ياسين العيوطي يكتب: مبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية بين الدول

ياسين العيوطي يكتب: مبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية بين الدول
ياسين العيوطي يكتب: مبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية بين الدول

 

أعلنت الجمعية العامة للمم المتحدة فى دورتها الخامسة والعشرين عام 1970 المبادئ التالية بشأن العلاقات الودية بين دول العالم. وإليكم قراء "صوت بلادي" أهم تلك المبادئ فى إيجاز:

*تعتمد الجمعية العامة هذه المبادئ بإعتبارها متفقة مع ميثاق الأمم المتحدة.

*مبدأ امتناع الدول عن التهديد بإستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة.

ويرجع هذا إلى أن مثل ذلك التهديد يتنافى تماماً مع مناداة ميثاق الأمم المتحدة بوجوب تفادى الدعوة للحرب العدوانية والمقصود بالحرب العدوانية أساساً خرق الحدود الدولية القائمة بين الدول طمعاً فى تسوية المنازعات المتعلقة بحدود الدول بقوة السلاح.

وينطبق هذا المبدأ على خطوط الهدنة التى تقررت على أساس اتفاق دولى. ويمكن وصف ذلك المبدأ بلغة رجل الشارع وذلك بوصفه بمبدا التجميد. ومعناه "محلك سر" فى عرف التدريب العسكري. ويعتمد هذا المبدأ على حسن نية الدول فى الموافقة على المبدأ وعدم استخدامه تزويراً.

*وعلى الدول أن تمتنع عن أية أعمال انتقامية تنطوى على استعمال القوة.

*وعليها أيضاً أن لاتقوم بأى عمل قسرى يكون فيه حرمان للشعوب من حقها فى تقرير مصيرها بنفسها. وهذا هو معنى الحرية والاستقلال.

*ويصر الاعلان على وجوب امتناع الدول عن تنظيم أو تشجيع القوات غير النظامية أو العصابات المسلحة، بما فى ذلك المرتزقة للإغارة على إقليم دولة أخرى.

*وفى هذه الإطار تخطر الجمعية العامة للأمم المتحدة تنظيم أعمال الحرب الأهلية أو اللجوء إلى التحريض عليها أو المشاركة فيها. ذلك لأن التهديد بإستعمال القوة المسلحة ضد أية دولة أخرى قد يأخذ صوراً عديداً منها المنظور وغير المنظور، أى الإجراءات المعادية الواضحة، وغيرها من الإجراءات الأخرى التى لها نفس الآثار.

*ومن المنطقي أيضاً أن يتنافى الإعلان العالمى مع إخضاع أية دولة لاحتلال عسكرى ناجم عن استعمال القوة أو على التهديد باستعمال "قوة الذراع"

*إن حدث إخضاع أية دولة لإحتلال عسكرى أجنبي، لايجوز الاعتراف بشرعية ذلك العمل ولا الاعتراف بأية آثار له مستقبلاً. أى ليس للظلم أية نتائج معترف بها.

لمجلس الأمن الدولي المسئولية الأولى فى حفظ السلام بين الدول. وحينما نقول "المسئولية الأولى فإن هذا يعني ان للجمعية العامة أيضاً دوراً فى ذلك المجال الهام. وهنا نستشهد بنص المادة العاشرة من مواد ميثاق الأمم المتحدة، من ترجمة القانوني المصرى الضليع عبد الحميد بدوى بأن:

"للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة أو أمر يدخل فى نطاق هذا الميثاق.." كما أن لها "أن توصى أعضاء (الأمم المتحدة) أو مجلس الأمن .. بما تراه فى تلك المسائل والأمور". لذا يحلو لى كقانوني دولى أن أضع تسمية عامية للمادة العاشرة من الميثاق وهى "إذ يدخل تحت ظلها كل أعمال المنظمة العالمية/ لماذا؟ لأن الجمعية العامة هي برلمان العالم. كل الدول، من أكبرها لأصغرها، لها صوت واحد مما يبرهن على مساواة الدول فى السيادة. للصين وتعداد سكانها يفوق البليون من البشر صوت واحد، ولجزيرة مالطة وتعداد سكانها حوالى بضعة آلاف صوت واحد أيضاً.

والأمر مختلف هنا فى مجلس الأمن حيث تتمتع خمس دول كبرى بحق الفيتو (أى حق نقض القرار) وهذه هى بريطانيا وأمريكا وفرنسا وروسيا والصين. لذا أسمى الجمعية العامة "مجلس العموم" ومجلس الأمن "مجلس اللوردات". أى أن هناك منظمتان دوليتنا داخل الأمم المتحدة. منظمات تتساوى فيها السيادة، وأخرى لاتتساوى فيها السيادة.

باءت كل محاولات إصلاح مجلس الأمن "بحذف الفيتو" أو الحد من استخدامه بالفشل. وكنت واحداً من الخبراء الدوليين الذين دعاهم الأمين العام للنظر فى هذه المشكلة. واجتمعنا وقدمنا التوصيات ولكن لم ينظر فيها ولم يعمل بها.

هنا أضيف تعليقا على مصر ومجلس الأمن: كذبت وسائل الاعلام المصرية حينما أدعت أن مصر ستحصل على مقعد دائم فى مجلس الأمن. وحينما قلت فى محاضرتي بالقاهرة بأن هذا لن يحدث، هاجمت تلك الوسائل وماجت وقالت "العيوطي متشائم" صدق تشاؤمي وكذب تفاؤلهم الذى لاأساس له من الصحة.

ونعود الآن الى مبادئ العلاقات الدولية بين الدول.

ينادي الاعلان بزيادة فعالية الأمم المتحدة فى مجال الأمن القائم على الميثاق ولكن كيف؟

يترك هذا الشأن معلقاً بين السماء والأرض، لأن الأمر فى يد مجلس الأمن، ومجلس الأمن فى يد خمس دول كبرى ذكرنا أسماءها آنفاً . أن سبب المرض هو الطبيب المعالج ذاته.

*ينادي الإعلان بمبدأ فض الدول منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية. ثم يضيف شيئاً غريباً إذ يقول "الوسائل السلمية على وجه لايعرض السلم والأمن الدوليين للخطر" ثم يفيض الاعلان بذكر أمثلة تلك الوسائل السلمية وهى التحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القاضئية واللجوء إلى الوكالات والاتفاقات الاقليمية.

وفى الاعلان مبدأ هام، أعتقد أن أهميته تعود إلى أولوية عدم التدخل فى الشئون الداخلية. ويمتد معنى التدخل الى التدخل المسلح وكافة أشكال التهديد الأخرى التى تستهدف "شخصية الدولة أو عناصرها السياسية والاقتصادية والثقافية" انتهاكاً للقانون الدولي.

ثم يضيف الأعلان مبادئ عامة آخرى، على طراز التكرار الممل الذى يجعل من قرارت الجمعية العامة قرارات طويلة فيها الكثير من التعداد المرهق. وكل القرارات هى مجرد توصيات.

ومن المراعى هنا أن ليس هناك أى جهاز فى المنظمة العالمية له أنياب لمحاسبة الدول التى تقصر أو تهمل العمل بتلك المبادئ: مجلس الامن مسيس، ومحكمة العدل الدولية ليس لها قوة أية محكمة أخرى ولو كانت تلك المحكمة فى جنوب السودان. وحتى المحكمة الجنائية الدولية هى محكمة عاجزة إذ أن القضايا يجب أن تحال إليها من مجلس الأمن.

أي أن الساقيه تدور والماء يصب ولكنه يعود إلى بئر الساقية مرة أخرى. وعلينا هنا بأهمال تهديدات القيادات الفلسطينية باللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية. الباب مغلق والمفتاح بيد مجلس الأمن، وهي يد مشلولة بالفيتو الذى هو بيد أمريكا المؤيدة لاسرائيل.