في قصيدة الاطلال التي قام بتلحينها رياض السنباطي لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم يقول العبقري ابراهيم ناجي في احد الابيات :
أيها الساهر تغفو .. تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التأم جرح .. جدّ بالتذكار جرحُ
فتعلّم كيف تنسى .. وتعلّم كيف تمحو
تأملوا معي جمال الأبيات و روعتها و البساطة في التعبير و جمال المعنى ،، تذكرت هذه الابيات و قد كنت في خضم البحث عن أسباب الإحساس بمرور الزمن سريعا و عدم البركة في الوقت ! و مثلي مثل كثيرين تساءلت يا ترى هل هناك تفسير وراء الاحساس بمرور الزمن سريعا كلما تقدم بنا العمر ام انها فقط علامة من علامات نهاية الزمان ؟ فوجدت أن هناك أيضا أبحاث و آراء علمية تفسر لنا هذه الظاهرة فالبعض يرجع السبب لمرور الوقت ببطيء أو بسرعة للمرحلة العمرية و تعلم الأشياء و الخبرات الجديدة أو لعدم الاستفادة بالوقت كما يجب و الانشغال بالماضي أكثر من الحاضر و المستقبل خاصة الأحداث العصيبة ! فيقول البعض ان من الناحية النظرية الوقت حقيقة ثابتة فالدقيقة هي نفسها للكبير أو الصغير لكن الإحساس المختلف بها يرجع إلى العديد من العوامل و أرجع بعض العلماء هذا الأمر إلى عملية حسابية يبتكرها عقل الإنسان معتمداً على الفترة التي عاشها من حياته فالعام الواحد يمثل ثلث الحياة بالنسبة لطفل في الثالثة من عمره في حين تمثل هذه السنة جزءا بسيطا من حياة عجوز في التسعين من عمره ما يعنى أن إدراك عقل الإنسان لمرور الزمن مسألة تتناسب بشكل طردي مع عمره
و بالرجوع لابيات الاطلال لإبراهيم ناجي عندما قال : ( فتعلّم كيف تنسى .. وتعلّم كيف تمحو ) نجد أن النسيان و محو الأشياء المؤلمة قد يكون فيه شفاء للنفس و الاحساس بروعة الحياة و هو عكس ما يحدث من مضاعفة الوجع حينما نتذكر الأشياء و الأحداث المؤلمة و ان سنوات العمر مرت سريعة و الأوقات السعيدة ما هي إلا لحظات قد سرقت من الزمن لأن اللحظات الجميلة لا تأخذ عند البعض نفس الحيز في الذاكرة و استدعائها احيانا مقرونا بالحسرة على ما فات و كأنها لن تتكرر ! ليسقط الحاضر و المستقبل من حسابات هؤلاء الشيء الغير معمول به في الدول المتقدمة التي اعتاد غالبية الناس فيها علي الاستمتاع بكل المراحل العمرية و لديهم الاستعداد دائما للبديء من جديد مهما كانت الظروف و مهما كانت المرحلة العمرية و في كل المجالات الشيء الذي ساعد نسبيا علي تقليل الشعور لديهم بما يسمي بصراع الأجيال و الاستعداد الدائم للتطور دون تغيير حاد فى الأساسيات و البديهيات و دون المساس بالهوية الوطنية أو الدينية ،،
إن الصراع بين الأجيال عبر العصور شيء بديهي نتيجة لحركة التطور في المجتمعات و في العلاقة بين الأجيال التي لكل منها نتاج فكري و أدبي و فني مختلف و إن كنت لا أنكر أن هناك ما يسمي بالزمن الجميل لكن هو شيء ليس ثابت بمعني ان لكل جيل زمنه الجميل و ليس حكرا علي مرحلة بعينها ،، كما أنني لست من هواة التحيز لجيل بعينه كما يظن البعض عندما ينعت الأجيال الجديدة بكل الصفات السيئة و أنه من جيل اخر أكثر احتراما و التزاما و من زمن كله بركة لتتسع الفجوة بين الأجيال ! فجوة لابد من غلقها لتأثيرها السيئ على سلوك النشء الذين هم في المقام الأول اللبنة الأولى للتنمية و طلائع المستقبل ،، كما ارى انه يجب علي الاجيال الجديدة عدم التنكُّر للمواريث الحضاريّة وتضييعها و كسب ثقة الأجيال الأكبر بعلاقات سلمية بالحب والود و العرفان بالجميل و الوفاء ،،
إن موضوع الفجوة بين الأجيال لها انعكاسات خطيرة علي هوية المجتمع و الدولة علي المدي القريب و البعيد اذا ما أستمر النزاع و محاولة كل طرف تنحية الاخر بحجة الحفاظ علي الهوية من الكبار أو فرض تحولات مفاجأة من الشباب !
اخيرا الشيء الذي يجب أن نحرص عليه هو إعطاء المساحة للشباب للتعبير عن نفسه و تمكين الشباب لان التفاخر بالإنجازات القديمة قد يكون مهم لكنه لا يصنع المستقبل و البكاء علي الأطلال قد يعطل لكن قد يكون الوقوف عليه فقط للعبرة أو لنأخذ منه دروس مستفادة ،،
حنان شلبي