قد يكون تعبيرا مجازيا لكنه يحمل من الحقيقة الكثير ، فالزمن له سلطة لا يستطيع أحد أن يتحداها أو يوقفها ، العمر يزداد عنوة ولا أحد يستطيع العودة به للخلف لينقص من عمره ، وهذا الحدث في حد ذاته يعتبر سلطة ديكتاتورية لا نقاش فيها ، ومهما حاول الإنسان أن يغير من شكله ليبدو أصغر عمرا كما يحدث في عمليات التجميل بكل تقدمها الآن ، لكن هذا التغيير الشكلي لا يتبعه تغيير عمري ، العام يضاف على العمر سواء رضينا أم لا نرضى إذا سمح الله بالحياة طبعا ، نعم للزمن سلطة تحدد الكثير من مجريات الحياة الآن ، ففي البلاد الديمقراطية التي تحدد فترة لحكم الرئيس بمجرد أن تنتهي يترك الحكم دون زيادة ليوم واحد إلا في ظروف اضطرارية ونادرة ، ولايته تحدد بعدد الأعوام التي يحكمها والتي حددها دستور البلد ولا تغيير ولا تبديل فيها ولا عواطف مهما كانت انجازاته ، السلطة الزمنية هي التي تحدد بداية فترة حكمه ونهايتها ، وقس على ذلك الكثير من مجريات الحياة التي يلعب فيها الزمن دورا سلطويا . ففي التقويم الميلادي الذي يسير عليه العالم كله تقريبا يكون شهر ديسمبر هو المحدد لنهاية العام ليغرب هذا العام ويشرق العام الجديد ببداية شهر يناير ، أو تحديدا في منتصف ليلة 31 ديسمبر حسب التوقيت المحلي لكل مكان ، العام القديم ينتهي بكل مجريات أحداثه ، ويتم استقبال العام الجديد مع الأمل دائما في أن يكون عاما سعيدا على العالم كله ، وفي الثلث الأخير من شهر ديسمبر ونهايته والثلث الأول من شهر يناير في العام الجديد يأتي أهم حدث يحكم العام الميلادي وهو ميلاد السيد المسيح له المجد ، وهو الحدث الفريد وأفضل ما يمكن أن أبدأ به كلماتي.
25 ديسمبر _ 1 يناير _ 7 يناير . تهانينا القلبية
******************************************
ثلاث مناسبات تحكي عن قصة واحدة ، قصة ميلاد السيد المسيح له المجد . فإذا كان 31 ديسمبر وبعد منتصف الليل هو رأس السنة الميلادية ، فإن 25 ديسمبر والسابع من يناير هما الميلاد نفسه ، لا فرق بينهما ، تختلف المواقيت والأوقات بين الشرق والغرب ، لكن المولود من السيدة العذراء واحد ، لم يتغير ولم يتبدل ، وكمثل تقريبي لو ولد مولود في أمريكا في الساعة الحادية عشرة قبل منتصف الليل فإن أول يوم في ميلاده يحتسب نفس اليوم ، لكن بالنسبة لمصر يعتبر اليوم الذي يليه هو يوم مولده لفروق الساعات في التوقيت بين أمريكا ومصر ، في الحقيقة أنا لا أجد أي غضاضة في أن يحتفل بالسيد المسيح في الغرب في الخامس والعشرين من ديسمبر وأن نحتفل في الشرق في السابع من يناير من العام الجديد ، بل أنا لست مع الذين يطالبون بتوحيد اليوم ، المولود يستحق أن يفرح بمولده العالم ليس مرتان فقط لكن طوال العام . بالتأكيد أنا وقلمي سعداء جدا أن أكتب في هذا الموضوع الجميل ، مبتعدين عن هم وغم السياسة ، تاركين كل مساخر العالم وما يثار فيه الآن من تفاهات العقول وبين ارهاب وتطرف وتعصب وتوك شو ، سعيد أنا وقلمي أن أنهي العام 2020 ونبدأ العام 2021 بأجمل ما يمكن أن نفكر فيه ونكتب عنه ، وهو قصة الميلاد المجيد للسيد المسيح ، وما تحمله من رسالة مفرحة للعالم كله " المجدلله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة " ودائما في هذه المناسبة تقفز إلى عقلي عبارات تجمع بين السيد المسيح ومصر " من مصر دعوت أبني " و " مبارك شعبي مصر " . كل عبارة من هاتين العبارتين لها مدلولها الخاص من حيث الناحية العقائدية ومن حيث ما تتمع به مصر من بركات كثيرة ، لم يحظى بها أي مكان آخر في العالم ، بل قد تكون على نفس الدرجة من الأماكن المقدسة في القدس والأماكن التي كان فيها السيد المسيح سواء أثناء حياته أو بعد صلبه وقيامته . " من مصر دعوت ابني " مهما حاول البعض تحريفها باستخدام المنطوق اللغوي بأن المقصود بها هو إسرائيل ، حسب ما جاء في نبؤة هوشع 11: 2 " لما كان إسرائيل غلاما أحببته ، ومن مصر دعوت ابني " ، لكن الأحداث نفسها هي التي تؤكد أن هذا الأبن المدعو من مصر هو السيد المسيح نفسه ، وقد جاء في انجيل متى 2 : 15 ، " إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا : قم خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر ، وكن هناك حتى أقول لك . لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه " فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا إلى مصر . وكان هناك إلى وفاة هيرودس لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل " من مصر دعوت ابني " . وليس المقصود أيضا " النبي هوشع " كما يحاول أن يحرفها البعض أيضا . وقد تكون كلمة " الأبن " هي التي دعت البعض إلى التشكيك في النبوة مع أن العهد القديم به الكثير من النبوات عن ولادة السيد المسيح من السيدة العذراء مريم وعن صلبه وقيامته ، دعوت ابني والأبن هو السيد المسيح لا تشكيك فيها ولا غبار كما أن القول بأن السيد المسيح هو ابن الله لا تشكيك فيها ولا غبار لأن البنوة هنا ليست جسدية لأنه من المعروف للجميع والمؤكد تاريخيا أن السيد المسيح حُمل به من السيدة العذراء بالروح القدس وولادته معجزية من عذراء دون أن يمسها رجل ، الأبن الذي دعي من مصر هو السيد المسيح الذي كان في الآب منذ الأزل وأتى في الوقت المحدد له من الله بهذه الطريقة المعجزية لأن كل شئ تم منذ خلق العالم وإلى النهاية هو خطة مرسومة في وجدان الله الآب ، وبالتأكيد يوجد شرحا مفصلا للمتخصصين في الكتابات الدينية عن هذا الموضوع تؤكد بصورة مفصلة أن الذي دعي من مصر هو السيد المسيح له المجد . أما " مبارك شعبي مصر " ، فالبركة هنا بركة حقيقية فمصر هي الوطن الثاني الذي استضاف السيد المسيح بعد فلسطين فباركه ، ، فلم تطأ قدماه بلداً آخر غير موطنه سوى مصر ، ، ليحقق نبوءة العهد القديم القائلة: «مبارك شعبى مصر» ، وقد يكون السبب أن من بين دول العالم تبقى مصر الأعمق تديناً ، وقلوب المصريين الأطيب ، ومن أجل هذا القلب الطيب جاء المسيح إلى أرض مصر. وكانت هى البلد الوحيد الذى فتح أحضانه له فى وقت كان اليهود والإمبراطورية الرومانية وممثلها فى إسرائيل «هيرودس» يحاولون قتله . لقد عاش السيد المسيح بها وتحطمت الأصنام بمجرد دخوله فيها ، شرب من نيلها واحتمى بجبالها، تاركاً آثار أقدامه على خريطتها الزمنية والجغرافية ، ومدشناً هياكله فى كل أنحائها ، ليخلق علاقة خاصة جداً بينه وبين المصريين بكل طوائفهم وتنوعاتهم ، علاقة وطيدة ، جعلتهم يحتفون به على طريقتهم الخاصة فى كل موطئ قدم له على أرضها ، وفى كل مناسبة ، لتتميز الكنيسة القبطية عن بقية الكنائس فى استقبالها المسيح بطقوسها وتسابيحها ومدائحها ذات الطابع المصرى الخالص ، فكما أن مصر هى البلد الوحيد الذى زاره المسيح ، المصريون أيضاً كانوا متفردين فى طريقتهم للاحتفاء به ، ولهم عادتهم ، فينظمون أعيادهم الخاصة للاحتفال به ، ويؤلفون التسابيح والتراتيل فى استقباله من كل عام ويبنون الكنائس على مسار موطئ قدميه ، المصريون تعرفوا على المسيح قبل الرسالة نفسها مرتين: الأولى كانت فى رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر ، التى كانت فور ميلاد المسيح ، حيث أتى المسيح وأمه السيدة العذراء مريم ويوسف النجار إلى مصر بحسب توجيه الملاك فى رؤيا ليوسف ، أما الثانية فكانت فى وقت صعود المسيح للسماء، حيث كان هناك فى ذلك التوقيت بعض اليهود المصريين الذين شهدوا الأحداث العظيمة وصعود السيد المسيح إلى السماء فى يوم الخمسين وحضروا تأسيس الكنيسة فى أورشيلم وعند عودتهم إلى الإسكندرية رووا ما رأوه لذويهم وجيرانهم وانتشر الحديث عن المسيح فى مصر فى ذلك الوقت ، وقبلوه ولهذا حين جاء مار مرقس الرسولى كاروز الديار المصرية ، فى عام 61 تقريباً ، لقى قبولاً كبيراً بين المصريين ، بعد أن كتب إنجيله فى روما ، وحينها عاش واستقر وأسس المدرسة اللاهوتية فى الإسكندرية ، وكان يدرس فيها إلى جانب اللاهوت الفلسفة والمنطق والطب والهندسة والموسيقى . إن جهود الدولة المصرية والكنيسة الأرثوذكسية في أحياء مسار أو رحلة العائلة المقدسة وخطواتها في مصر ، تعتبر جهودا عظيمة ومحط أنظار العالم كله وإعجابه ، ولذا يحق لي أن أقول لمصر كلها ولكل المصريين في عيد ميلاد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية كل عام وأنتم بخير ، كل عام ومصر في ارتقاء دائم بإذن الله .
استقبلوا العام الجديد بالأمل .
*************************
أكثر ما يضايقني هذه الصرخات على السوشيال ميديا التي يودعون بها عام 2020 وينعتونه بأنه كان عاما حزينا موبوءا ، نعم للعام سلطة الانتقال الزمني ، لكن مجريات أحداثه إما يحددها القدر ولا سلطان لإنسان عليه وإما يحددها البشر ذاتهم بأفعالهم التي إما أن تكون سعيدة فيما يبدعون فيه لصالحهم ولصالح البشرية وإما يذهبون لاتعاس انفسهم واتعاس البشرية بعضها أو كلها ، فالإنسان له القدرة على إسعاد نفسه أو اتعاسها والكثيرين يلقون بأسباب تعاستهم على القدر والقدر لا ناقة ولا جمل فيها ، كثير من الأحداث تحدد أو نتذكرها بوقتها أو التاريخ الزمني لها ، أحداث سعيدة كالإختراعات التي تسعد وتفيد البشر نتذكرها بتاريخها وصاحب الفضل بعد الله في اختراعها ، فنقول أن المصباح الكهربائي اخترعه إديسون عام 1897، أو عقار البنسلين اخترعه " ألكسندر فلمنج " عام 1929 وأيضا نتذكر الاختراعات المدمرة للبشر بأعوامها ومخترعيها ، أو من تسبب في الحروب التي قضت على الكثير من البشر ، وهكذا نجد أن مرور الأعوام هو انتقال سلطة زمنية فقط ولا أحد يستطيع إيقافها ، لكن الأحداث التي تتم بها هي بريئة من هذه السلطة ، ومن الخطأ أن نودع عام 2020 بقذفه بالأحجار لأن فيروس كورونا ظهر به ، فهذا المرض أستبعد أن يكون عقابا من السماء ، لكن الاحتمال الأكبر هو من فعل البشر ، سواء عن قصد أو غير قصد ، ولو أنني أميل إلى تصديق أنه من بشر لا يعرفون الله ولا الإنسانية وأن عام 2020 بريئا منهم ، لأن الشر لا يحكمه زمن ، فهو يتربص بالفرص ليعلن عن كامل وجوده وأذاه وللأسف أن يكون مصدره البشر ويوجه إلى بشر ، ولو فحصنا التاريخ لاكتشفنا أن معظم الأحداث الشريرة لم تكن عقابا من السماء ، بل من فعل البشر في بعضهم ، المرة الوحيدة التي كان فيها العقاب السمائي الجماعي كانت أيام طوفان نوح ، وهي لم تأت عشوائيا بل كانت لها أسبابها ، التي رأت السماء أنه يجب القضاء عليها بصورة جماعية لأن الشر كان قد حكم تقريبا كل البشر ولم يجد الله إنسانا صالحا سوى نوح وزوجته وأولاده ، وبعدها الله قرر ألا يكون عقابا جماعيا على كل لبشر ، أما سدوم وعمورة فكان العقاب على مدينة واحدة لم يوجد بها حتى عشرة أبرار . لا تودعوا عام 2020 بالأحجار وليفحص العالم نفسه جيدا ويلقي بالشر الذي تراكم به وعليه بعيدا ، حتى نستقبل عام 2021 بكل الأمل وهذا ما أرجوه وكل عام وانتم بخير .
*****************
إدوارد فيلبس جرجس
********************