تلك العواطف الجياشة التي فاضت بها أروقة معرض بغداد الدولي التي ابدتها الجماهير العراقية وهي تحيط وتصور وتلاحق الاعلامي العربي جورج قرداحي لم تكن وليدة رابطة نجومية او ثقافية او فضولية فحسب .. بل ان قرداحي أسس لنفسه ولزملائه طوق تتويج ( مباركا ) سيتقلده وساما مخلدا حينما وضع حدا لمقولة تابعية الاعلام العربي للمؤسسة الرسمية .
مما جاد به ( قرداحي ) في يوميات معارض بغداد بحضور لافت لم يحظ به احد غيره من قبل ، حيث تزاحم المعجبين والمهتمين بالقرداحية .. دون الحاجة الى دعاية واعلان .. حيث قال : ( لم اندم على ما صرحت به فيما يخص الحرب اليمنية اذ لم استهدف مناصرة طرف على حساب طرف ، لكني انتصرت للسلام حبا بالطرفين والشعبين العربيين ) .
ثم عرج على الضغوطات التي تعرض لها منذ 2011ه اذ اصر على القول : ( الا سوريا ) ... هكذا كنت اردد وما زلت .. اذ لا يمكن السكوت عن زعزعت امن سوريا لانها الركيزة الأساسية التي اذا ما سقطت – لا سامح الله - ستسقط معها لبنان .. ) . مضيفا حينما فقدت فلسطين .. ثم استرجع وعدل المفردة قائلا : ( لا فلسطين لن تفقد .. ما دام خلفها رجال شجعان مقاومون سيبقون يرفعون السلاح ابدا حتى يعود الحق لاصحابه وتتوج فلسطين باحضان اهلها ) .
ساله احدهم عن سبب تعلق المسيحين بعلي بن ابي طالب والإصرار على الانشاد فيه ، فقال : ( علي بن ابي طالب ليس ملك إسلامي ولا شيعي .. انه قيمة إنسانية وثقافة أخلاقية متعالية يجب ان تسود وتبقى بتناول العالم اجمع ولكل العصور ) ..
فكرة استدعاء وتضيف جورج بمعرض بغداد لم تخلوا من عبقرية إعلامية .. لما بلغه الرجل فضلا عن تاريخه وشهرته الا ان تصريحاته ومواقفه المناهضة للحروب وما تلاها من زهد بالمنصب الوزاري لصالح مصالح اللبنانيينه وتثبيت حياديته ومهنيته .. جعلت من ( القرداحية ) ماركة تسويقية كبرى احسن الثلاثي ( د عدنان السراج ، ود عبد الوهاب الراضي ، واحمد الجواهري ) في الافتكار والتداول وفرض الفكرة بموضع التنفيذ المميز .
من بين الجموع الزاحفة صوب المعرض ولقاعة مؤتمره تحديدا أتيح لي الادلاء بمداخلة وتوجيه سؤال الى الزميل جورج ، فقلت : ( حينما وجه لي الصديق د عدنان السراج الدعوة لحضور كرنفال قرداحي .. لبيتها فورا برغم عزائي وحزني بفقد ولدي حيث ما زلت بزي الحداد .. لكني حرصت الحضور وتثبيت الموقف لسبب رئيسي .. اذ لم احضر هنا .. لانك قدمت برنامج من سيربح المليون ولا كونك وزير اعلام لبناني زهد بمنصبه وترفع للصالح العام .. ولكني خلال سنوات رحلتي الإعلامية والصحفية وجدت تهمة ( تابعية الاعلام والصحفي العربي ) لصاحب المؤسسة وراس المال وهي راس الحربة الموجهة ضدنا وكاننا موظفين في مؤسساته الأحزاب والدولة وليس اعلاميين نمتلك ناصية الحرية – ولو بشكل نسبي – وننطلق بمركب البحث ونقل الحقيقة .. من هذه الزاوية المشرقة تحديدا .. جئت الى هنا ابارك لك واهنيك واتشرف بك .. لانك اعليت شان الاعلام ورفعت من صرح القلم ..
حينما ضجت القاعة بالتصفيق واثنى جورج على مداخلتي معزيا وثانيا على ما قلت .. غادرت المشهد تحت وقع الدموع والاحساس بنشوة موكبية الاعلام وجمالية ونصاعة حقيقته التي لا يليق بها الا ان تكون مجردة حرة .