باسم أحمد عبد الحميد يكتب : والشعراء

باسم أحمد عبد الحميد يكتب : والشعراء
باسم أحمد عبد الحميد يكتب : والشعراء
ما مفهوم الشعر؟؟
و من يستحق لقب شاعر؟؟
 - ما الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه القصيدة العربية؟؟
كيف نمرِّر تلك الإجابات بقناعاتٍ كاملة؟؟ وهل يمكن لنا أن نعتبر أن هناك مفهومًا محددًا للشعر؟؟
أسئلة صعبة لاشك أنهكت قواي؛ فلم يعد الشعرُ بالنسبة للبعض هو الكلام الموزون المقفى الذي يشتمل على الصور والأخيلة 
والمحسنات البديعية فحسب، بل تجاوز ذلك بمراحل عديدة .. ولم يعد الالتزامُ بشكل القصيدةالعمودية فرضًا أمام شعراء التفعيلة، وقصيدة النثر ،وغيرهما من الأشكال المستحدثة ...والقصيدة السليمة من حيث البناء  والتراكيب وخلقِ صورٍ جديدة مغايرة، لاشك أنها  تخطف الأبصار والعقول، ولا تملك إلا أن تقول الله!!
فالشاعر له عالمه الخاص جدًا؛ فيومًا تجده مغردًا يَصدح كعصفور الكناري، وآخر تجده حزينًا تعزف أصابعه لحنَ ألف نايٍ في صحراءَ قاحلة
ثم يخلد إلى النوم بجوار ظل شجرة فيبُثُّها أواجاعَه وعذاباتِه وتقلبات الدهر عليه في كل يوم ولحظة حين تجرفه الرياح إلىٰ السقوط في اللذة، ثم تغريه العتمة على الوقوع في الألم، ويتراءى للشاعر أن وجه الحياة يتغير باستمرار، يلتقي اثنان ويحدِّقان  في الشمس ...هذا يسميها النار الموقدة، والآخر ينظر إليها على أنها النور  ،،ثم يقتتلان ويضيع المعنى بينهما عند هبوط الليل !!
لكن الشاعر وإن توغل في فكرة وصفِ الأشياء يكتشف لاحقًا أن الأوصاف نفسها ليست ثابتة، وأن المعنى نفسَه له ألف وجه، وإن شئنا رؤية هذه الوجوه جميعًا فعلينا التخلي عن إطلاق الأحكام النافذة والنهائية، فما نراه اليوم ثابتًا نمطيًا قد يتغير غدًا، والذاكرةُ اليوم إذا لم تتجه للتجديدِ والتنوعِ وتركِ المهمَل، تحولتْ الى جدارِ تربٍ يَحُول بيننا وبين التقدم،  ويمنعنا من رؤية ما يدور حولنا من جديد كلَّ يوم، وقد تقودنا إلىٰ العمىٰ الفكري والروحي، وعدمِ التأقلم والتكيف مع هذا العالَم !!
إن فكرةَ الانتحار التي يلجأ إليها الشعراءُ والكتابُ وحتىٰ النقاد تكون بأيديهم لاشك مثل كلِّ منتحرٍ فقَدَ الأملَ والنورَ، ولجأ للهروب من العدَم إلى العدَم..هؤلاء الشعراء التقليديون الذين نحتوا من الجاهليين صورهم وبيانهم، ولم يتركوا للجاهليين سوىٰ الوقوفِ على الأطلال!!
ثم يجدون أنفسهم بعد ذلك في معزِلٍ عن الإبداع والمبدعين...
لا نقول أبدًا إنه يجب التخلي عن الذاكرة، أو طرحُ القديم جملةً، وإنما يجب علينا أن نعرف أن الشاع إذا لم يكن لديه خلقُ صورة، أو ابتداعِ لفظ، كانت اسمُ (الشاعر) منه مجازًا. 
والشعر جسمٌ روحُه المعنىٰ كما هو معروف ..لذا وجب على كل شاعرٍ أن يتحرَّىٰ الجمالَ حيث كان، وأن ترفرفَ رُوحُه حيَّاً وميِّتاً 
فالأجساد تموت، ويبقىٰ المجدُ للنص دائماً ..
- واستقلالية الشاعر فيما يكتب، أو فيما يستخدم من صور  جديدة مغايرة هو ما يضع له اسمًا في كشوف الكبار من القديم إلى الحديث، ومن الحديث إلى الأحدث.  وهكذا !!
والشاعر يعود من رحلةِ القصيدة بعد أن خاض في معارج الخيال مسحوبًا من ذاكرة العَدَم إلى نعيم الوصف، وجنة الصور المستحيلة قافزًا متلذذًا بتناقض الأضداد وروعة الجمال في استخدام الصور والكلمات ...
يقول الشاعر  دوقلة المنبجي في قصيدته اليتيمة :
فالوجهُ مِثلُ الصبحِ مُبيَضُّ
والشَّعرُ مِثلُ الليلِ مُسوَدُّ
ضدَّانِ لمَّا استجمعا حُسنًا
 والضِّدُّ يُظهِرُ حُسنَه الضِّدُّ
بفُتورِ عينٍ ما بها رَمْدٌ 
وبها تُداوَىٰ الأعينُ الرُّمْدُ!!
أنا أرىٰ أن هذه الأبيات الثلاثة من أجمل ما قيل في الوصف، رغم بساطة الكلمات ومباشَرةِ الوصف، لكنَّ حسنَ السبك، وسحرَ الإيقاع، وتفرُّدَ المعنىٰ يسلبان العقل ..
وأحب أن أختتم مقالي هذا بالتأكيد على أن ما ارتأيتُه هو وجهة نظر خاصة، فإن أصبتُ فبتوفيقٍ من الله، وإن أخطاتُ فسأعتبر أنني أصرخ في وادِِ، أو أكتبُ على وجه ماء !!