أدى اعلان بريطانيا عن سلالة جديدة من فيروس كورونا المستجد إلى حالة من الذعر حول العالم فأغلقت دول عدة حول العالم مجالها الجوي وقد جاء الإعلان في أعقاب حالة من الأمل بعثها اكتشاف اللقاحات أخيرا. لكن هذا الإعلان عصف بحالة الأمل تلك وسط مخاوف من عودة الفيروس بصورته المتحورة للانتشار من جديد وبصورة اسرع وسط توقع ذلك بنسبة قد تصل إلى 70‰ مما يهدد بالخروج عن دائرة السيطرة مرة أخرى وسار التساؤل حول جدوى اللقاحات الحالية.
بحسب الدراسات الأولية فالتحور قد حدث في بروتين سبايك وهو الذي يمنح الفيروس المستجد شكله التاجي الشهير علاوة عن كونه المفتاح لدخول الفيروس لخلايا الجسم فضلا عن أنه الهدف الأساسي للقاحات الرئيسية الحالية وللعلاج بالأجسام المضادة وقد حدثت الطفرة N501Y في الجزء الأكثر أهمية من بروتين سبايك والخاص بالتلامس والارتباط بخلايا الجسم وهي منطقة ارتباط المستقبلات receptor binding domain مما يسهل من اختراق الفيروس لخلايا الجسم ويجعله أكثر حدة و قدرة على العدوى . إضافة لدراسات أخرى تشير إلى طفرة أخرى هي حذف جزء صغير من بروتين سبايك وهو H69/V70 وقد تم اكتشافها في السابق لدي حيوانات المنك المصابة بكورونا مما يجعل الأجسام المضادة في أجساد المتعافين أقل فاعلية في صد الصورة المتحورة الجديدة من الفيروس.
تعتمد فكرة لقاحات فايزر بيونتك ومودرنا على استخدام نسخة اصطناعية من المادة الوراثية لفيروس كورونا المستجد وهي الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA مما يحفز الجهاز المناعي للجسم لإنتاج أجسام مضادة قادرة على التصدي للفيروس الحقيقي عند مهاجمته الجسم فهو اشبه بالرسالة التي توجه للجهاز المناعي ليكون الجسم في حالة الجاهزية المستمرة وعلى الرغم من امان اللقاح من الناحية النظرية إلا أن الوقت لازال مبكرا للحكم من الناحية العملية لحداثة هذه التكنولوجيا. وقد استثنى من اللقاح الأطفال والحوامل والمرضعات لعدم كفاية الدراسات حول سلامة الاستخدام في هذه الحالات.
وقد حصل لقاح فايزر بيونتك على تصريح استخدام طارئ من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ويتطلب أخذ حقنتين يفصل بينهما 21 يومًا.
وبحسب الشركتين المصنعتين فتبلغ نسبة الفاعلية للقاح فايزر بيونتك 95‰ بعد سبعة أيام من الجرعة الثانية. ويعني هذا أن أكثر من 95٪ من الأشخاص الذين سيتلقون اللقاح سيتمتعون بالحماية من الإصابة بمرض شديد ناتج عن فيروس كورونا المستجد لكن اللقاح يحتاج إلى درجة حفظ 70 درجة مئوية تحت الصفر مما جعله ليس الخيار الامثل لبعض الدول النامية.
في المقابل يمثل اللقاح الصيني سينوفارم خيارا مثاليا لبعض الدول النامية حيث يحفظ في الثلاجات العادية وسط ضبابية شديدة فيما يتعلق بدرجة فاعليته وأمانه في ظل غياب الدراسات الكافية حوله ويقوم على الفكرة التقليدية في صناعة اللقاحات من الاعتماد على حقن جزيئات فيروسية ميتة غير نشطة.
ومع الإعلان البريطاني عن السلالة الجديدة سارعت ألمانيا إلى طمأنة العالم و الإعلان أن اللقاحات الحالية تمتلك الفاعلية الكافية للتصدي للسلالة الجديدة ويرجع هذا التفاؤل إلى أن اللقاحات فايزر بيونتك وموديرنا تدرب جهاز المناعة على مهاجمة بروتين سبايك للفيروس من عدة أجزاء للتغلب على مسألة الطفرات المحتملة به غير انه في وجهة نظري أمر يحتاج إلى التريث و المزيد من الوقت للبرهنة عليه بشكل فعلي وواقعي.
فالفيروس جديد ونتعلم منه الجديد كل يوم كما تقول منظمة عموم الصحة الأمريكية PAHO.
وفيما يخص السؤال المحير منذ فترة حول استمرار إيجابية المسحة لدي البعض على الرغم من تعافيهم من كورونا المستجد وخلوهم من الاعراض فقد نجح فريق من الباحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد في تقديم تفسير مثير لذلك قد يقلب الموازين حول تشخيص كوفيد 19 حيث ذهبت الدراسة والتي نشرت في مجلة Science إلى أن جينوم RNA الخاص بكوفيد 19 يمكنه الاندماج مع الحمض النووي للكروموسومات البشرية DNA مختبريا باستخدام جين انزيم النسخ العكسي والذي يحول RNA إلى DNA وبالتالي يبقى الفيروس مختبأ في مكان غير متوقع داخل كروموسومات الخلايا البشرية ولكن ليس بشكل دائم وتأتي هذه التجربة بنتائج على خلاف المشهور بين العلماء من أن الفيروسات تقوم بإدخال حمضها النووي RNA في الخلايا المصابة ولكن يبقى في معزل عن الحمض النووي للخليةDNA.
الحقيقة أن هذه الدراسة لو تأكدت فلربما تقلب مسألة أمان وسلامة لقاحات فايزر بيونتك وموديرنا على المدى الطويل رأسا على عقب
د. محمد فتحي عبد العال
رئيس قسم الجودة بالهيئة العامة للتأمين الصحي فرع الشرقية سابقا
مسؤول سلامة المرضى وإدارة المخاطر بمستشفى الفلاح الدولي بالرياض سابقا
كاتب وباحث مصري