضل وأحسن العصور التي مرت على مصر وهو العصر الذي ظهر فيه المعنى الحقيقي للوحدة الوطنية وتعميق الديمقراطية وإنشاء الأحزاب وفكرة الوطنية المصرية مما أدى إلى ازدهار ونهوض مصر على كافة الأصعدة السياسية والثقافية والأدبية والعلمية والفنية على اختلاف صنوف الفن من سينما ومسرح ونحت ورسم كما نهضت أكبر نهضة اقتصادية وكانت بلا شك طفرة بكل المقاييس مميزة ومنفردة وواضحة تماماً ويمكن وصف تلك الحقبة بحقبة الزمن الجميل.
مصر والقومية العربية:
عقب ثورة يوليو 1952م بدأت فكرة القومية العربية تبرز وتختمر في عقول الضباط الأحرار خاصة خلال حرب فلسطين عام 1948م مما كان لها الأثر في نفوسهم وبدأت ملامحها تظهر أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م والتحرر من الاستعمار الغربي للدول العربية وتوجت بعقد الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958م وكانت بداية التخلي والتنازل وشطب أسم مصر لأول مرة في تاريخها بجرة قلم من الرئيس جمال عبد الناصر والتي كانت بمثابة إعلان واضح لبداية عصر تفريغ الطاقات البشرية والعقول العلمية والعمالة المهرة والخبرة في صورة إرسالهم في بعثات سنوية لكافة البلدان العربية واستنزاف خيرة شباب مصر في البلدان العربية مثل حرب اليمن ومساعدة ثورات التحرر في جميع أنحاء العالم وتزايدت عقب معاهدة كامب ديفيد والصلح مع إسرائيل والعداء المستحكم العربي لمصر حيث أصبح الهدف سحب البساط من تحت أقدام مصر بمخططات ومؤامرات وصلت لحد سلب ونهب وشراء التراث والكنوز والثروة الفكرية الغنية والعقول العلمية والأيدي العاملة تحت بند البحث عن الرزق والمال ولا ننسى عشرات مئات الآلاف من المصريين فلاحين وعمال مهرة الذين سافروا للعراق وليبيا وكذلك العلماء والمهندسين والأطباء والمحاسبين تحت إغراء الريالات والدنانير والدولارات ونعلم أن هؤلاء تعلموا في المدارس والجامعات المصرية مجاناً دون أن تستفيد منهم مصر والأكثر من ذلك رجعوا إليها بأفكار متشددة متعصبة فاقدي معنى الانتماء والولاء للوطن تلك الفترة يمكن وصفها بالعصر العثماني الذي فيه سلب ونهب وسرقة.
كانت كلها لأجل القومية العربية مقابل انتعاش مؤقت كاذب بسبب التحويلات المالية لهؤلاء العاملين بالخارج أو حضورهم في موسم الصيف والأجازات ولا يخفى على أحد أن الفترة التي استمرت ثلاثين عاماً لحكم مبارك كانت من أسوأ وأسود الفترات حيث ظهرت فئات فاسدة مرتشية ولصوص وحيتان وانحدرت الأخلاق وتحولت الصفات والسلوكيات والمعاملات إلى أدنى مستوى حتى كادت تختفي الوطنية المصرية تحت مسمى كل شئ قابل للبيع والشراء مما كان له بالغ الأثر السيئ في انحدار كل شئ بداية من العلم والفن والثقافة والأدب والرياضة والتجارة والصناعة وتحول الفكر إلى ناحية التجارة فقط تحت سيطرة جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين الجدد.
لقد سقطت مصر دون أن تدري في سلسلة متوالية من الانخفاض والهبوط والتخلف والجهل والضعف والتدهور وهنا يتبادر للذهن سؤال:
إذا كانت مصر قد قفزت في فترة زمنية معينة للنهضة والازدهار والصعود لأعلى المستويات فهل تستطيع استرجاع تلك الطفرة مرة أخرى في هذا الزمان؟
والجواب:
بكل تأكيد قادرة وتستطيع ولكن بشرط واحد وهو عودة الروح المصرية وإيقاظ الهمة والانتماء والولاء الوطني المصري وعودة الصفات الحميدة التي عرف بها المصري من عمل وكفاح وجهد وعرق وضمير وأمانة وإخلاص ذلك الذي فقدناه في السابق.
مصر للمصريين:
منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر عرفت مصر طريقها الحقيقي ومسارها الصحيح لتحقيق النهضة المصرية وعودة الروح كلما وقع حدث وطني أو مناسبة وطنية تنتعش الروح ويظهر المعدن المصري الأصيل لهذا الإنسان البسيط وترجع له كرامته وعزته وقوته وانتماؤه لهذا البلد العظيم مصر، ذلك بالرغم من المحاولات الإرهابية وقوى الشر في عرقلة مسيرة التقدم بكل الطرق والوسائل لكن القيادة المصرية على وعي تام وحذر وإصرار على مواصلة العمل لتحقيق أهدافها وتخطي الصعاب والأزمات والمشاكل ويكفي فقط أن الجميع يعلم بأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة وبإذن الله سوف تمضي مصر بخطى واثقة إلى أن تشرق الشمس مرة أخرى.
الخلاصة المفيدة:
مما سبق نرى تدرج لكل عصر وفترة لمصر المحروسة خلال الخمسمائة عام السابقة يمكن وصفها حسب ما يميزها كالتالي:
1- مصر ولاية عثمانية خالصة ومحتلة بالكامل
2- مصر ولاية تابعة للباب العالي العثماني
3- مصر مملكة مستقلة مميزة بالوطنية المصرية
4- مصر جمهورية مستقلة مميزة بالقومية العربية
5- مصر جمهورية مستقلة بالوطنية المصرية الخالصة
نكتشف بكل وضوح وصدق أن أفضل وأحسن الفترات التي مرت على مصر هي فترتين أولهما الثالثة التي استمرت 29 عاماً عندما نبتت فكرة الوطنية المصرية أيام الملك فؤاد الأول والملك فاروق بالدستور المدني 1923م وثانيهما ما نعيشه اليوم منذ تسع سنوات في أيام الجمهورية الثانية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وبالطبع الفارق كبير بين الفترتين، بين أنظمة التعليم والصحة والخدمات وعدد السكان والأفكار السائدة والسلوكيات والصفات التي تحلى بها المواطن المصري وقوة الاقتصاد.
إن الاحتلال الذي حدث بداية من الأتراك والفرنسيين والإنجليز كان هناك تفاوت بين المساوئ القاسية الظالمة للفترة الأكبر التي استمرت أربعمائة عام وأيضاً وجدنا بعض المزايا من أهمها الباعث الوطني والروح المصرية والاستفادة من الأفكار والتطور والعلم والخبرة التي جلبها المستعمر معه وأن الذي تعاني منه مصر الآن من مشاكل أو صعاب هو نتيجة طبيعية لأعوام سابقة وقعت فيه تحت وطأة الاحتلال والفئات الفاسدة المفسدة التي ظهرت ودمرت كل القيم الأخلاقية واستباحت الحرام ونشرت المحسوبية والرشوة والتسيب والوصولية وكذلك تنامي الجماعات المتأسلمة الإرهابية والأفكار المتعصبة المتشددة حيث أدى كل ذلك إلى صعوبة وتقبل وتفهم معرفة وتقدير الجهد الخارق والمحاولات المستميتة للدولة المصرية والقيادة الوطنية في إصلاح ما أفسدته سنوات عجاف وإصلاح البنية التحتية وإقامة المشاريع القومية الكبيرة ولا ننسى ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الأزمة الاقتصادية الطاحنة عام 1929م والكساد العظيم وانهيار سوق الأسهم حيث لم ينقذها سوى تلك المشاريع وشق الطرق وبناء السدود مع تضامن وتضافر الشعب في الالتزام وتحمل الإجراءات دون تذمر وقبول التحدي حتى وصلت أميركا لما هي عليه الآن كأعلى وأكبر قوة في العالم وهذا ما نتمناه من شعبنا المصري أن نتفهم تلك الفترة والتعاون مع الدولة ومساعدتها في تخطي الصعاب والأزمات خاصة توابع جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
تسع سنوات ليست كافية للتغلب على كافة المعوقات والتي تعرقل المسيرة أمامنا الكثير لتحقيق المستحيل بفضل الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المخلص والمؤمن بقدرات شعبه وتحقيق أمنياته للوصول لبر الأمان والمستقبل المشرق الباهر لبلادنا المحروسة .. مصر المحروسة.