إذا تأملنا واقع الشخصية المصرية سوف نجد أن العناصر المشاركة فى بنيتها تتميز بالتنوع، مما أنتج شخصية أكثر عمقاً وأكثر امتلاكاً بقدرة تكيفية عالية، خاصة مع وجود التنوع الجغرافي، وتعدد الدين والثقافة وطبقات التاريخ الحضارى الأمر الذى أدى إلى تنوع المخرجات فأصبحت الشخصية المصرية قادرة على تقديم مواقف وسلوكيات متنوعة.
لكن - مع الأسف - لقد فرض واقعنا المعاصر سياقاً جديداً ، فلم نجد أنفسنا أمام الصفات الإيجابية المعروفة عن المصريين الذين يتسمون بالشهامة والتسامح وغيرها، بل تم احلالها و استبدالها بسيل آخر من الصفات السلبية وعلى ما يبدو أن الشخصية المصرية ستشهد تغيرات أخرى في المستقبل خاصة أن التنشئة الاجتماعية الناتجة عن وسائل التواصل الاجتماعي هى تنشئة هجينة من ثقافات متعددة لا يمكن تقنينها أو وضع ضوابط لها أو السيطرة عليها بسبب التأثيرات الفاعلة والمباشرة للإعلام الاجتماعي على الفرد في عالم افتراضي مفتوح على كل الاحتمالات ،نحن الأن أمام تحدى كبير يحتاج إلى تكاتف كل مؤسسات الدولة و القوة الناعمة فى مصر على رأسهم وزارة الثقافة وتليها المؤسسة الدينية ثم الإعلام،عليهم أن يعملوا بشكل متناغم و متوازن ليشكلوا ما يسمى بـ"الوعي المجتمعي" لننجو بأولادنا و نصل بهم إلى بر الأمان و إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد إنفجار قنبلة جرائم القتل الأسرى فى وجوهنا و التى تُشكل من ربع إلى ثلث إجمالى جرائم القتل وهو معدل ضخم للغاية، وشهدت الفترة الأخيرة ازديادًا في عدد الجرائم الأسرية بشكل يدفعنا إلى دّق ناقوس الخطر .
من المؤسف أن يظل دور الدراما و السينما باهتًا و سلبيًا إلى هذا الحد اللهم إلا عدد قليل من المسلسلات التى قدمت أعملًا تاريخية و عسكرية جادة بخلطة درامية ملحمية تسمح دون مواعظ أو دعايا بتنوير الرأى العام ؛ لكن أغلب المسلسلات و الأفلام باتت و كأنها تدعم مظاهر العنف و الجريمة داخل المجتمع فهى تعكس واقعًا سلبيا معاشًا فيه شكل من أشكال الجريمة والبلطجة والتعديات مما يعُد انتهاكًا لقيم المجتمع لأن كل تلك المشاهد تُشكل في وعي المواطن مشكلة خطيرة وهي " اللامبالاة " كأن مشاهد العنف و الدماء أمور عادية لا تقشعر لها الأبدان ؛ مما أحدث نوعاً من الخلل القيمي لدي الشباب ، لذلك علينا إحلال تلك المعادلة السلبية بأخرى إيجابية من خلال تزويد المشاهد بمعلومات حقيقية و تقديم نماذج إنسانية يحتذى بها فيصبح للدراما دور ايجابيًا في تكوين أراء الشباب و استرجاع القيم الجميلة التى نشأنا عليها .
أما فى إشكالية التحول الرقمى و المعلوماتى و التكنولوجى القوى و المتسارع نجد أننا أمام سلاح ذو حدين سلاح العلم و المعرفة و أنتشار التكنولوجيا الحديثة الغير المقننة أخلاقيًا وهي المشكلة الأكبر لأن المجتمع لم يضع معايير أخلاقية لوسائل التواصل الاجتماعي وهو الأمر الذي جعل المعايير المجتمعية للقيم والأخلاق تتناقص، فحدث تصدع فى بنيان المجتمع المصرى الحديث ؛علينا إتخاذ مسارات أمنة لمعايشة الطفرات التكنولوجيا الجبارة دون فقدان الهوية المصرية ، علينا التمييز فى موروثنا بين " الثوابت والمتغيرات " ، ومن ثم يكون الانطلاق من تراث الأمة باعتباره طاقة تشحن أبنائها بـ " الكبرياء المشروع " من أجل الحفاظ على نقاء الهوية الحضارية للأمة إنه طريق المحافظة على السمات التى تمثل البصمة الثابتة فى شخصية هذه الأمة وحضارتها خاصة كل ما هو متعلقا بالقيم والعقيدة ، وروح الحضارة، وثقافة الأمة ، مع المحافظة على فتح نوافذ العقل على مختلف الحضارات ، مرتكزين على " المرجع القيمى والأخلاقى" كأساس لقيام هذه الحضارة علينا أن نتسند إلى المداخل التالية: المواطنة والانتماء ، وعلمية المنهج ، وعالمية الوعى، وهذه المداخل فى جملتها تقوم على مسلمة أساسية تتعلق بوعى أبناء المجتمع بمسئوليات "الدور و المكانة " لمصر على المسرح الحضارى العالمى .
وهو ما نفذه السيد الرئيس السيسى عندما أتخذ خطوات جادة ليرسو بنا إلى شط الحداثة و التقدم فى جمهوريتنا الجديدة بداية من خلال استراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030 و ما تضمنته من محاور عمل فيما يتعلق بالصحة والتعليم وتحسين الدخول، وعلى الرغم من ذلك، علينا أن نقف أمام ملاحظات عدة حول مسألة بناء الإنسان المصرى كأولوية عمل الحكومة باعتبار أنه كنـز الأمة الحقيقي وهو جوهر " الجمهورية الجديدة" ويجب أن يتم بناؤه على أساس شامل ومتكامل بدنيا وعقليا وثقافيا بحيث يعاد تعريف الهوية المصرية من جديد بعـد محاولات العبث بهـا ،فالإنسان هو أيقونة الجمهورية الجديدة ؛ ليستجيب لمشكلات الحاضر وتحديات المستقبل لذلك تم البدء فى مشروع حياة كريمة مرتكزًا على توفير تنمية تنمية شاملة ترفع من المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .
فكما يحتاج الإنسان إلى أساسيات المعيشة فهو يحتاج أيضأ إلى العلم و الثقافة فالعقل هو ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات و هو ما يجب تغذيته بشكل مستمر لذلك جاءت توجهات الحكومة مؤخرا فعملت على تحسين الخدمات التنموية بداية من التعليم كعمود أساسى فى بناء الإنسان ، وأولت اهتماما خاصاً بالتعليم الفنى والتكنولوجى، و بدأت تفعيل مراكز الشباب وإعادة هيكلتها من الناحية الفكرية ، وجاءت رسائل التنوير هادفة و فى توقيتها السليم لتنمية الوعى من خلال تخصيص عدد ساعات يومية لبث المواد الإبداعية التي تنتجها وزارة الثقافة بمختلف قطاعاتها، من خلال شبكة قنوات التليفزيون الوطني و قنوات الانترنت بهدف الحفاظ على منظومة القيم والأخلاق والارتقاء بالذوق العام، عن طريق المحتوى الذي يتميز بالتنوع والتعدد الثقافي والفكري وبناء الشخصية المنتجة وإعادة الاعتبار لقيمة العمل الجاد والمتقن.