طالما ان الرئيس بايدن لن يكون " اوباما الثاني" ، فكيف - اذا - سيكون الرجل ؟
بادئ ذي بدء يمكن القول انه في عالم السياسة لا تورث المناهج السياسية للقادة توريثا ميكانيكيا لخلفائهم ، فلن يحمل الرئيس بايدن كروزومات سياسية منذ عهد نيابته لاوباما ، خاصة و ان النائب بايدن سابقا قد اجترأ على معارضة اجراءات و توجهات للرئيس الاسبق اوباما ،ومنها الموقف الاسبق للرئيس اوباما من الرئيس الاسبق مبارك ،فقد راى النائب بايدن ان مبارك لم يكن ديكتاتورا ، بل كان يسمح بسقف عالي من الحرية لا نظير له في المنطقة ، و خاصة ايضا اننا في عالم متغير، و لا تتطابق فيه الازمنة و ظروفها
ومن الطبيعي ان سؤالنا الاستهلالي : " هل سيكون بايدن اوباما ثانيا ؟" تشغل اجابته كثيرين الان في منطقتنا و العالم ، خاصة وان الرئيس بايدن قد وظف من حوله بمختلف المواقع و المسئوليات بادارته عددا ليس صغيرا ممن كانوا ذوي مسئوليات في عهد الرئيس اوباما ، حتى انه لو كان من اللائق توظيف الرئيس اوباما نفسه في ادارته لفعل ذلك ، و لاقدم الرئيس بايدن على دعوة اوباما الى شغل منصب ما سيكون - بطبيعة الحال - دون الرئيس وكامالا نائبته ، و لكن ذلك متعذر تماما
و رغم هذا الحضور " الاوبامي " القوي في ادارة بايدن الا ان لصيقين به يقطعون ان الرئيس الجديد سيكون مختلفا ، و لن يكون ابدا اوباما الثاني ، فلن نسمع مثلا الاصطلاحين الشهيرين : " الفوضى الخلاقة و الشرق الاوسط الكبير" اللذين سبق لوزيرة الخارجية السابقة كونداليزرايس ان روجت لهما و استهدفا انطلاقة ما سمي الربيع العربي بفوضويته الفاشلة و منطقه الاعوج ، و ربما ان الاصطلاحين البديلين سيكونا : " هندسة المجتمع و بناء الامم"
علينا ان نتوقع ان ينقلب الرئيس بايدن اخلاقيا على الكثير مما فعله الرئيس ترامب ، و لكنه ليس بالضرورة سوف ينقلب سياسيا على كل توجهات الرئيس السابق ، و اصدقاء ترامب لن يخاصمهم بايدن بالضرورة
ومن علامات الانقلاب الاخلاقي لبايدن على الترامبية ان ادارته توصف بانها : " قوس قزح " حيث يتجسد فيها التنوع الهائل في المجتمع الامريكي ، و ربما قصد ذلك الرئيس الجديد كاحد وسائله لحماية المجتمع الامريكي من تصدعات سياسية في بنيته بما لا ينسجم مع تاريخه ، وهي التصدعات التي تسببت فيها ادارة الرئيس ترامب البيضاء ومؤيديه الذين اقتحموا "الكابيتول " على نحو بالغ البشاعة ، وايضا من علامات الانقلاب الاخلاقي لادارة بايدن انه من اللافت ان الرئيس الجديد قد استعان في ادارته بعدد من الكفاءات السياسة ذات الخبرة الكبيرة و العريقة و الرزينة ، و انه لن ينصب مقصلة سياسية تطيح سريعا بمعظم من اختارهم ، فالاستقرار الوظيفي في ادارة الرئيس بايدن سيكون اكثر بكثير مما كانت عليه الاحوال في ادارة الرئيس ترامب ، فقد اعد المايسترو الفذ بايدن فريقه ليتولى قيادة هذه الأوركسترا و ليعزف نغما سياسيا يعيد الامن و الامان لبلاده
وفي الحسابات ان هذا الخيار سيلائم عقلانية و حكمة السياسة المصرية الراهنة على وجه التحديد في تعاملها مع كافة الملفات و قضايا منطقة الشرق الاوسط ، على العكس تماما من توقعات كثيرين بان تباعدا و برودا آتيا بين القاهرة وواشنطن ، واغلب ظني ان حوارا فعالا و حكيما بين البلدين سوف يثمر مرئيات جديدة تفضي الى توطيد للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين الصديقين ، فمن المأمول الا تشهد العلاقات الامريكية المصرية اياما عجافا ، بل ان فرص التعاون بين البلدين ستكون وافرة ، بفضل القدرات السياسة النجيبة التي يتمتع بها الرجلان : السيسي و بايدن
و الغريب ان من يتحدثون عن سياسات الرئيس الامريكي الجديد المرتقبة في الشرق الاوسط يكادوا لا يتركون بلدا في المنطقة الا و الرئيس بايدن سيجافي قيادتها ، و هو ما يتناقض مع رصانة الرجل ورزانته و خبراته الطويلة بالمنطقة و مناخها السياسي
و في كل الاحوال فان مصر الراهنة بلد قوي و حكيم و تحظى قيادته باحترام كبير من مختلف القوى في العالم ، و اقامة الجسور معها مكسبا في عالم متقلب و مترع بالقضايا الشائكة ، و يتأهل لقطبية متعددة ، فضلا عن ان القاهرة ليست مسكونة كغيرها باحلام امبراطورية ترنو الى الزحف الدرامتيكي الى حدود التاريخ ، بل ان مصر بلد عريق في حضارته و يمد جسور السلام و الصداقة الى كل الامم و الشعوب
----------------------------------------------