بداية اللغة هى منهج الاتصال بين الأفراد، ومفرداتها هى الحروف والرموز والإشارات والأصوات والانفعالات الحسية والجسدية، ويخضع تطبيق تلك المفردات لقواعد يدركها طرفا الاتصال، ولا يشترط تجانس طرفى الاتصال لفهم الرسالة، ولكن يشترط فهم القواعد.
كما تجدر الإشارة إلى أن الجسد هو بمثابة وعاء النفس والعقل، ويتكون جسد الإنسان من أجهزة مفرداتها أعضاء، وهى مجموعة أنسجة لبناتها الخلايا، وينتهى التركيب الأدق لعناصر البناء الأولية لجسد الإنسان والمكون من ١٤ عنصرًا، هى النيتروجين والكربون والصوديوم والكبريت والأكسجين والبوتاسيوم والكالسيوم وغيرها، ليتضح أن التقدير الكمى لمكونات الجسد من عنصر كربون بما قيمته ٢ كيلو جرام من الفحم، ونحاس بما يزن سن قلم حبر، وحديد بقيمة ٥ مسامير متوسطة، وأكسجين وهيدروجين بما يكفى لتركيب ٣ قوارير ماء، وصوديوم وكلور ويود بما يوازى محتويات ملعقة من ملح المائدة، وكالسيوم وسليكون وفوسفور تماما كالموجود فى ١٥ بلاطة سيراميك، ونيتروجين وكبريت وبوتاسيوم بما يكفى لصناعة ممحاة.
الطريف أن تسعير هذه الأصناف بالمال لن يتجاوز المائة جنيه، إلا أن القيمة الحقيقية للإنسان تتمثل فى الجسد، الذى يشمل النفس والعقل، وتأتى القيمة العظمى للإحساس الإنسانى الذى يتلقاه الإنسان عبر الجهاز العصبى من خلال مستقبلات الحواس الخمس: السمع، البصر، الشم، التذوق، واللمس، حيث إن لغة الجسد لا يمكن التحكم بها، ولكن يمكن فهمها وتعرف الذى يأتيك من حركات الآخرين وتعبيراتهم.
وتجدر الإشارة إلى أن الإدراك هو ربط المعلومات التى يتلقاها العقل فى حدث ما بالخبرات السابقة والخروج بتفسير أو دلالة وتحديد الاستجابة، ويتأثر الإدراك بعوامل خاصة بالمؤثر، مثل شدة ذاك المؤثر والتكرار الذى يولد الاعتياد والتخصيص والشمول، وهناك عوامل خاصة بالمتلقى مثل الخبرات السابقة والحاجات والدوافع والثقافة والمفاهيم.
تتألف عملية الاتصال من المرسل والمستقبل ووسيلة التواصل، والرسالة والتغذية العكسية التى دونها تتلف عملية الاتصال مثل الحوار والجوال والإذاعة والهاتف والمكتوب البريدى وغيرها، أما معوقات الاتصال فهى العوائق البصرية والسمعية والمسافات وعيوب النطق واختلاف الثقافات.
تهدف لغة الجسد إلى فضح النوايا دون أن نتحكم فيها، لأنها لغة فطرية لكل الكائنات لا يمكن تعلمها ولا تكتسب ويفهمها كل البشر وتتحدث بها أعضاء الجسد دون شعور، وتحتل العين المكون الأساسى فى التواصل ونقل المصداقية، ولكل من الأذن والفم واتساعه وضيقه وحركات اليدين وحنى الرقبة وتقطيب الجبين وإحمرار الوجنات ورفع الكتف مدلولات خاصة ومختلفة فى بناء العبارات التى ينطقها الجسد،
فى التواصل البشرى، تشكل نبرات الصوت ما قيمته ٣٨ فى المائة من وسائل التعبير وتشكل الكلمات ٧ فى المائة، أما لغة الجسد فتشكل نسبة ٥٥ فى المائة.
لذلك تجد أن علم لغة الجسد يطبق فى التحقيقات الجنائية والتعليم والتدريب والتوظيف وإدارة الأفراد والتسويق والمبيعات. حيث إن الشخصية الإنسانية هى مجموعة السمات البدنية والعقلية التى تحدد أسلوب الفرد فى التكيف مع المجتمع، وجدير بالذكر أن مكونات لغة الجسد هى مجموعة من القدرات الذهنية مثل التركيبة البدنية والعقلية، وكذلك المكون المعرفى والانفعالى والمزاجى والاجتماعى.
فى السياق ذاته، عند الحديث عن لغة الجسد يجب أن نتذكر أن سمات الشخصية القوية وهى الحصيلة المرجوة من لغة الجسد البارعة هى الذكاء والقدرات العقلية السليمة مثل التفكير والتخيل والتفسير والتذكر، وأيضًا الاتزان العاطفى والقدرة على التوافق مع البيئة المحيطة والتروى فى الأمور والقدرة على الإقناع والمعرفة والتفاعل السوى مع الآخرين.
وفى النهاية تجدر الإشارة إلى أن الشخصية الكاريزمية تعنى الهيبة والتأثير والسحر الشخصى والقدرة على التأثير فى الآخرين بالارتباط بهم عاطفيًا وثقافيًا وهى سمات تثير الحماس، ومن أمثال الشخصية الكاريزمية الزعيم الهندى الراحل غاندى، والرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر وتشى جيفارا ونيلسون مانديلا وهتلر ونيرون، وليس بالضرورة أن يمتلك كل القادة والزعماء الكاريزما، فالرئيس بوش الابن لم يمتلكها.
هناك أمور أخرى تدخل فى صياغة لغة الجسد وتضمن سلامتها مثل اتزان الساعة البيولوجية والساعة البيئية اللتين تنظمان الأوقات، ومعلوم أن الساعة البيولوجية لها نظام معين فى تحديد المكون المزاجى للشخص أثناء التواصل مع الآخرين.
نخلص فى النهاية إلى أن القيمة الحقيقة للإنسان تكمن فى نفسه، أى فى الذات الإنسانية بصرف النظر عن المكون الفيزيائى أو كمية المواد والمعادن والسوائل التى يمكن ابتياعها بالمال.
الذات الإنسانية هى حصيلة روح تتمتع بالسكينة وعقل يمتلك رصيدًا معرفيًا يمثل حصيلة تمكن العقل من إتيان أنشطة التفكير والتدبر والخيال والاستنتاج والابتكار والإبداع.
إذن كيف نجيب عن التساؤل الحتمى وهو: هل تفضح لغة الجسد نوايا البشر؟
تكمُن فكرة الإجابة عن هذا التساؤل فى الإقرار بدقة وأمانة الذى وسم هذه اللغة بالتلقائية، فهى لغة الجسد كله وليست لغة اللسان وحده.
بمعنى أن عفويتها تحول دون فلاح أى مراوغ فى التلاعب بها وكسر حاجز المصداقية من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يمكن لأى بشر التلاعب بنتائج لغة الجسد، فلن تصادف أحدًا فلح فى التحكم فى حمرة الخجل أو منع شحوب الوجه فى لحظات الخوف أو وقف علامات الارتباك فى المواقف العصيبة.
إذن يجب التسليم بتفوق لغة الجسد على الانحراف الإنسانى لدى تأسيسى علاقات الكذب أو المراوغة أو محاولات التدليس، والإقرار بأنها لا تكذب وتشهد ضد صاحبها.