هناك حالة من اللغط والغلط فى الشارع المصرى حول فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19». البعض حصر نفسه فى منطقة التشكيك فى الأعداد الرسمية وتسييس الوباء. والبعض الآخر اعتبر دحض مزاعم المتشككين مهمته
الرئيسية. لكن تبقى المشكلة فى القاعدة العريضة من المواطنين. ويبدو بالعين المجردة أن الغالبية اعتبرت الوباء «فيروس وراح»، ومضت تمارس حياتها بشكل أقرب ما يكون إلى العادى. صحيح أن قطاعًا عريضًا ليس أمامه خيارات سوى تجاهل الوباء لأنه مضطر للعودة إلى العمل وإلا مات جوعًا، لكن هناك كثيرين قرروا وضع كلمة «النهاية السعيدة» أمام الفيروس، وعادوا إلى تفاصيل حياتهم المعتادة الخالية من التباعد الاجتماعى وارتداء الكمامات فى الأماكن التى ينبغى ارتداؤها فيها. وعلى الرغم من الشريط الخبرى الراكض أسفل الشاشات، والذى ينبئنا بأنه «تم ضبط 4870 أو 5129 أو 4028 سائق نقل جماعى لعدم ارتداء الكمامة»، لكن العين المجردة تشير إلى أن الغالبية المطلقة من السائقين والركاب لا يرتدون الكمامات. والاستثناء يشير إلى أن البعض يرتديها أسفل الأنف، (وبشكل متزايد أسفل الذقن)، ويرفعها إن اقترب من لجنة مرورية، (وبالمناسبة أفرادها إما يرتدون كمامات بنفس الطريقة التى تتفادى منطقة الأنف أو لا يرتدونها من الأصل). مفهوم بالطبع أن الحكومة لن تتمكن من تعيين عسكرى أو مخبر ليتتبع كل مواطن ويرفع له كمامته المنزلقة، لكن غاية القول أن هذه المشاهد تعنى أن الوعى العام لدى المواطنين يخبرهم بأن الخطر زال. ولا تفوتنا الإشارة فى هذا الصدد إلى المكون الرئيسى الجديد المنضم إلى تلال الكمامة الملقاة فى الشوارع، ألا وهو الكمامات المستعملة، ونشكر الله العلى القدير على زوال مكون القفازات المستعملة فى تلالنا العتيدة فى شوارعنا، بعدما اتضح أنها ليست حلًا وقائيًا منطقيًا.
إشارة أخرى إلى الكمامات، التى يضع الكثير من الصيدليات ورقة على الأبواب قوامها «نأسف لعدم وجود كمامات»، وإن وُجدت فإن الواحدة تُباع بخمسة جنيهات، ونضيف هنا رداءة الصنع، حيث النسبة الكبرى المتاحة ينقطع شريطها ما إن تضعه خلف الأذن. ونعود إلى علامات وأمارات «زوال خطر الفيروس» فى المفهوم الشعبى، وهذه كارثة. لا التهويل يفيد، ولا التهوين ينفع. لكن العمل على تعميم مفهوم أن الجميع مقبلون على مرحلة جديدة للتعايش مع الفيروس بات ضرورة مُلِحّة. لن نعيش فى إغلاق أبدى، كما أننا لن نغامر بحياتنا وصحتنا ونتجاهل استمرار الوباء، وهذا يحتاج حملات توعية مباشرة وغير مباشرة مستمرة. أما «تستيف» المشهد العام بحيث يبدو أننا نطارد المجرمين من خالعى الكمامات ضمانًا للصحة العامة، فهذا خيال غير علمى. منظمة الصحة العالمية فى وضع لا تُحسد عليه، فالوباء المستجد مستجد قلبًا وقالبًا، وإصدار معلومات أو توجيهات قاطعة حاسمة أمر مستحيل. علينا فى مصر الخروج بخطة تعايش منطقية واقعية.