أخبار عاجلة

د . منى حلمى تكتب : جريجورى بك .. وعى ومتعة ورقى الفن والانسانية

د . منى حلمى تكتب : جريجورى بك .. وعى ومتعة ورقى الفن والانسانية
د . منى حلمى تكتب : جريجورى بك .. وعى ومتعة ورقى الفن والانسانية
فى 12 يونيو 2022 ، يحتفل عاشقات وعشاق الفن السابع ، فى كل مكان ، بالذكرى ال 19 ، لرحيل " جريجورى بك " 5 أبريل 1916 - 12 يونيو 
2003 ، واحد من أهم وأجمل وأرقى ، ممثلى السينما العالمية .
     كيف الخلاص من تأنيب الضمير ؟. لم يتعود " قلبى " ، أن يحب ، ولا يسافر
الحب الى وطن الورق .. أن يخفق بالعشق " قلبى " ، كان معناه دائما ، أن تنتقل العدوى الى " قلمى " . " دقات " قلبى  ، لا أعترف بها ، وأشك كثيرا فى
نواياها الحسنة ، الا اذا أسمعتنى " دقات " الكلمات والحروف ، على الصفحة البيضاء . 
    لماذا لم أكتب عنه ، وهو الذى أسعدنى على مدى العمر ،  بوسامته ، وموهبته ، ورقى عواطفه ، وهدوئه ، ورشاقة قوامه ، وعمق صوته ، وتنوع أفلامه ، وتجدد طموحاته ، ومبادئه النبيلة ؟. 
    لم أكتب عنه ، ربما لأننى أشعر ، أن الكلمات لن تسعفنى بالقدر الذى أرضاه .
وربما أدرك أن الكتابة عنه ، " نشاز " ، فى أزمنة تصنع من نفايات الأقزام ، 
" نجوما " ، يسدون علينا الشمس ، والهواء ، وجمال ومتعة الابداع ، أفسدوا 
الذوق ، وخربوا الخيال ، وأشاعوا الضحالة والزيف والفهلوة وثقل الدم وقبح الفكر ، والأداء ، وحولوا الفنون الراقية ، الى " سلع " مضروبة ، تُعبأ على المقاهى وتحت بئر السلم والكبارى ، فى خمسة دقائق .
     " جريجورى بك " 5 أبريل 1916 – 12 يونيو 2003 ، تشرفت أمريكا ،
بولادته على أراضيها ، وافتخر الفن السابع بالانتماء اليه .  
    بالأمس سهرت أحتفى به ، وأنا أشاهد مرة أخرى واحدا من كنوزه الابداعية ، فيلم " ارابيسك " 1966 ، مع صوفيا لورين 20 سبتمبر 1934 - واخراج ستانلى دونين 13 أبريل 1924 - 21 فبراير 2019 . 
    من أول مشهد ، يخطف العقل والقلب والعين والأذن والدهشة الغامضة . 
له " طلة " مُحيرة ، و " حضور " ممتلئ بالثقة والكبرياء ، و" جاذبية "  
فريدة الجينات ، مكوناتها لا تتأثر بتغير البشر والزمن ، حتى آخر رمق ، 
عمل ، ودأب ، وشغف ، واستغناء .   
     منذ أول أفلامه ، حتى آخرها ، كان الأسلوب " الجريجورى " يتجدد ، 
ولا يرضى أن يكرر نفسه . اختياراته لمواضيع أفلامه ، لا تعكس فقط ، 
رغبته فى التحدى الدائم لقدراته ، واكتشاف أرض جديدة لموهبته . لكنها
تعكس أيضا ، وعيا ، واستنارة ، وثقافة ، نادرة ، وفلسفة نبيلة لاثراء الحياة ،
ومعنى وجود الانسان ، ومسئولية الفن والفنان تجاه مجتمعه ، والبشرية . 
    منذ بداياته ، وحتى لفظ أنفاسه الراقية الأخيرة ، كان يحير النقاد ، ماذا 
يكتبون ، فكل مدارس النقد التى قرأوا عنها ، وجميع نظريات التمثيل ، 
التى درسوها ، لا تنطبق عليه ، من قريب أو من بعيد . ولذلك ، اكتفى البعض منهم بالدهشة الحائرة ، بعض التزم الصمت ، بعض من النقاد لا يملك شيئا ، الا أن يصافحه بانبهار ، ويذهب لينام فى بيته ، على أمل أن يصحو وقد أدرك السر ، 
والبعض لم يشأ أن يرى نفسه عاجزا ، فترك مهنة النقد . 
      " جريجورى بك " ، مدرسة خاصة متفردة لا تحمل الا اسمه ، المنحوت 
على الشاشة ، المنقوش فى قلوب منْ أسعدهم الحظ ، ليشاهدوا كيف تتحول 
الدراما ، الى معجزة ساحرة من معجزات الدنيا ، مثل الأهرامات فى مصر ، 
وتاج محل فى الهند ، يحدقون فيها ، بالساعات ، ولا يفهمون أسرارها ، 
وكلما أمعنوا فى التحديق ، كلما أنهكتهم وعورة الطريق . ومع ذلك ، يسافرون
لها مرات ، ومرات ، كأن شيئا من السِحر قد أصابهم ، لا يطلبون طوق النجاة 
وهم مثل الغريق ، ولا يناشدون العون وهم وسط الحريق . 
     كان " جريجورى بك " ، يدعم الحزب الديمقراطى الأمريكى ، وكانت له مواقف نبيلة انسانية عديدة ، مثل رفض التفرقة العنصرية ، و الاعتراض على حرب فيتنام ، وسياسات الادارات الأميركية المتعاقبة ، على السيطرة على العالم ، 
 والبقاء القوة العظمى الوحيدة . ومنحه بلده " وسام الحرية الأعظم " 1969 .  
   تم ترشيحه عدة مرات لمناصب سياسية مرموقة ، رفضها قائلا : " لست 
وراء سلطة سياسية ، رسالتى فى الفن ". 
          كل ممثلة شاركت " جريجورى " فى مشاهد الحب ، اعتقد أنها كانت 
فى أعماقها ، تتمنى لو قبلات التمثيل ، تتحول الى حقيقة . 
    ولسان حال كل مخرج عمل معه ، يقول: " أشرد مع أدائه وأنسى المشهد التالى ، وأتحول من مخرج الى مشاهد مفتون ، جريجورى لا يحتاج الى توجيه ، هو مايسترو العمل ، الناس يذهبون لمشاهدة فيلم لجريجورى بك ، وليس فيلما 
من اخراج عظماء مثل هنرى كينج ، أو ألفريد هيتشكوك ، أو روبرت موليجان ، أو ديفيد سيلزنيك ، أو ستانلى دونين ، أو جون هيوستون ، أو وليام ويار ، أو 
فريد زيمان ، أو ستانلى كرامر ، أو جى لى طومسون أو مارتن سكورسيزى ، أو فينسنت مينيللى  . وكل جوائز التكريم  التى حصدها عن ابداعاته ، هى التى تفوز بحملها اسمه ، وليس هو ، " الغنى عن كل تكريم " . 
   لا استطيع أن أعد الأفلام السينمائية التى توجت "  جريجورى بك " ، أعظم النجوم على كل العصور ، وعنها أصبح اسمه منحوتا فى سماء لا تغيب . ربما أذكر على سبيل المثال " أن تقتل طائر برئ " ، " 1962 ونال به الأوسكار ، 
" مفاتيح المملكة " 1944 ، " مدافع نافارون " 1961 ، " موبى ديك " 
1956" ارابيسك " 1966 ، " أيام المجد " 1944 ، " الآثم العظيم " 1949 . 
  أما عن الأفلام التى شاهدتها أكثر من مرة ، وفى كل مرة أعيد  التمعن فى كل كلمة وحركة منه ، مثلا ، " قضية بارادين " ، " ثلوج كليمنجارو " ، 
" ميراج " ، " معبودى الخائن " ، " " اتفاق  السادة " ، " ارتفاع الثانية عشرة " ، " مرفأ الخوف " ، " بورتريه " ، " النذير " ، " عطلة رومانية " ، 
" المرأة المصممة " ، " كابتن نيومان " .
    أما فيلم " المسحورة " ، أو " المفتونة " ، 1945 ، مع انجريد برجمان ، 
واخراج ألفريد هيتشكوك ، فهو يحولنى الى " مسحورة ومفتونة " كما حدث مع البطلة . فى واقع الأمر ، أنا حقا مسحورة ، ومفتونة به ، الى درجة أننى من الصعب أن يخفق قلبى ، الا لمنْ يشبه جريجورى بك ، على الأقل فى بعض الأشياء ، وليس كلها بالطبع ... هدوء الصوت والحركات .. رقة لغة الجسد .. 
الشَعر الأسود الغزير .. الصمت الساحر .. رشاقة القوام .. الأناقة البسيطة .. 
الفكر المختلف .. تواضع الانسان الممتلئ بالثراء الداخلى .
     فيلمه " معبودى الخائن " ، 1959 ، مع الفنانة المتميزة ،  ديبورا كير
30 سبتمبر 1921 - 16 أكتوبر 2007 ، واخراج هنرى كينج ، 24 يناير 1886 - 29 يونيو 1982 ، مأخوذ عن الأيام الأخيرة لحياة الكاتب الأمريكى ، سكوت فيتزجيزالد 24 سبتمبر 1896 - 21 ديسمبر 1940 . 
       تقمص جريجورى بك كعادته ،  بكل براعة ومهارة وبساطة مركبة الانفعالات ، شخصية الكاتب المتوتر ، القلق ، المحبط من عدم التقدير اللائق به ، 
وتعثر علاقاته العاطفية ، ويكاد يفقد صوابه لأنه أكبر بكثير مما حقق ، ومما هو عليه بالفعل ، ومما يشعر بأنه ينتظره من مصير بائس . 
      باقة ورد يانعة ، محملة بعبير الحب الجارف  والامتنان ،  أضعها على قبر فنان لا يشبه أحدا ، الا نفسه ، ذات الكاريزما الآسرة ، والموهبة المتناثرة فى الأجواء ، حتى تتوقف الأرض عن الدوران . 
      انه " جريجورى بك " ، ولا يمكن أن يكون الا هو . 
----------------------------------------------------------------------------- 
قصيدة أفراحى بقلم د . منى حلمى 
------------------------------------------                       
اليوم عند كل الناس " عيد "
وأنا بعد مرور أزمنة العمر
لا أعرف معنى كلمة " العيد "
خرجت من جسد أمى
أصبحت رقما فى تعداد سكان الأرض
ولم أذق فرحة أى عيد
أفراحى ليست ضمن التواريخ الموروثة
المكتوبة سلفا فى الأجندات
وسجل العطلات الرسمية
بين الصفحات محبوسة
أفراحى ليست متكررة من عام الى عام
مثل السحابة السوداء والشبورة البيضاء
ذعر الثانوية العامة واكتئاب حمل الأمهات
مثل السجادة الحمراء والصحافة الصفراء
أفراحى تستعصى على التمنيات
والتوقعات والتنبؤات
أفراحى ضد السرقة والتقليد والتزوير
ضد هزات الزلازل
واختراق الدخلاء
أفراحى ليست مثل مواعيد الصوم والافطار
ومواقيت الصلاة وساعات فتح واغلاق المحلات
أفراحى ليست معروفة متاحة مضمونة مباحة
كاكتمال القمر وهبوط الليل وصعود النهار
تنهمر فجأة أفراحى مبللة بالشجن والأسرار
وليس يجدى معها ترقب أو تخطيط أو انتظار
اليوم عند كل الناس " عيد "
دنيا مبرمجة لاهية من بعيد
تطرق بابى كالمرض الخبيث العنيد
لكننى محصنة بتجاربى ومناعتى الفطرية
عقلى قد تعاطى المصل الواقى
وقلبى رغم رقته صامد كالحديد