حمادة عبد الونيس يكتب : سفسطة ....!

حمادة عبد الونيس يكتب : سفسطة ....!
حمادة عبد الونيس يكتب : سفسطة ....!
منعزلا في حجرته التي تشبه زنزانة انفرادية في سجن أبو غريب أيام الاحتلال الأحمر لأرض الرافدين !
تتحشرج أنفاسه داخل قفصه الصدري الذي يشبه عفشة سيارة رمسيس موديل ٥٦ استحوذ عليه الاكتئاب يرى الكون الفسيح قبرا مظلما مليئا بالأفاعي !
تتناوشه الهموم من كل حدب وصوب ؛يندب حظه كآخر جندي وقع أسيرا تحت وطأة النازية المجرمة !
كل من حوله يحمله مرارة الهزيمة يتهمه بالخيانة :
كان وسعك أن تهزم العدو وحدك لكنك جبنت لا شك أنك خنت بل استسلمت ،خضعت لبريق الفضة !
خلب الذهب لبك يالك من جهول !
حتي الذباب يؤنبه،يلسعه ،يقتص منه يستدعي بعضه بعضا 
صيد ثمين قد يكفي الهوام ساعة من نهار أو سهرة في ليلة صيفية ،لا حراك ،جثة هامدة ،أذابت صروف الدهر شحمه،فتت كبده لم يبق فيه نير الفاقة رمقا بل زادته نوائب الجديدان رهقا !
تتساقط دموعه على خديه من عينين اغتال المرض صفاءهما وأذهب الحزن نورهمها يا رحمة الله أدركي الذين يموتون عدد أنفاسهم غير أن الأجل مازال فيه بقية !
شاهد على عصر الاستنزاف ليته انفتح كما انفتح المتشدقون يغنون للوطن ألف أغنية عند الصباح فإذا حل المساء صوبوا تجاه خاصرته ألف حربة مسمومة !
طاقة القدر مفتوحة لهم لا رقيب عليهم قد ابتاع صكوكا تحميهم لهم أرقام سرية في بلاد الشقراوات !
إن ينس لا ينس أول راتب تسلمه خمسين قرشا يقف على قدميه من السادسة صباحا حتى السادسة مساء يعلم الصبية يتلو عليهم أنشودة الوطن الكبرى !
يحذرهم من عواد الذي باع أرضه ،يذكر لهم قصة الفتى زهران الذي ضحى بنفسه ليحيا الوطن !
يخبرهم بأنباء ما قد كان في أرض الفالوجا  لم ينس أدهم الشرقاوي ولم يتجاهل عمر مكرم بل حفظهم قصة جواد حسني عن ظهر قلب !
قص عليهم جانبا من حياة عائلة البشوات التي جاءت باديء الأمر  في ركاب المرتزقة كانت نساؤها تخدم في البيوت ورجالها يعملون خدما في دوار العمدة !
مازالت تنقل الأخبار من زيد إلى عبيد حتى أصبح لهم ملك وآلت مقاليد الأمور إليهم !
من ذا الذي يجرؤ  على تذكيرهم بأيامهم الخوالي؟!
لهم سرايات تلتف حولها الكلاب الأرمنت تطل من مشرفيتها جوار كأنهن الياقوت يعلمون أولادهم في واشنطن لهم في تل أبيب أواصر لا تنكر !
ذهب زهران مع الرياح وطويت صفحة الابنودي ولم يعلق بالذاكرة سوى الخال عبد الرحمن والأسطى حراجي ربما ينسى مع الأيام وتدرس سيرة بني هلال كما درست صفحات كثيرة كانت وضاءة لا يعلق بالذاكرة الغربالية سوى القصاصات الصفراء !
خلت كتب النشء من عبق جمال !
ربما كان موته مؤذنا بخراب العمران ليس للعباقرة مكان بين الذين يروجون للرذيلة نهايات سواد لا تنطلي على طفل في مرحلة ابتدائية!
ليت شعري لماذا لا يموت الملهمون في الغرب في غموض !
لماذا يوهبون الحياة حتي يبلغوا ذرا المجد اكتشافا واختراعا وأدبا وفنا وتدوينا !
شيطانه الذي شتت النوم من عينيه أربعين سنة عجافا يملي عليه أسئلة حائرة تحوم حوله تفتك به قد يعلم بعض إجابتها لكن خيرا من إجابته السكوت !
من تكلم تألم ثمة مقامع من حديد !
لم ينته الحداد بعد من دق الخناجر ذات الثلاث شعب يعمل من عشرين حولا بأمر السلطان ويل أمه إن تلاعب أو تقاعس وهل يحب آدمي أن يرى الموت مواجهة ؟!
كي النار أهون من كيد المتزلفين !
في أرض اليمن ماتت الصقور ضربتها مجانيق السفه والطيش والعنجهية الجاهلة وتبعتها أفراخها حسرة وأسى بينما نعمت الخنافس برغيد من العيش هنيء!
ذبحت الخيول العربية لصالح الحمير الحساوية بفعل فاعلين كثر كان لهم مآرب كثيرة !
انتحب الكرامة ولم تعد عنقاء لها فرسانها بل آضت عملة نادرة يرمى نديمها بالسفه والطيش!
ثمة مصالح تتصالح حتي المغردون خارج السرب يعملون وفق أجندات مرسومة من قبل الوالي الكبير!
ليت ذاكرة الأمة لا تنسى أيامها التي كانت مشهودة!
فتح الحجاج الهند من أجل مسلمة !
لم يسلم الحجاج من ألسنة لا تملك سوى الحكم على الذين رحلوا لكنها خرساء بكماء أمام فراعين اليوم في المشارق والمغارب يهرفون بما لا يعرفون !شاه وجه الأغا وشلت يده !
أيضرب الشريفة الحرة على مرأي الزمان ومسمعه؟!
أما زالت نفسه قابعة بين أضلعه؟!
لا ضير هذا زمان النوكى والحمى مات صلاح الدين ولا إخال أن حطين الثانية يخطب ودها ثلة دخلت جحر الضب بل رتعت من رجيعه حتي ضربتها التخمة !
حلم طول لا يفارقه لايدري متي يفيق منه أو يخلع ربقته من رقبته !
ستون سنة مرة عليه سوادا في سواد مازالت كلمات المذيع الأنيق تتردد في أذنه :هذا ومن المقرر في الخطة الخمسية لعام سبعين أن يحيا المعلم حياة كريمة ،يتقاضى راتب قاض ممتعا بحصانة وزير !
يبدو أن هذه الخطة أكلتها الحدأة أو بالت عليها الغربان فاختفت في ظروف غامضة !
كل ما يعلمه أنه يعاني من ثقب في طبقة الأذن الوسطى فلا يسمع إلا قليلا وقد أنهكه السكري فلا يتحكم في بوله يفر منه صبيان الحي بينما يسكن عز  المطبلاتي ابن سميرة بائعة الشاي في قطار المناشي في قصره المنيف في أرض الجزيرة له سبعون مصنعا وخمسون شركة تقول زكية أم لسان طويل صديقة أمه إنه ورث الباشا الكبير ميراثا غير شرعي إذ كانت أمه إحدي وصيفات القصر بالرغم من فقرها الشديد لكن الباشا كان مولعا بالغانيات!