لماذا لم تقم مصر بنسف بناية السد في بداية تشييده، وتمنع ما يحدث الان من تهديد وجودي لمصر الشعب والجغرافيا؟ هذا سؤال يطرحه الكثيرين من المصريين ولشعب العربي والأصدقاء في العالم،،، قبل الإجابة على هذا السؤال لابد أن نرجع إلي الخلف لنحدد التوقيت الذي بدأ فيه الإعلان عن تشييد السد والحالة السياسية المصرية حينذاك، فهل كانت تسمح تلك الحالة بالتعامل مع السد وما هي التابعيات الدولية لهذا التعامل؟
خلال فترة حكم الإمبراطور هيلا سيلاسي، قام مكتب الاستصلاح الأمريكي بين عامي1956 و1964 بتحديد الموقع النهائي لسد النهضة الإثيوبي على مجرى النيل الأزرق، ولكن بسبب الانقلاب العسكري عام 1974 توقف المشروع. وبين أكتوبر 2009 وأغسطس 2010 قامت الحكومة الإثيوبية بمسح موقع السد، وفي نوفمبر 2010 قدم جيمس كليستون تصميمًا للسد.
ومن خلال تلك المعلومات نعلم أن دراسة مشروع السد فكرة أمريكية قديمة تزامنت مع العدوان الثلاثي على مصر، ولها إبعاد تاريخية إقليمية ودولية ،، ومن ضمن الأبعاد الإقليمية هو حصار مصر وجوديًا وإنهاء الحياة الجغرافية علي أرضها كل ذلك بالطبع من اجل قيام مملكة إسرائيل المزعومة من نهر النيل إلي الفرات.
ولكن بسبب المتغيرات السياسية التي حدثت في مصر والمنطقة تم تأجيل قيام المشروع لحين الوصول إلي العوامل المناسبة المرتبطة بالوقت والسياسة،، فكان انتصار مصر في حرب 73 والحصار العربي للمصالح الأمريكية ،،،، سبب قوي ومباشر في جعل دراسة مشروع هذا السد مجرد مشروع صغير من ضمن مخطط كبير تحت مسمي " مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي كان يهدف إلي توسيع نطاق حصار الموت لدول الطوق المتمثل في مصر وسوريا والعراق، ومن ثم يتم السقوط التلقائي لباقي دول المنطقة وتحولها إلي جماعات قبلية ومذهبية وعرقية للتنازع والتناحر والتحارب ،،، وهذا سيؤدي إلي إعلان الفشل الإداري والسياسي لقيادة مجتمعات المنطقة، ومن ثم الشرعنة الدولية بالتدخل الدولي لضبط إدارة المجتمعات وهذا كان سيتم بناء علي طلب من تلك الشعوب لمساعدتها علي الأمن والحياة..
وفي فبراير 2011 أعلنت أثيوبيا عن عزمها إنشاء سد على النيل الأزرق، والذي يعرف بسد هيداسي علي بعد 20-40 كم من الحدود السودانية بسعة تخزينية تقدر بحوالي 16.5 مليار متر مكعب أسند إلى شركة ساليني الايطالية بالأمر المباشر وأطلق عليه مشروع إكس وسرعان ما تغير الاسم إلى سد الألفية الكبير ووضع حجر الأساس في الثاني من نيسان/أبريل ,وهذا المسمي له مدول هام داخل الدوائر الصهيونية ولا ننسي مشروع النهضة الاخواني ...
وبالنظر إلي تاريخ إعلان أثيوبيا عن عزمها بناء السد، تتضح الرؤية كاملة حول مؤامرة هذا المشروع،، وبداخله من مخطط تدميري لوجود الحياة علي ارض مصر ودول المنطقة، ففي ذلك التاريخ كان قرار تنحي مبارك عن حكم مصر ودخول مصر في نفق سياسي مظلم ،، أجابت التقديرات البحثية لمراكز الأبحاث الدولية ومعها التقديرات المخابراتية لكبري دول العالم، بان نهاية هذا النفق حتمًا سيكون ابتلاع مصر في دوامة لا يمكن النجاة منها.
ولمدة 4 سنوات منذ تاريخ إعلان مبارك التنحي إلي انتخاب السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم مصر في 2014 ، كان لا يمكن التعامل مع السد عسكريًا لان تلك المرحلة كانت من أصعب المراحل الوجودية في عمر الدولة المصرية، والتي كانت عبارة عن صراع أمل للبقاء بين مؤسسات مصر المتمثلة في الجيش والاجهزة السياسية وبين الإخطبوط الأمريكي ومعه الكثير من ذيوله في دول الغرب والمنطقة، مدعوم بخزائن أمول لدول سخرت كل ما لديها لهدم مصر.
وكان الرهان الأكيد من العصابات الدولية وادواتها وعلى رأسها أمريكا هو اختفاء نظام السيسي داخل دوامة النفق المظلم الذي تعيش فيه مصر،، ومن ثم يظل أمل مخطط الشرق الأوسط قائم بشكل كبير وبداخله سد النهضة الذي سيمثل الكثير والكثير بالنسبة لأمريكا ومعها دول النظرية الرأسمالية المتوحشة، والمحكومة من عصابات تمتلك عولمة معظم الاقتصاد العالمي.
وخارج إطار التقديرات العلمية والعملية للمراكز البحثية العالمية، وتقديرات المخابرات المعادية ،،، قامت مصر بصناعة ما هو ابعد من الاعجاز السياسي والعسكري والاقتصادي، بأنها أدخلت أدوات " مخطط الشرق الأوسط الكبير" داخل دائرتها السياسية وحولته إلي سهام في صدر من خطط له ،،، كيف حدث ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يبحث الجميع عن أجابه له.
وألان وبكل سهولة تستطيع الدولة المصرية أن تتعامل مع سد النهضة بكل الطرق المتاحة ،،، وهذا ما يتم تجهيز المسرح الدولي والإقليمي له ،، ولا تمتلك أمريكا الراعي الرسمي لسد النهضة إلا التجاوب مع المطالب المصرية وإلا كان الحل هو ما وجهته أمريكا وأعوانها من فشل ذريع وانكسار عسكري وسياسي واقتصادي وأيضا مخابراتي داخل مخطط الشرق الأوسط الجديد.