استراتيجيات التكرار بقصيدة: مكاشفات 3 بقلم الدكتور حمد حاجي

استراتيجيات التكرار بقصيدة: مكاشفات 3 بقلم الدكتور حمد حاجي
استراتيجيات التكرار بقصيدة: مكاشفات 3 بقلم الدكتور حمد حاجي
"التكرار هو الاقناع من خلال الصياغة والباسها ايقاعات نغمية متكررة جميلة تهدف الى استمالة السامع."
من مقولة للمستشرقة بربرا جنستون كوتش
 
على الرغم من أن للتكرار علاقة وثيقة بعلم النحو، ذلك انه واحد من اهم صور التوكيد في اللغة العربية، ولقد دُرِّسَ بجامعاتنا وكلياتنا ضمن درس التوكيد وضمن مباحث النحو كما هو معلوم..
وعلى الرغم من تداوله بالنقد الأدبي..
فلقد عدّ سيبويه والفراء التكرار ضربا من التوكيد لايختلف عن لفظ (اجمعين) ونحوها وهي لفظة تستعمل لتاكيد المعنى.(1)
اما الجاحظ كما جاء في كتابه (البيان والتبين) عام 1968، ص. 105. يرى ان التكرار "ليس فيه حد ينتهي اليه ولايؤتى على وضعه وانما ذلك على قدر المستمعين ووظيفته عنده الافهام.. (2) 
كما ان التكرار ياتي للتوكيد او لزيادة التنبيه او التهويل او التعظيم او للتلذذ بذكر المكرر."(3)
فإنني أتجاوز هذه المفاهيم إلى اعتباره 
وهذا رأيي اتمسك به ( بان التكرار ظاهرة ايقاعية وفقها يقع اشباع المعنى ويمتدّ بالاتساع في الالفاظ بغية  تنظيم النص داخليا حين تفجير مكنون التلقي واعادة لترتيب الكون وتأكيد الوجود وضبط حدود الطبيعة خارجيا)(4)..
ا=================
اولا أنواعه بالذائقة النقدية
ا=================
يتحقق التكرار عبر عدة انواع:
 
1. ) تكرار الحرف: 
يتجلى في تكرار حروف بعينها في الكلام، مما يعطي الالفاظ مشتملة على تلك الحروف ما يرفع  ابعادها لتكشف عن حالة الشاعر النفسية. نذكر ما تكرر بحرف السين عدة مرات في بيت البحتري:
"صنت نفسي عما يدنس نفسي". 
 
2. ) تكرار اللفظة: 
يظل التكرار ذلك الملفوظ الذي  يعيد اللفظة بغاية اغناء الدلالة، واكسابها قوة تاثيرية كما  (الجناس) بأشكاله الخمسة وانظمته الرئيسية من مثل: الجناس التام، المماثل، المستوفي، المركب، مفروق، الناقص، المختلف، المقلوب والمحرف من مثله تعالى كقوله تعالى: (أولى لك فأولى ثم أولى فأولى.)
 
3. ) تكرار العبارة او الجملة:
يقوم التكرار بتجلية المعاني من مثل استعمال ظاهرة الترادف، وظاهرة التضاد.. 
وهو تكرار يعكس الاهمية التي يوليها المتكلم لمضمون تلك الجمل المكررة باعتبارها مفتاحا لفهم المضمون العام الذي يتقصده المتكلم. عدا ما يحققه اللفظ من توازن هندسي وعاطفي بين الكلام ومعناه.(5)
كما ذكر عند (ابن الاثير، ص. 27)
ومثل ما وجدنا المهلهل يكرره: (على ان قالها عدلا من كليب) في ابيات كثيرة من قصيدته التي قالها في رثاء اخيه.. 
 
ومنه نقول يتحقق التكرار عبر عدة انواع:
منها التكرار الرسمي/التكرار الكامل/ التكرار المعنوي..
ا==============
ثانيا  وظائف التكرار(6):
ا==============
1. ) الوظيفة التأكيدية: 
ويراد بها اثارة التوقع لدى المتلقي، وتأكيد المعاني وترسيخها في ذهنه.
 
2. )الوظيفة الايقاعية:
 بالتكرار يساهم في بناء ايقاع داخلي يحقق انسجاما موسيقيا خاصا.
 
3. ) الوظيفة التزينية: 
وتكون بتكرارات مختلفة في المعنى ومتفقة في البنية الصوتية، مما يضفي تلوينا جماليا على الكلام.
 
ا=========
ثالثا استراتيجيات التكرار بقصيد مكاشفات 3
ا==============
بعد هذا التقديم حول ماهية التكرار قديما وحديثا.. يجدر بنا أن ننتبه إلى نصنا المدروس..
لقد جاء التكرار على ألوان ثلاثة..
ا========
1● تكرار  سطر كامل صورة طبقا
اذ تكررت الجملة مكتملة على رأس المقاطع استهلالا وبخاتمة المقطع ====
 
سيكون الأمر قاسيا (سماها النقاد اللازمة القبلية)
سيكون الأمر قاسيا( (سماها النقاد اللازمة البعدية))
ا========
2● تكرار ( فعل أشعر) بالسطر الشعري 
ا======
أشعُر بمذاق الصّمت في حلقي 
أشعر بعُمق مشاعر أخرى تعلو مرآة اختارت أن لا تنطق ابدا
نلاحظ:
الجملة 1(قصر الجملة للتدليل على الفراغ والصمت) فراغ طباعي سيتولى القارى بتأثيثه ضربة المتلقي..
الجملة 2( جملة مكثفة وصورة شعرية مركبة:مشاعر يقع تركيبها على مرآة تكون بوضع استغراق بالسكون الصامت)
 
ا========
3● تكرار  سطر كامل مع تغييركلمة واحدة بآخر السطر الشعري وبخاتمة المقطع(للتعليل: لأنجو\/لأطفو) وتكرار لفظ مشتق (اسم فاعل:النازل).
ا======التكرار في شكل فعــل :
أُنزل الكثير من الدموع لأنجو
أُنزل الكثير من الدموع لأطفو
أتكوّر داخل الدلو الشفّاف( النازل) في بئر الحب..
 فكما يستأثر الفعل باهتمام الشّاعرة ،فقد يفعل ذلك مشتق الفعل، و هنا الفعل ومشتقه يفيدان الحركة و الفعل من الكلمات المستقلة بالفهم (Autosemantic words)كالاسم المشتق تماما
* اذكر ما ذهب اليه من مصطلح وتحليل د. ميمون مسلك 
ا======
يهمنا من دراسة جمالية هذا القصيدة جانبها الأسلوبي، و بخاصة ظاهـــــرة التكرار..
 
لايفوتنا القول إن أسلوب التكرار ظهر في الشعر قديم بالعصر الجاهلــي، و أثر التكرار نجده بآثار  العرب في خطبها و أسجاعها و أشعارها والأخص بالأحاديث النبوية الشريفة ، و القرآن الكريم .. ولعل من معاني التكرار إدراك غاية الإطناب و الإسهاب .. عدا أن له غايات أسلوبية بلاغية نذكر منها مسألة التحريض، وجوانب التّوكيد، ومحاولة كشف لبس معين حينا ،  وحينا آخر إبعاد الرتابة والملل ما نعني به التشويق وادهاش القارئ/المتلقي…* اذكر هنا أيضا  ما ذهب اليه من تحليل للد. ميمون مسلك 
ا======
ا==============
غايات ومقاصد التكرار
ا============== الإيقاع الداخلي ====
لقد وقع تجاوز ما درينا على تسميته بالوظيفة التأكيدية والوظيفة الايقاعية والوظيفة التزينية.. وتبين التكرار بما هو إيقاع توليدي
على طريقة نزار قباني في قصيدة” الحزن”والتي كرر فيها "علمني حبك” كررت السيدة "س" سوسن بكار في مكاشفاتها وعلى رأس كل مقطع لفظة (سيكون الأمر قاسيا)، تكرارا يجعل من العناصر المعطاة في الخطاب الواحد ضروريا لكونه يسهم في تكوين إيقاع القصيد الداخلي.. مما ينبئ بفعل ترابطي . يفيد المشاركة الشعورية والمكاشفة الاستبطانية.. وبالتالي تكسير ا لنمط تواضع عليه النقاد بالوظيفة قادرة عن إدراك دلالة المعنى لدى المتلقي.. وهذا يحسب للشاعرة تجديدا بالمضامين..
 
ا==============
تجاوز مقاصدية التكرار الكلاسيكي
ا==============■>
لقد وقع تجاوز ما درينا على تسميته بالوظيفة التأكيدية والوظيفة الايقاعية والوظيفة التزينية الى اعتبار التكرار آلية للمكاشفة الدلالية والتركيبية
ا============
فعلى قدر ما قدم بدر شاكر السياب في قصيدته ”مطر” ، والذي كرر كلمة مطر ستة و عشرين مرة ليحقق الانتباه بتكراره.
تأتي السيدة (س)..لغاية أخرى اذ يقوم التكرار عند سندس بكار وبخاصة تكرار الأصــــوات والكلمات ، اذ لم تكن التراكيب ضرورية فحسب لتؤديَ الجملُ وظيفتَها المعنوية والتّداولية .. ولكن جاء التكرار هنا ( شرط كمال وجودة واتقان) فلم يكن من باب أن يظل محسِّنا بلاغيا  أو لعبا لغويا وإنما كان التكرار آلية قائمة بــدور كبير في تحديد الخطاب الشعري المصور لحالة الشاعرة أو ما نظنه قائما بأنواع من الخطابات الأخرى من مثل الإقناعية والحجاجية.. متضافرا مع موسيقى داخلية متعددة تساهم في هرمونية الإيقاع الموسيقي العام بالنّص. ليترجم المعنى الدفين ، و ليبلــــــور ذلك الإحساس الصوفي المركب ، وليحدد حالات الكشف الباطني، و ليكشف الانفعالات المسكوت عنها..
 
ا==============
تجاوز مقاصدية التكرار الغنائية
ا==== الى المحو والتكثيف والايحاء 
ا===========
لقد وقع تجاوز ما تعودنا على تسميته بالوظيفة التأكيدية والوظيفة الايقاعية والوظيفة التزينية إلى ظاهرة المحو والاثبات
 فعلى طريقة محمود درويش في قصيدته”أنا آت إلى ظل عينيك آت”، والذي كرر بقصيدته الجملــة ” ست مرات، يقوم التكرار عند سندس بكار وبخاصة تكرار النوع الثالث الذي ذكرنا.. على تقنية المحو والتكثيف والايحاء لتحقيق الادهاش..
من خلال جملة شعرية قائمة على الملفوظ الشعري المحقق للوقع الدلالي و الإيقاعي معاً، يظهر حينا على شكل فواصل صوتية تجعل من ترديده حركة نحو ادهاش القارئ وكسر أفق انتظاره..
 
ان الشاعرة سندس بكار السيدة(س) اعتمدت تقنية التكرار المتنوع حين عددت صيغها بين لازمة هي عبارة عن سطر شعري ،إلى  لفظة واحدة ثم إلى حرف .. ليتصدر التكرار  الأسطــــر الشعرية كاسم أو فعل أو حرف…محققا نوعا من الانبهار و الدهشة عند التلقي.. وهو ما يسميه النقاد (مسلك ميمون) بالشعرية Etonnement poétique و التجانس الموسيقــي ، و التكثيف الصّوتي و الدّلالي
 
خاتمة
ا======
خلاصة : إن التكرار، في قصيدة مكاشفة للسيدة (س) سندس بكار لم يأت اعتباطاً أو إطناباً و حشواً أو ترفاً لفظياً أو توكيدا  …بل جاء ليخدم موسيقى النّص داخليا وخارجيا.. وليحدث تناغماً هرمونياً واضحاً ليس فقط لدى الأذن الشّاعرة.. بل أيضا لأذن المتلقي.. أنه صيغة من التكرار الذي يغذي الموسيقى العامّة بموسيقى داخلية تأتي بغتة لتأكيـد و ترسيـــخ المعنى .. و بثّ شعور نفسي، هو أصلا شعور المبـدع نفسه، وليفارق الرؤية الكلاسيكية لمعاني استعمال التكرار بالقصيد الكلاسيكي أو المعاصر إلى رؤية مبتدعة تقوم على أن التكرار تقنية وآلية ودلالة ملفوظ يتسع ليشمل الإيقاع بأكمله وتصير القصيدة بموجبه كلاًّ هرمونيا واستعارة كبرى..
 
ا====== النص مكاشفات======
# مكاشفات
هل تريدُني أن أقول أحبّكَ؟
سيكونُ الأمرُ قاسيا
أشعُر بمذاق الصّمت في حلقي
أشعر بعُمق مشاعر أخرى تعلو مرآة اختارت أن لا تنطق ابدا
الكلمات تسلخ شفتي بإبرة عمياء
أتكوّر داخل الدلو الشفّاف النازل في بئر الحب
يشطح عنقي المنقّط باللّهفة، مثل لمبة ضوء فوق سيارة إطفاء
أُنزل الكثير من الدموع لأنجو
أُنزل الكثير من الدموع لأطفو
سيكون الأمر قاسيا
أخبرتُك
# السيدة سين
ا==========
المراجع
ا======
1 - كتاب سيبويه (تحقيق عبد السلام هارون، عالم الكتب، بيروت)، ص. 83-84. 
2 ) التكرار في الشعر الجاهلي، د. موسى ربايعة (بحث مقدم لمؤتمر النقد الادبي الثاني 1988، جامعة اليرموك، اربد، ص. 70
3. ) عبد القادر حسين، اثر النحاة في البحث البلاغي (مطبعة النهضة مصر، 1975). ص. 140.
4- الايقاع بالرواية. ا. حمد حاجي، دار الاتحاد، عام  2022، ص35.(جديدا) تحت الطبع.
5- التكرار اللفظي: انواعه ودلالاته قديما وحديثا، صميم كريم الياس، 1988، رسالة ماجستير.
مقالات وآراء
6 - التكرار.. أهميته وأنواعه ووظائفه ومستوياته في اللغة -//- علي أسماعيل الجاف