رؤى جوني تكتب: الثقافة العربية بين الأمس واليوم

رؤى جوني تكتب: الثقافة العربية بين الأمس واليوم
رؤى جوني تكتب: الثقافة العربية بين الأمس واليوم

من المعروف بأن الوطن العربي قد مر بظروف سياسية وعسكرية واجتماعية صعبة جداً، جعلت من اتخاذ أصحاب الأرض لقرارات تخص بلادهم أمراً صعباً بل معدوما، استمرت هذه الفترة لقرون خلال فترة الاحتلال العثماني للوطن العربي، ثم تلت هذه الفترة، فترة احتلال الدول الأوروبية للأقطار العربية بشكل مباشر، و أيضا كان تأثير هذا الاحتلال وخيماً على المجتمعات العربية من عدة نواحي ومنها الناحية الثقافية، فماذا بعد حركات التحرر والاستقلال؟

في الحقيقة إن ما حدث هو ولادة أساليب جديدة من الاحتلال، فوجود الثروات الباطنية وموقع الوطن العربي الجغرافي والتطور التكنولوجي والصناعي الرهيب الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية، جعل من إمكانية التحرر الكامل للوطن العربي واستغلال ثرواته والقيام بنهضة خاصة به أمراً عصياً لأسباب عدة من هذه الأسباب : أن الطاقات الإبداعية والعلمية والثقافية العربية التي كانت خامدة طوال عصور لم تستطع مواكبة النهضة العالمية الصناعية والتكنولوجية، بالإضافة لرفض المجتمع العربي المنغلق للقيم العلمية والعملية الحديثة والتي ظل يعتبرها لفترة طويلة مخالفة لقيمه وعاداته التي ألفها على مدى قرون.

على الرغم من الآثار السلبية الكبيرة للاحتلالات المتعاقبة، إلا أن الاحتلال الأوروبي للبلدان العربية أثار احتكاكاً كبيراً أدى لصدمات عنيفة في مجال العلم والثقافة، مثل الإرساليات الدينية المتعاقبة للبلدان العربية، وإدخال نابليون لأول مطبعة في مصر، واكتشاف حجر رشيد الذي أدى إلى اكتشاف اللغة الهيروغليفية التي فتحت الباب لمعرفة الكثير عن تاريخ الحضارة المصرية وشجعت المصريين على العمل لإحياء حضارتهم الخاصة، عن طريق فتح مدارس لتعليم البنات  في نهايات القرن الثامن عشر وإرسال الخديوي إسماعيل البعثات إلى أوروبا في منتصف القرن العشرين وتقليد الحضارة الأوروبية من حيث النمط العمراني والاجتماعي، ما أدى لظهور مصطلح الحداثة كمعنى مرتبط بتقليد كل ما هو أوروبي  فلسفياً ، علمياً، اجتماعياً، سلوكياً....وذلك بسبب التبعية للدول الأوروبية حتى لفترة ما بعد الاستقلال، ونجد بان هذا التأثير لا يزال قائما لحد الآن في الدول العربية على درجات متفاوتة.

وبما أن الأدب جزءاً لا يجزأ من أي حضارة إنسانية، وأدبنا العربي الذي عاش عقوداً طويلة في ازدهار وقوة وكان عنوان للحضارة العربية والإسلامية لفترات طويلة، عاش فترة من الظلم والمحاربة في ظل الاحتلالات المتعاقبة، حيث كانت تفرض لغة البلد المحتل على التعليم والثقافة، ما أدى إلى تراجع الكتب والثقافة العربية، لحين دخول المطابع وطباعة  أولى الجرائد والمجلات، وازدهار التعليم والبعثات التعليمية والترجمات وبدأ هذا مع نهايات القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين ولاسيما في مصر ثم بدأ بالانتشار في البلدان العربية الأخرى لاسيما سوريا ولبنان، أي بالتوازي مع الاحتلال الأوروبي  للمنطقة رغم الصعوبات الجمة للحفاظ على الهوية الثقافية، فأسس الأخوين بشارة جريدة الأهرام 1876 وأسس خليل خوري حديقة الأخبار في بيروت عام 1858 وغيرهما الكثير من الجرائد في  مصر وبلاد الشام وتونس.

كذلك أسس بطرس البستاني أول مدرسة وطنية في لبنان، وفي مصر بدأ ظهور الجامعات بالأزهر الشريف لتعليم الشريعة وأصول الدين واللغة العربية، وكذلك الأمر في الجامع الأموي في دمشق.

وانشات العديد من المكتبات مثل المكتبة الخديوية في مصر، والمكتبة الظاهرية في دمشق 1878 ومكتبة الخزانة التيمورية  الخاصة التي امتازت بوجود كتب أجنبية قيمة....

وبسبب نشاط المجلات والجرائد ، نشطت الكتابة بكافة مجالاتها من نثر وشعر ومسرح وقصة ورواية، وظهر الكتاب والمفكرين في الوطن العربي ونذكر منهم احمد أمين ، وعباس محمود العقاد  وفي المهجر جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وغيرهم الكثير بالطبع.

هؤلاء وغيرهم  الكثير من الأسماء الغنية عن التعريف ممن أسسوا لنهضة ثقافية وفنية وأدبية وأحيوا  الرغبة بالعلم واغناء الذات وتطويرها فكانوا من وضع البذرة الاولى في مصر وشمال إفريقيا وسوريا ولبنان ، وأسسوا لنهضة ثقافية تسعى لتوعية المجتمعات العربية وفتحت الطريق للكثير من الكتاب والمفكرين من كافة الاختصاصات والمجالات الأدبية في كافة أرجاء الوطن العربي ، لإنشاء الكم الكبير من المطابع والمجلات الورقية والالكترونية التي تستقطب أفكار الأجيال المتعافية البناءة في الوقت الحالي.