في الحصة الأخيرة.
رن الجرس ...
دخلتُ حجرة الدرس , أسرع التلاميذ بالقيام في أنتظام مثلما عودتهم منذ بداية العام الدراسي , القيتُ عليهم التحية و أشرت لهم بالجلوس جلس الجميع دون صوت دون إزعاج . كانت الحصة الأخيرة و أغلب الطلاب يشعرون بالملل خاصاً في هذه الحصة بالذات لأنها الأخيرة في أخر يوم في الأسبوع , قبل بداية الحصة كانوا ينتظرون نهايتها حتى يرجع الجميع إلى منازلهم فالغدِ إجازة , راحة من عناء الأسبوع بالكامل , كنت أخصص هذه الحصة مراجعة سريعة لكل دروس الأسبوع وكذلك الرد على استفسارات التلاميذ , توضيح بعض النقاط الصعبة و إن تبقى وقت أصحح الكراسات هكذا كانت تمر الحصة الأخيرة من كل أسبوع . بينما كنت أتابع العمل داخل الفصل , وقف أحد التلاميذ رافعاً أصبعه ليسأل سؤال . أذنت له بالسؤال
الطالب : أين يقع الوطن الآن ؟
ضَحكتُ , فأنا ليست ُ مدرس لمادة الجغرافيا , لكن بحكمِ ثقافتي وعلمي
أعرف أن الوطن يقع في هذه القارة في شمالها الشرقي , يقع جزء آخر في القارة المجاورة لقارتنا . هز التلميذ رأسه و قال لي : أنا لا أقصد أين يوجد الوطن على الخريطة ؟
وصمتُ لحظات لاستيعاب الموقف و هنا تكلمتُ من جديد ولكن ماذا تقصد ؟
أردف التلميذ يقول الوطن الذي نعيش فيه .
أزاد الأمر تعقيداً . ماذا يقصد هذا التلميذ ؟ أيكون هناك وطنان ؟
قلتُ له كيف و ماذا تقصد ؟
إن الوطن الذي نعيش فيه هو الوطن الذي على الخريطة
أبتسم التلميذ خجلاً و ظهرت تجاعيد عتيقة على الوجه اللين الرطب و عاد يقول إن الوطن الذي أقصده , قاطعه تلميذ وقال إن الوطن داخل القلب وأخر قال وطني وجداني و حياتي و ثالث يضيف وطنا هو أصل لكل الأوطان و أصل الوجود و أخر و أخر .....
و كادت أن تضرب الفوضى عموم الفصل تدخلت بسرعة و أسكت الجميع .
و قلت له تعال هنا سريعاً
و نهرته قائلا ماذا تريد ؟
تضحك ؟ ألا تحترم الحصة و ألا تحترم معلمك ؟
لماذا هذا السؤال الذي ليس له معنى ؟
أنت تعرف و أنا أعرف و كلهم يعرفون ؟ حدود الوطن إلى أين؟ ثم هذه ليست حصة جغرافيا و أنت تعرف جيداً في أى حصة نحن الأن و أنا لا أسمح بالخروج عن النص ؛ عذراً أقصد الحصة
و قلت له عندك أحد العقابين و عليك أن تختار , هكذا أنا عودتهم عند الخطأ
لأبد و أن يكون هناك عقاب , أم عقاب مادي او معنوي . قد خيرته أم أن يضرب بالعصا أو يعاقب من خلال مكتب مديرة المدرسة و عادة ما تكون تحذير أو رفض الطالب المشاغب ثلاثة أيام .
و قد خيرت الطالب و عليه أن يختار و لكن الطالب رفض مبتسماً و قال لي أنتظر أستاذي , أنا لَم أخطأ و لَم أثير الفوضى داخل الفصل .فأنا معذور و قلتُ له كيف ؟ أنت تسأل أسئلة ترفض لها كل الأجابات , تلقي سؤالك بطريقة محددة , نعم يا أستاذي و لكن تذكر ما قلت أنت عندما اتفقنا على نظامك داخل الفصل في أول العام الدراسي , طلبت أن نتسلح بالعلم و المعرفة و الإطلاع و الصدق علي رأسهم و أن يكون صديقك الأصيل هو الكتاب و ليس
كل الكتب فهناك كتب تبني وأخرى تهدم و أعرف أن لكل سلاح له حدين أم الكتاب له حدود كثيرة و تذهب بك إلى أبعد الحدود و يمكن أن يحملك الكتاب من خلال حدوده إلى طريق لا عودة منها أو ربما أضل الطريق , نعم يا أستاذي لَم أكن أقصد الفوضي أبداً .
و لكن عندما سألتك أى كتاب أقرأ كنت ما أقصد فكل كتب العالم بجميع أصنافها تتكلم عن الوطن , أين الوطن ماذا يفعل الوطن الوطن هنا , الوطن هناك الوطن هو التاريخ هو الحضارة هو النور والأمل
هو الحرب و السلام هو العلم والجهل هو الإيمان هو الثقافة و الفن العلوم و الأدب الراقي و التداني
كل وكالات الأنباء تتحدث عن الوطن و بينما يكمل الطالب تبرئة نفسه وما أن وصل أين يقع الوطن حتي شارد الذهن منى بين كلمات الطالب الحائرة و في وجوههم باقي التلاميذ الحائرون يبحثون عن أنفسهم أين هم من أوطانهم هل هم حاضرون و إلى أين تأخذهم حماستهم وجدتهم في تلهفِ واشتياق لمعرفة أين انتهت الإجابة الصحيحة , لكن لماذا هم مهتمون هكذا و ما الجدوى ؟
هم يأكلون و يشربون . يدخلون و يخرجون يلهون ويمرحون ماذا يمثل عمر الأنسان فى عمر الوطن يبحثون عن مستقبلهم المجهول ؟.
وتابع الطالب, لهذا يا أستاذي أتطلب منا أن نفكر و عندما نبدأ في التفكير ترفض و ترسم لنا الأحلام وعندما نحلم تقتل حلمنا الصغير !