عايدة محمود تكتب : الحب ....ما بين الماضى والحاضر

عايدة محمود تكتب : الحب ....ما بين الماضى والحاضر
عايدة محمود تكتب : الحب ....ما بين الماضى والحاضر

( الحُب ) !! من أرقى المشاعر البشرية التى تربط بين قلوب البشر وهو الإحساس الذى يجعلنا نحلق فى الأفق بدون أجنحة فهو نبضة قلب مختلفة تنبضها قلوبنا بشغف.

والحب قديما وعبر العصور وفى مختلف الحضارات كان له قدسيته وإجلالهو من أخلاقيات العرب قديماً أنهم كانوا يؤصلون مبدأ "الحب " في نفوس الصغار, لأنهم سيكبرون وفي قلوبهم معاني أخلاقية تسمو بنفوسهم ..

فالمحب قديما لا يرضى إلا بالسمو والرفعة والكرامة كي يظل كبيراً وذو رفعة في عين حبيبته , لذلك كانوا يهتمون بالعلم والمظهر والأخلاق والكرم والشجاعة ويتطبعوا بتلك الصفات .. حتى أن أحدهم كان يمشي ويُقال عنه انه محب !!

ويذكر أن قصص الحب قديما كانت تعكس بوضوح معانى الإخلاص والوفاء والتفانى وهناك قصص كثيرة جسدت الحب فى أروع معانيه قيس وليلى وعنتر وعبلة وجميل وبثينة وغيرها من قصص .

من هنا أريد أن أوضح كم أن الحب له وقع على نفس المرء وكم أن الحب يجعل العاشق متمسكاً برفعته في نظر من يحب ..

 أما الآن لا غالبا ما يُذكر الحب إلا ويقترن بالخيانة الإ فى حالات لم تعد بالكثرة يغلف القصة معانى سامية من الوفاء والإخلاص وحاليا للأسف تتزايد معدلات الطلاق بشكل مخيف وهذا يعكس أن الرجل والمرأة حاليا فى الأغلب ما يفكرون بأنانية وليس لديهم فلسفة أن نبقى على الحب ليكون فى الأخير هو الضحية بين طرفين لم يجد الحب فى قلوبهم وطن دفىء يستقر فيه .

وإنى أري أن "للحب" معنى لابد من تأصيله في نفوسنا قبل إنبعاث احاسيسنا ومشاعرنا نحو الآخرين ..

ولن يشغل المحب شاغل عن محبوبه إلا الموت ..

فهل ننسى قول عنترة وهو في خضم الحرب الحرب ويقول لعبلة ولقد ذكرتك والرماح نواهل .. مني وبيض الهند تقطر من دمي !! أيّ حبٍ هذا ؟!!

 

 

وقول قيس بن الملوّح :

أمر على الديار ديار ليلى .. أُقبل ذا الجدار وذا الجدار

وما حب الديار شغفن قلبي .. ولكن حب من سكن الديار

فالحب كنز غالي الثمن .. لا يقدر قيمته إلا من تحسس معانيه ..

ولنا في رسول الله –خير من نطق الضاد – عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة ..

عندما قال عن خديجة رضي الله عنها بعد موتها بسنين " لقد رزقني الله حبها " وقد اغرورقت عيناه بالدموع !!

 ما أجمل تلك الكلمة .. ما أجمل أن يكون الحب رزقاً !!!

فكما أن العقل يحجم بصاحبه متى يتقدم ومتى يتأخر، أيضاً الحب يحجم بصاحبه عن سفاسف الأمور وصغارها ..

ومن هنا نستدل ان الحب من دلالات النبل في الإنسان اذا اكتملت معانيه فالحب الحقيقى يجعل الإنسان أكثر رقى وأكثر إنسانية ويضفى عليه جمال روحى فريد.

ولكن ما نراه اليوم فى عصر الأنترنت والسوشيال ميديا حباً ولم تُستكمل معانيه نرى علاقات تبدأ سريعا وتنتهى سريعا وفى أغلبها فقيرة المضمون وسطحية الإحساس. ولكي تستكمل معانى الحب وجب علينا الترفع عن صغار الأمور واستجلاب الشهامة والمروءة في كافة أمور الحياة ، حتى لو لم تكن محباً .. يكفيك رفعة ان تكون رمزاً للحب !!

يجب أن نزرع فى قلوبهم براعم الحب وتثمر أولا قبل أن نبحث عنه فى عالمنا الخارجى يجب أن نعلم أولاد أن يحترموا قيمة الحب والوفاء.

وسيظل الحب هو ذلك الخيط الرابط والناظم الذي يجمع بين رجل وامرأة، وهو ذلك السر الذي يلهث وراء امتلاكه كل إنسان، فكل واحد يسعى لأن يحب، أن يجد شخصاً يحبه ويعبر له عن ما يختلج مشاعره ويكتنف أحاسيسه، والحب يراود مخيلة كل فتى وذاكرة كل فتاة، وجميعهم يرغبون بإيجاد الطرف الآخر، بيد أن الحب بمفهومه وطرق التعبير عنه قد اختلف اختلافاً جذرياً بفعل الوقت والتطور التقني والتكنولوجي.

ونلاحظ فى الاجيال السابقة كان الرجل يحب زوجته ويعمل على الاعتناء بها وإكرامها، وكانت بين الرجل والمرأة وشائج قوية، وخيوط حب لا تعصف بها رياح المشاكل، ولا تتأثر بواقعات الدهر ونوائبه، لذلك كان من الطبيعي أن تستمر العلاقات الزوجية سنوات طويلة قد تصل إلى ستين عاماً وأكثر فقد كان هناك نوع من الأمان والاستقرار فى العلاقات الزوجية والعاطفية.

 

 

تغير النظرة للحب حاليا :

وبقارنة ما يحدث الآن في عهد المواقع الاجتماعية فقد الحب مدلوله ومحتواه، وأصبح مقيداً بشروط، فأضحت الشابة تصور حبيبها رجلاً غنياً يمتلك سيارة فاخرة ومنزلاً فخماً، من أجل ذلك ارتفعت نسبة العنوسة، وتزايد عزوف الشباب عن الزواج.

 

 

التأثيرات السلبية للحب الأجوف:

وحول التبعات السلبية التي أصبحنا نشهدها حالياً نلاحظ "إذا كان الحب قد انعرج عن طريقه الصحيح وأفرغ من محتواه لدى الشباب، فالأمر كذلك في العلاقات الزوجية، حيث ارتفعت نسبة الخيانة، واكتظت المحاكم بملفات الطلاق، وبات الزوج يطلق لسانه في مساوئ زوجته وعيوبها والزوجة كذلك، وكل طرف يترقب عيوب الآخر، وانتشرت ظاهرة تعنيف المرأة، وأصبح الرجل فى حالات كثيرة يبرهن على رجولته بضرب زوجته، مما يؤدي أحياناً إلى خلق عاهات مستديمة لدى نساء غدا عش الزوجية عندهن جحيماً لا يطاق وسجناً لا يحتمل" فتحول لغة الحوار إلى لغة الإذاء والعنف الجسدى والمعنوى.

 

 

العودة لحب الأساطير :

وعن الحلول لتعود للحب قيمته كأعظم وأجمل شعور يجب أن تعيشه البشر فتظهر اليوم حاجتنا إلى حب ينصرف إلى احترام الطرف الآخر، حب أسطوري يذكرنا بقصص الحب الأسطورية كأسطورة "إيسلي وتسليت"، ذلك الحب الصادق الذي تحدى القدر، حيث حزن المتحابان حزناً شديداً وأجهشا في البكاء حتى شكلا بحيرتين من الدموع وأغرقا نفسيهما في تلك البحيرتين، وضحيا بحياتهما بعدما أيقنا بأنه لا حياة لهما دون بعضهما البعض، 

كذلك أسطورة "إيزيس وأوزوريس" التي جسدت مفهوم الحب الخالد، فالبعض يظن أنه لم يعد للحب وجود، وقديما ذكر أرسطو أنّ الحُبّ هو علاقة تعبّر عن جسَدَين بروح واحدة وقال في الحُبّ إنّه شيء لا ينتهى، فالحُبّ الذي ينتهي لا يكون حُبّاً حقيقياً، كما عبّر عن الحُبّ بأنه أسطورة من الأساطير التي تعجز البشرية عن إدراك ماهيتها،

 

 لكن ربما يكون الحب الحقيقي هو ما يخلف وراءه من جنون وحماقات كما قال نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زرادشت": "في الحب شيء من الجنون، وفي الجنون شيء من الحكمة"، وإذا كان السواد الأعظم في العلاقات يتمثل بالخيانة والنفاق، فهناك علاقات اليوم نشأت وعاشت بالحب وشبت وشابت بالهيام وحيت وماتت بالإخلاص".

الحُبّ في نظر الأدباء والفلاسفة العرب للحُبّ في نظر الأدباء والفلاسفة العرب وجهات وآراء عديدة، وله مؤلفات خاصة متعددة، فقد عبّر الجاحظ عن الحُبّ في كتابه النساء، وفي كتاب رسالة القيان بأنّه ذلك الشعور العقلاني البعيد عن اللهو، وقد طالب الناس أن يقاوموه، أمّا ابن حزم الأندلسي فقد رأى في كتاب طوق الحمامة في الألفة أن الحُبّ يبدأ بالهزل وينتهي بالجدّ، وهو شيء لا تُدرَك معانيه ولا يوصَف إلّا بالمعاناة، كما يقول إنّ جميع أنواع الحُبّ القائمة على المنفعة الحسيّة تزول بسرعة، وتنتهي بانتهاء عِللها باستثناء الحب المتأصّل والمتوغل في النفس، فلا ينتهي إلّا بالموت.

وأخيرا إجعلوا الحب والوفاء قانون للقلوب وفلسفة حياة علموا أولادكم صدق المشاعر وكيف يكون رقى الإحساس حتى لا تنحدر وتسقط معانى الحب فى الأجيال القادمة، أنقذوا الحب فى بئر الخيانة وتجريف القيمة وأشغلوا مشاعل الحب لتضيء قلوبكم من جديد فالحب الحقيقى قادر أن يضيء ظلام الروح و العالم بقنديل لا ينطفىء أبدا.