ليس هناك ما هو أبشع من الجريمة إلا هذه البالوعة من ردود الفعل. ذبح شاب زميلته على باب الجامعة نهارًا جهارًا. وسواء كانا مرتبطين بقصة حب متبادلة أو من طرف واحد، وسواء تقدم لخطبتها وقبلته أو رفضته، وبغض النظر عن نوع التفاصيل مع العلم أن الكثير منها مصدره «فرد أمن أكد وجود علاقة» و«جار يشهد له بحسن الخلق» و«أحد المارة أكد لنا»، وغيرها من اجتهادات أقرب ما تكون إلى الهراء.. فإن تعليقات الكثيرين على الجريمة تنبئنا بأننا تعدينا مرحلة الأزمة ودخلنا بكل قوة وثقة مرحلة الكارثة.
ولو كان هناك بيننا رشيد أو رشيدة يرغب في إبطال مفعول منظومتنا القيمية الحالية الأشبه بالقنبلة الملغومة المختبئة خلف طبقات من الأقمشة حماية لها من فتنة التفكير والمنطق، لأخضع(ت) هذه التعليقات للدراسة، وتقفّى أثر مصادرها (وأغلبها معروفة وتحظى بتبجيل واحترام وحصانة)، وذلك لوضع روشتة علاج سريعة تتراوح بين الجراحات العاجلة التي تحتاج بترًا من المنبع، والعلاجات المتأنية التي تعمل على تقوية جهاز المناعة وعلاج ما يمكن علاجه من عطب وخلل.
وأقدم لحضراتكم مجموعة منتقاة تمثل نقطة في بحر من ردود الفعل (وليس ردود الأفعال لأن الفعل واحد): «ملابس الضحية (لأنها لا تغطى رأسها) ربما تكون دليل إدانة على أخلاقها، ومن ثم فإن القاتل مسكين اضطر للطعن والذبح في وضح النهار».
«أمن الجامعة (على اعتبار أنهم من بقية عائلة الضحية) أكدوا وجود علاقة عاطفية بينهما، وبما أنها سمحت بذلك فتستحق ما حدث لها». «ربنا يستر على بناتنا (بالطبع الحديث عن تربية ولادنا الذكور غير وارد، لأن الذكر كما نعلم مجرد مجموعة هرمونات وشهوات مسلوبة الإرادة تسير على قدمين)»، «ملابس القتيلة المذبوحة وما يقال عن علاقة عاطفية تدق ناقوس الخطر في مجتمعنا المتدين الملتزم الجميل».
«ما حدث هو نتيجة طبيعية لابتعادنا عن الدين، وكيف نكون ملتزمين بديننا وبيننا من تمشى في الشارع بهذه الملابس!» (التى هي ملابس عادية جدًا بالمناسبة لو سلمنا بأن من حق الأسطى حسين الميكانيكى أن يدلو بدلوه فيما ترتدى النساء والفتيات)! «مجرد الإشارة إلى احتمال وجود علاقة عاطفية بينهما يمنعنا من التعاطف مع القتيلة. ربنا يصبر أهلها».
وهنا يهب أحدهم مدافعًا عن الدين والأخلاق ليصحح لزميله في «كتيبة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» منطقه فيقول: «أهلها هم المذنبون أصلًا. أليسوا هم من تركوها تمشى على حل شعرها؟!».. والردود المثيرة للغثيان والقىء كثيرة وتنتظر من يستثمرها في بحث ربما يساعد في إنقاذ المجتمع.
وأزيدكم من الشعر بيتًا، حيث صفحة شهيرة على «فيسبوك» طرحت سؤالًا هو: «ألا يطرح حادث (وليس جريمة) المنصورة ضرورة فصل الجنسين في الجامعات؟!».. أما الإجابات فالغالبية المطلقة مطالبة بتطبيق الفكرة العظيمة حفاظًا على الدين وحماية للمتدينين.. والسلام عليكم.