الكاتِبة مينا راضي تكتب : رحلةٌ خاطِفة

الكاتِبة مينا راضي تكتب : رحلةٌ خاطِفة
الكاتِبة مينا راضي تكتب : رحلةٌ خاطِفة
كلما مَرَّت الأعوامُ من فَوقِنا، كلما حَفَرَت عَقارِبُ الساعةِ علاماتِها على وُجوهنا نَفقِدُ طُفولَتنا تَدريجيًا. تَخفُتُ العَفَويةُ شَيئًا فشيئًا و يَطغى عليها التَكَلُّف، شُعورُ التَكَلُّفِ الذي يُغَلِّفُ الأشياءَ فيَسرِقُ بَريقَها. نختارُ التَرَدُّدَ بدلَ القَفز، نَختارُ أن نَختار، نَرسُمُ آلافَ الخُطَطِ و نَحسِبُ كل الأشياءِ التي كانَت يَومًا ما عاديةً جدًا. نُدرِكُ أن العُمرَ قِطارٌ يَدهَسُ الفِطرةَ ببُطئ كأنهُ يَتَسَلّى بتَعذيبِها، نُدرِكُ أن ذلك العُمرَ مُضادٌّ للفِطرة، يَسيرُ بسُرعةٍ عكسَ تَيارِها. 
فجأةً يَتَخَلَّلُ التَفكيرُ كل شَيء، تُلاحِقُنا قَراراتٌ مُتَعَدِّدةُ الرؤوس، تنتَظِرُ منا الأمورُ أن نَحسِمَها. يصبِحُ لكل شَيءٍ سَبَب و لكلِّ سَبَبٍ عاقِبةٌ حَتمية. كل شَيءٍ مُتَوَقِّفٌ علينا، كل الأبوابِ مَفتوحةٌ بطَريقةٍ مُرعِبة، و عاى حينِ غرّةٍ تَبتَلِعُنا دَوّامةُ الحَيرة. فجأة نَنظرُ إلى طَريقِنا الطَويلِ الأخضَر الذي كُنا نَطَأهُ بأقدامِنا الصغيرةِ العارية، فنَجِدُ المُستَقبلَ واقِفًا أمامَنا، يُحَدِّجُنا بنَظرةِ تَحَدّي، ثم يأخذُ رَشفةً أخرى من الحاضِر و يَمشي، يَمشي بَعيدًا.