العلاقة بيني ،وبين( نزار قباني) قديمة قدم الدهر ،فكلما حاولت الكتابة شعراً ،أو نثرا ،حاصرني نزارا ،في كل صورة ،وفي كل تركيب ،وفي كل معنى ،وفي كل جمال !!
أحاول أن أهرب منه ،حتى لا أُتَّهم بالانتحالِ ،أو السطو المسلح ،على تراثه الخالد، والذي أنهك الكثيرين بعده ،وكلما بحثت كل يوم ،أجد (غُرابا )قد تَعلم كيف يسطو ،ثم يواري سوءته !!
ومن هنا علينا أن نعترف بشاعرية نزار قباني ،التي لا مثيل لها ،وثقافته الواسعة ،حيث أتقن عدة لغاتٍ أجنبية آخرها الأسبانية، حيث عمل في مدريد عدة سنوات ،وتأثر بالطريقة التي يقرأ بها الشعراء الأسبان ،على أنغام الجيتار، ولقد ظهر تأثر نزار قباني بالأندلس في قصائد ديوان ( الرسم بالكلمات ) والذي صدر عام 1966 , ويقول نزار قباني عنه :
هذا القاموس الشعري ليست له جنسية ،فهو ليس دمشقيا ولا مصريا ولا لبنانياً ولا فرنسياً ولا انجليزياً ولا صينياً ولا اسبانياً ..
أنني في شِعري أحمل جنسيات العالم كلها ،وأنتمي لدولة واحدة هي دولة الإنسان..
ومن هنا كان المدخل لشعر نزار قباني الثري المتنوع ،فلقد كتب الشعر في سن مبكرة ،وصدر له الديوان الأول عام 1944 وكان عمره وقتها ثنتا وعشرين عاما ،أثناء عمله الدبلوماسي بلندن، وقد طبع هذا الديوان 25 مرة ،والذي توصل فيه إلى صيغة لغوية غير مطرزة على حد تعبيره...
- درس نزار قباني الفرنسية بتعمق شديد ،وقرأ وتأثر ب فولتير ، دي موسيه ..ألفريد دي فيني..فيكتور هوجو..راسين ..
إذن نحن هنا أمام شاعر استثنائي كتب الشعر والنثر والمقال ،واشتغل بالترجمة لأكثر من لغة ،واستطاع أن يمزج شعره العربي بقوالب غربية أحيانا، محافظا على كلاسيكياته، متحرراً من بعض قيودة !!
( حطموا جمود الشعر .. محمود حسن ) !!
دراسة وافية أنصح بقراءتها على سبيل الإفادة والاستشهاد .
وقد كتب شاعرنا الكبير كل ألوان الشعر ،فلقد كان غنياً بالصور ،والأخيلة ،والجماليات،والمحسنات البديعية ،وكما قلت :
أنه أنهك الشعراء بعده !!
وفي قصيدته ( كل عام وأنت حبيبتي) تحرر من الوزن والقافية ،وكتب كما يود هو ،وبذكاء كاظم الساهر ،أشبع اللحن ونزارا في الان نفسه ،حين عاد به إلى ذكريات اشبيلية ولياليها السمان صورا، ولحنا، وتصويرا، وجيتارا ، و ( مززا) أيضا !!!