د. منى كيال ود. محمد فتحى عبد العال يكتبان: جائحة في شهر الرحمة

د. منى كيال ود. محمد فتحى عبد العال يكتبان: جائحة في شهر الرحمة
د. منى كيال ود. محمد فتحى عبد العال يكتبان: جائحة في شهر الرحمة

ما أن تحل علينا نسائم رمضان حتى تتهلل النفوس توقاً لنفحات كرمه و رحمته، وشوقاً لعادات محببة وطقوس مقدسة تعودنا عليها منذ نعومة أظافرنا. أما من الناحية الصحية، فمع حلول رمضان يطفو على السطح السؤال: هل للصيام فائدة تنعكس على صحة الأبدان أم أنه مجرد أداء لشعيرة دينية فحسب؟

"صوموا تصحّوا"  

لم ينفرد الإسلام في مسألة الصوم، فالصوم من الطقوس الأساسية والرياضات الروحية عند مختلف الحضارات. وقد تنوعت مصادر الحض عليه سواء أكانت إلهية او وصايا نابعة من الخبرة والتراكم المعرفي لفوائده بين أطباء العصور القديمة. فأبقراط كان أول من أوصى بالصيام لما له من فوائد عظيمة من الناحية الطبية. وقال طبيب العرب الحارث بن كلدة: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء"  

 

من أجل رمضان آمن في زمن الكورونا

 يأتي رمضان في هذا العام بشكل مختلف عما اعتدنا عليه من مظاهر ارتبطت به عبر العصور الإسلامية المختلفة. فقد فرضت علينا جائحة كورونا التي غزت العالم عدداً من الإجراءات الصارمة، فقد أصدرت منظمة الصحة العالمية مجموعة من الإرشادات بشأن الممارسات الآمنة في رمضان، وأكدت المنظمة على منع أي تجمعات مرتبطة بالشهر الفضيل والاستعاضة عن الولائم والأسواق والافطارات الجماعية وزيارة الأماكن المقدسة وغيرها من المظاهر المجتمعية بالوسائل الافتراضية. واذا دعت الحاجة للتجمعات فيجب أن تكون في مكان مفتوح لضمان التهوية الكافية مع تقسيمها إلى مجموعات صغيرة، وتقصير مدة التجمع مع الحفاظ على التباعد الجسدي المطلوب عبر تعيين أماكن خاصة لكل فرد عند الوضوء وأداء الصلاة، واستخدام سجادات الصلاة الخاصة بكل شخص، وتنظيم الدخول إلى المساجد لمنع التدافع، وكذلك توفير الصابون والمعقمات عند الدخول والخروج من المساجد وبمرافق الوضوء لتعقيم اليدين. كما دعت إلى الحفاظ على مسافة متر واحد بين الأفراد والسلام عن بعد وتجنب المصافحة والتقبيل. كما أشارت المنظمة إلى ضرورة شرب كميات كافية من الماء بين الإفطار والسحور وتناول الاغذية الطازجة وعدم التدخين و تجنب استخدام الشيشة في المقاهي لتلافي انتقال العدوى .  

 

رب ضارة نافعة:  

في ظل ظروف الحجر المنزلي، تبدو الإجراءات التي فرضتها الكورونا خانقة، لكنها يمكن أن تكون فرصة للاهتمام بصحتنا وتحسين عاداتنا الغذائية. اليوم يقبل رمضان مختلفاً فلا تراويح في المساجد ولا ولائم أو سهرات، فلنخلص عبادتنا لوجه الله، ولنبتعد عن الاسراف في موائد الطعام، ولنوفر في الانفاق لنوزع ما يفيض على المحتاجين. وبذلك يحقق الصيام الفائدة الصحية والاجتماعية المرجوة.  

ونأتي إلى السؤال الأهم، وهو من هي الفئات المستثناة هذا العام من الصيام؟

بحسب المراجع الدينية المختلفة، فالصيام واجب على القادرين الأصحاء، فيما تترك مسألة الترخيص بالافطار لتقدير الأطباء بما يتعلق بالأمراض المزمنة المختلفة. ومن الناحية الطبية من الأفضل للمريض أو من يجد مشقة كبيرة في الصيام ممن لديهم عذر شرعي، الأخذ برخصة الافطار درءاً للضرر في ظل جائحة الكورونا. خاصة مرضى القصور الكلوي المتقدم وسكر الدم غير المضبوط والمعتمد على الأنسولين. "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين"

وصايا صحية في رمضان :  

التعجيل بالافطار من الأمور الهامة لتلافي انخفاض سكر الدم. ويمكن البدء بحبات قليلة من التمر مع شرب اللبن أو كمية معتدلة من العصائر الطبيعية التي ترفع سكر الدم وتعوض السوائل بعد نهار الصوم الطويل. وينبغي أن تشتمل أطعمة رمضان على الخضار والبقوليات كالعدس والفول والفواكه الطازجة والسلطات، والبعد عن الأطعمة الغنية بالدهون من الحلويات والمقالي والاقلال من الملح لتلافي العطش، وشرب السوائل خاصة الماء بين وجبتي الإفطار والسحور بكميات كافية. وينصح بالرياضة المعتدلة قبل الافطار بساعة أو بعد تناول الإفطار بساعتين على الأقل. مع ضرورة تجنب ممارسة أنواع الرياضات الشاقة خاصة في الطقس الحار. تظهر الدراسات اليوم أن البدانة هي إحدى أكبر عوامل الخطورة عند الأشخاص المصابين بالكورونا، وبدلاً من الاسراف في تناول الطعام والمعاناة من التخمة، يمكن أن نجعل رمضان فرصة ذهبية للعناية بصحتنا والبدء باتباع أسلوب حياة يقضي على مسببات الأمراض المختلفة.

 

 د. منى كيال د. محمد فتحي عبد العال