مصر هبة النيل” هذه مقولة للمؤرخ والرحالة الكبير هيرودوت، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد يعرفها جميع الطلاب في جميع أنحاء العالم ممن درسوا تاريخ الفراعنة.
يشكل نهر النيل ثروة مائية طبيعية بالنسبة للدول التي يمرّ بها، فهو نقطة الجذب الرئيسية لقيام الحضارات في منطقة حوض النيل، وهو أساس التطور الاقتصادي والزراعي والسياحي فيها، خصوصا أنّه أطول أنهار العالم،
ما تزال أزمة بناء إثيوبيا لسد النهضة الكبير، بولاية بن شينقول بالقرب من الحدود مع السودان، من أهم روافد القلق لمصر والسودان كدول مصب في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من مشاكل أخرى سياسية وأمنية واقتصادية متزايدة،وايضا يعد نهر النيل الشريان الرئيسي للحياة على امتداد البلاد في مصر، حيث يحيا علي مياه فيها الملايين من البشر والحيوان والنبات.
المؤكد أن تهديد السد لمصر هو تهديد لدولة ذات موارد طبيعية محدودة يقطن غالبية سكانها على ضفاف النيل فى قطر تمثل الصحراء أكثر من 95 % من مساحته.
تفاقمت التوترات القائمة بين دول حوض النيل بسبب مشروع إثيوبيا لتشييد سد النهضة على النيل الأزرق. وبينما تخشى مصر والسودان تناقصا ملحوظا سيحدث لحصتهم من ماء النهر،
عقب ثورة يناير ، اشتغلت أثيوبيا هذه الظروف ، وأطلقت مشروعها لتشييد سد النهضة على النيل الأزرق ، ليكون أضخم سد في أفريقيا بعد أن كان ذلك الموقع محجوزا للسد العالي في أسوان، والذي بنته مصر عام 1960 بمساعدة سوفييتية وأصبح واجهة النظام الناصري.
لنحو عقد من الزمان، خاصت مصر والسودان وإثيوبيا مفاوضات غير حاسمة. ويتمسك البلدان بتوقيع أديس أبابا على إتفاق قانوني ملزم لها، يتطرق إلى ظروف ملء السد وضوابط تشغيله باتفاق كل الأطراف.
بعد رفض إثيوبيا المصادقة على الاتفاق السابق حول عملية التشغيل وملء السد، بدأت مصر والسودان بالفعل تحركا دبلوماسيا مع مطلع شهر مارس شمل عددا من القوى الدولية والدول الإفريقية منها جنوب السودان، جنوب إفريقيا، تنزانيا، روندا، النيجر والكونغو الديمواقراطية وغيرهم ودول عربية، وهدفت هذه الجولة إلى شرح موقف مصر من أزمة سد النهضة ومن الجمود الحاصل في المفاوضات بينها وبين اثيوبيا وإصرارهم على المل الثاني للسد بقرارات أحادية، ضارباً بالاتفاقيات ومبادئ القانون الدولي عرض الحائط.
تعمل إثيوبيا منذ بداية المفاوضات على استثمار عامل الوقت، ففي الوقت الذي تسير فيه المفاوضات ببطء وتثاقل، تسارع في بناء السد ليتبقى على اكتمال البناء أقل من عدة أيام ويكون للأمر الواقع وقتها أثر على الخطط المطروحة.
ويبقى السؤال: أين وكيف سيجد النزاع المستمر بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة طريقه نحو الحل؟ هل من خلال التدخل الأمريكي، الوساطة الإفريقية أم آخر الخيارات المتاحة والمتمثلة في الخيار العسكري؟، كلها سيناريوهات محتملة للرد المصري على إثيوبيا ولكن أيهما الأقرب أن يكون خيار مصر؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام.
إن فشلت السياسة، هل فكرة الحرب واردة؟ “
إذ إن النزاع المقبل في الشرق الأوسط سيكون حول المياه ، ستصبح قطرة الماء أغلى من قطرة البترول” هذا ما أكده المصري بطرس بطرس غالي عام 1992 بعد تسلمه لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة ، لا شك أن دبيب الأحذية العسكرية يسمع في الأفق، لاسيما ولم تنجح الدول الأطراف في أزمة سد النهضة -مصر والسودان وإثيوبيا- في الوصول إلى إتفاق حول ملء السد وتشغيله، طيلة 10 سنوات من المفاوضات.
وحول إمكانية الحل العسكري لحل أزمة السد ازدادت توقعاته ، تزامنا مع اقتراب الملء الثاني لخزان سد النهضة، الذي لا تتوانى إثيوبيا عن تأكيد موعده هذا الموسم، وتصاعد حدة التصريحات بين إثيوبيا من جهة ودولتي مصب نهر النيل مصر والسودان من جهة أخرى.
كل المؤشرات، بحسب مراقبين، تقود إلى تصادم حتمي مع إثيوبيا، في حال استمر التباعد بين مواقف الدول الثلاث، باعتبار أن الخيارات الدبلوماسية ولغة التفاوض لم تثمر شيئا ،
وزادت التوقعات على خلفية تصريح رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، بأن إثيوبيا ستقوم بناء أكثر من 100 سد في مناطق مختلفة خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن بناء السدود في إثيوبيا سيكون له دور في مضاعفة الإنتاج الزراعي ثلاث مرات في السنة، ما يحقق الأمن الغذائي للبلاد
وبدورها، كانت وزارة الخارجية المصرية أعربت عن رفضها لتصريحات أبي أحمد، مؤكدةً أنها تكشف سوء نية إثيوبيا في التعامل مع الأنهار الدولية المشتركة.
خاصة في ظل تأكيد إثيوبيا المستمر المضي في الملء الثاني للسد، بوصفه حقا مشروعا، رافضة مبادرة التفاوض بوساطة رباعية تضم الاتحادين الأوروبي والإفريقي والأمم المتحدة والولايات المتحدة، التي طرحتها الخرطوم منذ أشهر، وأيدتها مصر.
وبمقارنة قدرات مصر العسكرية بإثيوبيا، يظهر و بوضوح تفوّق الجيش المصري حيث قوامه ثلاثة أضعاف الجيش الإثيوبي تقريباً، وفي حين يتخطى عدد الطائرات المصرية المقاتلة الحديثة و التدريب و النقل العسكري الألاف.
كما أجرت مصر والسودان مؤخرًا ثلاثة تدريبات عسكرية مشتركة حملت أسماء: "نسور النيل 1" و"نسور النيل 2"، وآخرها مستمر حتى نهاية مايو/آيار الجاري باسم "حماة النيل".
ويبقى العنصر الزمني للملء الثاني ضاغطاً خطيراً في أزمة سد النهضة، بعد تأكيد إثيوبيا مراراً، أنها تنوي إجراء الملء الثاني للسد في موعده المقرر في يوليو المقبل ، وأنها تنوي بناء سدود أخرى في مناطق مختلفة.
وانتقد عدد من الكتاب والمراقبين ما وصفوه بـ "تعنت" إثيوبيا و"مماطلتها" في عملية التفاوض حتى تنتهي من بناء السد، وأنها بذلك ضالعة في "مؤامرة"، وحذر أحدهم أن مصر والسودان "وقعتا في شرك الخديعة".
ليس لإثيوبيا سيادة مطلقة على نهر النيل الأزرق الذي يجري في إقليمها ، فادعائها بالسلطة المطلقة لا يعدو إلا ترهات مرسلة، ودفوع غير مؤسسة، ومزاعم باطلة'".
ويبدو كل ذلك يعطي انطباعا خاطئا بأن ملء السد سيكون أشبه بملء حوض استحمام ، وأن إثيوبيا يمكنها تشغيل وإيقاف الصنبور حسب رغبتها.
لقد تحدثت كل من مصر وإثيوبيا عن المشروع بوصفه قضية حيوية تمس صميم وجود البلدين ومستقبليهما.
ومعه أطلقت الحكومة السودانية حملة كبيرة للحصول على دعم شعبي للفعل العسكري في تلك المنطقة. وتضمنت تنظيم رحلات لأناس مؤثرين إلى الحدود وتقديم أغانٍ وفعاليات مؤيدة في الخرطوم ظهر فيها نجوم الغناء الشعبي مرتدين اللباس العسكري.
وفي شمال السودان، اشتركت القوة الجوية السودانية في مناورات تدريبية مشتركة مع مصر.
وقالت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي في مقابلة مع مراسل بي بي سي في الخرطوم إن الخلافات بشأن السد يمكن حلها خلال ساعات إذا توفرت الإرادة السياسية.
وأضافت الوزيرة أن موقف بلادها ثابت بضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم وشامل، متهمة إثيوبيا بأنها لا ترغب في ذلك وإنما تسعى لفرض الهيمنة وتركيع الدول الأخرى.
كما أكدت وزيرة الخارجية السودانية أن هنالك تنسيقا بين السودان ومصر على أعلى المستويات بشأن سد النهضة. وقالت إن التنسيق يتم بصورة مستمرة وكبيرة لمنع إثيوبيا من ملء خزان السد من دون اتفاق.
وأكد وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور محمد عبد العاطي، أن بلاده والسودان لن تقبلا بالفعل الأحادي لملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي
وأشار عبد العاطي، إلى "الأضرار الجسيمة التي تعرضت لها السودان، نتيجة الملء الأحادي في العام الماضي، حيث تسبب في معاناة السودان من حالة جفاف قاسية، أعقبتها حالة فيضان عارمة، بسبب قيام الجانب الإثيوبي بتنفيذ الملء الأول دون التنسيق مع دولتي المصب، ثم إطلاق الجانب الإثيوبي كميات من المياه المحملة بالطمي خلال شهر نوفمبر الماضي، دون إبلاغ دولتي المصب، مما تسبب في زيادة العكارة بمحطات مياه الشرب بالسودان".
وبالتزامن مع تتطورات أزمة سد النهضة يعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية اجتماعا غير عادي بالدوحة الثلاثاء المقبل لبحث تطورات قضية سد النهضة.
وصرح الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، بأن الاجتماع غير العادي للمجلس يعقد بناء على طلب من جمهورية مصر وجمهورية السودان، وعلى هامش الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب المقرر عقده في الدوحة يوم الثلاثاء المقبل
بقلم عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
كاتب ومحلل سياسي مصري
باحث في شؤون حركات الإسلام السياسي