إن إهمال التكوين السديد في النشأة الأولي للشخص في بداياته؛ بالقراءة النافعة؛ يٌسدي لنا طبقة من الممتهنين للكتابة بلا دراية أو قواعد أو خبرة أو موهبة ، أنه اننتوي أن يُعد نفسه في أعداد الكتاب ،ويمتلك لقب الأديب المبدع ،ومع الأسف هؤلاء امتلأت بهم صفحات الجرائد وسيطروا علي أروقة المجلات ؛وهم في غفلة من أمرهم وينتج عن أقلامهم انحراف أدبي أوجدته التقصيرات المتولدة عن ، اللحن والزلة والعثرة والغلط والخطأ ، وبيان الفروق فيما بينها، يوجب التشتت ،إذ أن كلها في النهاية توحي بمصطلح موحد واحد؛ يدل على الانحراف اللغوي (المخالفة اللغوية ) بأنواعه ومستوياته كافة؛ لاسيما أن دراسة الخطأ والصواب اللغوي أخذت حيزاً واسعاً من المباحث اللغوية الحديثة ، وذهب كثير من الباحثين إلى عدّها من المباحث الأساسية للدراسة المعيارية للغة ؛ لأنها تقوم على تصنيف النطق اللغوي والذي علي أساسه تكون الكتابة الصحيحة ،وينشأ الخطأ والصواب والميل إلي الإستحسان، وإحصاء ما تم الوقوع فيه من أخطاء ، وتصويب تلك الأخطاء حتى يصل ذاك الأداء إلى المستوى المقبول المنسجم مع قواعد اللغة،و وقضية (الإنحراف اللغوي الأدبي) تعني أيضا قضيةُ الارتماءِ في أحضانِ الغرب وهي وإن كانت قضيةٌ عاديةٌ لدي الحداثيين والعلمانيين، بل ومفتخرٌ بها،ويعمد إلي إيجاد الدلائل والمسوغاتِ، ويلتمسُ أسباب الصلاحيات، ويتلمس المعاني الكلاميةِ، والدلائل التأويلية لإضفاءِ مشروعيةٍ لهذه التبعيةِ حتي يُحسن الرد علي النقاد،ولا شك أن قضية الإنحراف اللغوي وكما قال المفكر الجزائري( مالك بن نبي )عن مدي استعداد العرب لإحتواء وتقبل للاستعمار وأنه مازال ممتد الاحتلال يدعمه جنوده المفاخرين بالنطق بالأجنبية وفرنجة العربية ،وكأنها عِبء أو عار وتخلّف دمارا ربما كان شاملا، و طال مجالات التفكير والممارسة السياسية ولم يقف عند حدّ التخلف اللغوي؟ لنرَ كيف تجاوزت آثارُ الإنحراف اللغوية عن دائرةَ الكلام لكي تبرزآثاره العقائدية والسياسية،إذ أن المعول هدم للشخصية العربية الوطنية وطمس للهوية الثقافية والسياسية للعرب، وأنّ الهدم والطمس يتمثل في خروجهم باللحن والزلة والعثرة والغلطة في جل أحاديثهم -بدءًا من المعلم في محراب علمه والطبيب والصانع والصحافي فيّ مقالاته والإعلامي وما أدراكم ما الإعلامي وتثبيت سلوكيات غريبة النهج وبعيدة المفهوم عن المجتمع العربي، سواء في النسيج العاطفي والإجتماعي والفكري ؛حيث أضحى وطننا العربي مفرخة للمصطلحات الأجنبية والتقليعات المستوردة حيث المأكل الغير ملائم لطبيعة أجسامنا ،والمشرب ،والملبس المستهجن من عقائدنا علي مستوي الديانتين الإسلامية والمسيحية،ووضح ذلك من تلاشي روح الوقوف علي العربية وكثرت دعوي مجانبتها بحجة التطور ومواكبة التقدم وبطء إشعال روح الغيرة على اللغة العربية في نفوس الشعوب،وقِصر التعامل معها ؛لا على أنها مجرد وسيلة للتحدث فقط ،وإنما لابد التعامل مع اللغة العربية باعتبارها اتجاه هويتنا، ووعاء ثقافتنا، وتواصل ماضينا وحاضرنا بمستقبلنا.
ويتأتى ذلك بإعداد مدرس اللغة العربية إعدادًا صحيحًا بعد تقنينهم على أساس قدراتهم وإمكاناتهم اللغوية والتربوية،والأدبية،والتركيز علي المراحل الأول في التعليم؛ من الروضة والتعليم الابتدائي إذ هما يمثلان غرس النبتة السليمة لنتاج ثمار خالية من العطب -وندري كم هو أخطر سن- فإن النطق السليم واللفظ الصحيح يعدان رسولًا للغة العربية فيّ العالم أجمع ،وحري بوسائل الإعلام،متمثلة في المادة الإعلانية والمسرحيات والمسلسلات والأفلام، وعدم اتخاذ اللغة وألفاظها مادة للتهكم والسخرية،كما نشاهد في معظم المسلسلات المعروضة والتي يستمع إليها أطفالنا وشبابنا ،ويعتبرونها قدوة وتقليدا ،وتعد تلك الأخطاء الفادحة من مسؤوليات الأجهزة الإعلامية والرقابية، علي المصنفات الإعلامية ،كما أن البرامج التي تُقدَّم بالعامية يقل عددها ؛حتي تنتهي تماما من علي الشاشات ، ويحل محلها البرامج التي تُقدَّم باللغة الفصحى، مع تشجيع المتحدثين بالعامية في معظم البرامج الإذاعية والتليفزيونية على التحدث بلغةفصحي و سليمة بسيطة، وإزالة الخوف من نفوسهم، والتوضيح لهم بأن الحوار والحديث باللغة الفصحى أفضل من الحديث بالعامية ويطبق هذا علي للمذيعين وقارئي النشرات الإخبارية أو البرامج السياسية وينبغي مراعاة المادة المكتوبة، في الصحف والمجلات التي أصبحت تعج بلغة رثة هلامية مهلهلة ،مما يثير حفيظة القراء ويستاء المشاهد والمستمع للبرامج ؛فلابد من انتقاء أفضل العناصر من بين المتقدمين للعمل في الإذاعة، مع قصر التعيين في وظائف المذيعين على محبي اللغة العربية والنابغين فيها من خريجي أقسام اللغة العربية، وتدريب هؤلاء إذاعيًّا على الإلقاء والقراءة ، ولابد من الإعتناء بقصور الثقافة وتطهيرها من العبثيين وأدعياء الكتابة فإن لم تتطهر هيئة قصور الثقافة من أدواء الشللية وسخافة المؤتمرات الهزلية المزعومة لتكريم أولي الفوضى ،والكلمة الركيكة ؛فلا نتاج سوي الإنهيار والخراب الثقافي،فهناك بقايا من الكتاب والإدباء فلتلحق بهم وزارة الثقافة ،وليتمسك بهم رئيس الدولة حتي لا يموتون قهرا ؛بسبب معاداة واقعهم لهم،والتطرف عنهم ؛فكم من مؤتمرات خلت ؛فخلت من أمراء الأقلام، وصادقي القول ،كرموهم وهم علي قيد حياتهم لا بعد رحيلهم ، أخرجوهم من واقعهم المحبط، شاركوهم ذهوة حياتكم ،أعبروا بهم معارك الحياة ؛حتي لا تتناسوهم وسط صراعات الدولة التي لن تنتهي ؛ولكن سينتهون هم ؛الكتاب والأدباء،والشعراء وجملة المثقفين الحقيقيين ،ألم يأتكم نبأ من أهدرواحياتهم ؛حين أهدرهم الواقع الذي يعيشون فيه ومجتمعاتهم ،في تاريخ ثقافتنا العربية ،المزيد من قصص الكتاب والعلماء،عانوا ،هانوا ؛فهانت عليهم أنفسهم ؛فمنهم من أُحرقت كتبه كابن رشد، ومنهم الذي أحرقَ كتبه بنفسه كابن حيان التوحيدي ،ومنهم صُلِبَ وذبح نياط قلبه كالحلاج، ومن قُتل كالسهروردي- الملقب بالمقتول الشهيد-،فالكتاب والأدباء والمحتامين للعربية في الوطن العربي لن يُستبعد مصيرهم،كهؤلاء الغابرين ؛ أن أصرت حكوماتهم والشعوب علي أن يعيشوا عميانا عن مؤلفاتهم ونتاجهم الذي يمثل دستوراً حافظا للعربية ومؤرخًا نابضًا بالحياة في خضم الأحداث التي في مجملها استكمالًا للأستعمار، وأمتدادا للإحتلال ،لا أظن أن الأزمة عربية هي أزمة اقتصادية وسياسية فحسب ،بل هي أولاً أزمة لغة وثقافة وانتماء ومواطنة ، فلا ريب أن الهوة بين الثقافة واللغة العربية وبين انحراف الدول العربية عنها، لا زال يزداد اتساعاً -منذ زمن ليس ببعيد- حتي خرج منهم من يقول بيت الشاعر حافظ إبراهيم :وما أنت يا مصر بدار الأديب وما أنت بالبلد الطيب.