منذ حرب سنة ١٩٤٨م وتفرق العرب إلى عدة جيوش ما ساعد العصابات الصهاينة هزيمتهم شر هزيمة، حيث دخلت الجيوش العربية المصرية والأردنية والعراقية والسورية واللبنانية تلك الحرب مع العدو الصهيوني متفرقة دون تنسيق أو استراتيجية واضحة ولكل منهم أجندته المستقلة كما هو حال العرب اليوم.
إن معرفة بريطانيا بحقيقة العلاقات بين الدول العربية التي يشوبها الشك والريبة والصراع على زعامة العالم العربي في ذلك الوقت، أدت وغيرها من الأسباب إلى هزيمة العرب هزيمة مخزية ولازالت آثارها حتى اليوم دون أخذ العبرة والاستفادة من دروس النكسات المتكررة ضد العصابات الصهيونية المسلحة بدعم الحكومة البريطانية، وتخطيطها منذ مؤتمر لندن سنة ١٩٠٧م، الذي جُمعت فيه الدول الاستعمارية الغربية، وهي: بريطانيا، وفرنسا ،هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا برئاسة السير هنري كامبل بانرمان بحجة إيجاد قومية غير عربية تتواجد في فلسطين لحماية قناة السويس المجرى الدولي للملاحة العالمية، وذلك بالاتفاق مع قيادات الصهيونية، ليتم إصدار قرار بدعم العصابات الصهيونية للاستيلاء على فلسطين، بهدف المحافظة على استمرار الملاحة العالمية في قناة السويس.
ثم أعقب مؤتمر لندن وعد بلفور في ٢ نوفمبر عام 1917، وهو رسالة موجه إلى ليونيل روتشيلد يشير فيها لتأييد دعم الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لإسرائيل تطبيقا لمقررات مؤتمر لندن. وقد صدر ذلك الوعد بعد اتفاقية الأمير فيصل ممثل ملك الحجاز سنة 1915 التي وقعت مع حاييم وايزمان، الذي كان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية التي تعطي لليهود تسهيلات في إنشاء وطن قومي في فلسطين والإقرار بوعد بلفور حسب اتفاقية باريس سنة ١٩١٩م. وقد نصت الاتفاقية على ما يلي:
” إن صاحب السمو الملكي الأمير فيصل ممثل المملكة العربية الحجازية والقائم بأعمال بالعمل نيابة عنها والدكتور حاييم وايزمان ممثل المنظمة الصهيونية والقائم نيابة عنه يدركان القرابة الجنسية والصلات القديمة بين العرب والشعب اليهودي، ويتحقق أن أضمن الوسائل لبلوغ غاية أهدافهما الوطنية في اتخاذ أقصى ما يمكن من التعاون في سبيل الدولة العبرية وفلسطين ولكونهما يرغبان في زيادة توطيد حسن التفاهم الذي بينهما”.. وتتمثل أهم البنود التي اتفقا عليها الطرفان، فيما يلي:
يجب أن يسود جميع علاقات والتزامات الدولة العربية وفلسطين أقصى النوايا الحسنة والتفاهم المخلص وللوصول إلى هذه الغاية تؤسس ويحتفظ بوكالات عربية ويهود معتمدة حسب الأصول في بلد كل منهما.
تحدد إتمام مشاورات مؤتمر السلام مباشرةً الحدود النهائية بين الدول العربية وفلسطين من قبل لجنة يتفق على تعيينها من قبل الطرفين المتعاقدين.
عند إنشاء دستور إدارة فلسطين تتخذ جميع الإجراءات التي من شأنها تقديم الضمانات لتنفيذ وعد الحكومة البريطانية المؤرخ من شهر نوفمبر ١٩١٧م.
يجب أن تتخذ جميع الإجراءات لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مدى واسع والحث عليها بأقصى ما يمكن من السرعة لاستقرار المهاجرين في الأرض عن طريق الواسع والزراعة الكثيفة ولدى اتخاذ هذه الإجراءات يجب أن تحفظ حقوق الفلاحين والمزارعين المستأجرين العرب ويجب أن يساعدوهم في سيرهم نحو التقدم الاقتصادي.
يجب أن لا يسن نظام أو قانون يمنع أو يتدخل بأي طريقة ما في ممارسة الحرية الدينية ويجب أن يسمح على الدوام أيضا بحرية ممارسة العقيدة الدينية والقيام بالعبادات دون تمييز أو تفضيل ويجب ألا يطالب قط بشروط دينية لممارسة الحقوق المدنية أو السياسية.
إن الأماكن المقدسة يجب أن توضع تحت رقابة المسلمين يوافق الفريقان المتعاقدان أن يعملا بالاتفاق والتفاهم لتأمين جميع الأمور التي شملتها الاتفاقية لدى مؤتمر الصلح كل نزاع قد يثار بين الفريقين المتنازعين يجب أن يحال إلى الحكومة البريطانية للتحكيم وقع في لندن اليوم الثالث من شهر يناير ١٩١٩م.
تأسيساً على ما سبق، فلينظر الواهمون والحالمون بشعارات العروبة ووحدة المصير العربي إلى أن العرب تعاونوا مع الصهيونية منذ سنة ١٩١٩م، واعترفوا بحقهم في فلسطين، بل وأكثر من ذلك ما أقرته اتفاقية ١٩١٩م المذكرة أعلاه من ضرورة تعاون الدول العربية في مساعدة الصهاينة وتذليل العقبات للمهاجرين اليهود، وتقديم كل الدعم لهم ليستقروا في فلسطين.. فإلى أين نحن ذاهبون؟.. أليس من المنطق أن يتوحد الفلسطينيون، فليس هناك مبرر وطني أو سياسي يخدم الحقوق الفلسطينية في تفرق قوى الشعب الفلسطيني التي أدت إلى ضياع أكثر من ثلاثة أرباع الحقوق المعترف لهم بها دوليا.
لماذا لا يحشدون الدول العربية ودول العالم بطلب واحد لا ثاني له تدعمه وحدة الشعب الفلسطيني، وتكليف الدول العربية بمطالبة مجلس الأمن بتطبيق جميع قراراته على أرض الواقع، وخاصة قرار ه رقم ٢٤٢، وقرارات الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين ليتحقق السلام الحقيقي، خاصة وأن هذه فرصة يجب التركيز عليها حتى لا تضيع كما ضاع غيرها من الفرص الكثيرة نتيجة للخلافات الفلسطينية وعدم وضوح الرؤية لديهم.
إن ما يعقد المشكلة لدي الأطراف الفلسطينية تفرقهم وصراعهم فيما بينهم بما يحقق لإسرائيل توظيف خلافاتهم في سبيل أمنها واستغلالها أمام العالم بأن الفلسطينيين يشكلون خطراً على أمن إسرائيل ومستقبل أجيالهم فلا يجب إعطائهم الوسائل ليستغلوها ضد حق الشعب الفلسطيني وعليهم إتباع قوله تحذير الله في قوله سبحانه وتعالي ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ).