لازالت الآراء وردود الأفعال تتوالى حول تطبيق حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بعدم دستورية بعض العبارات الواردة في قانون الحجز الإداري، والذي أُبطل بموجبه تنفيذ الحجز الفوري على المدين دون إمهاله فترة لسداد دينه، وإعلانه بالسند التنفيذي في الدعوى رقم 185 لسنة 32 ق "دستورية".
وجاء منطوق الحكم بعدم دستورية عبارة "ويشرع فورًا في توقيع الحجز" المنصوص عليها في عجز الفقرة الأولى من المادة "4" من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري، وعبارة "ويقوم هذا الإجراء مقام الإعلان" الواردة بعجز الفقرة الثانية من المادة "7" من القانون ذاته.
ما هو وضع المدين بعد الحكم بعدم دستورية بعض نصوص قانون الحجز الادارى؟
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية الحجوز الإدارية من خلال شرح مبسط لما جاء بحكم الدستورية، واثر الحكم على الحجوز الإدارية التى تمت أو تتم على المنقولات سواء المتدوالة أمام المحاكم أو التي لم يتم الطعن عليها، وآثر الحكم على الجنح المتداولة بشأن تبديد المقولات المحجوز عليها حجزا إداريا- بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض يحيى جاد الرب.
أولا: شرح موجز لحكم المحكمة الدستورية
بعد الحكم بعدم دستورية بعض نصوص قانون الحجز الادارى، يكون المشرع قد أقر ببطلان كافة الحجوز الإدارية على المنقولات واعتبارها "كأن لم تكن"، ووجوب القضاء بالبراءة في جنح تبديد المحجوزات المتداولة الآن أمام المحاكم لان الفعل أصبح غير مؤثم، فقد أصدرت المحكمة الدستورية حكما في الدعوى رقم 185 لسنة 32 ق "دستورية" قضى بمنطوقة المتقدم والمرفق صورته، وانحصرت أسباب عدم الدستورية في الآتي – وفقا لـ"جاد الرب":
1-رأت المحكمة الدستورية أن قانون الحجز الادارى جعل أمر الحجز، معادلاً للسند التنفيذي الذي يجوز التنفيذ به وفقًا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، وإن هذا النص- المقضى بعدم دستوريته لم يمهل المحجوز عليه - بعد إعلانه بأمر الحجز - مدة يقدرها المشرع بنص خاص – مثلما فعل المشرع فى الفقـرة الرابعة من المادة 281 من قانون المرافعات - الذى لم يجز إجراء التنفيذ، إلا بعد مضى يوم على الأقل من إعلان السند التنفيذي - وهو ما لم يلتزم به المشرع بالنص المطعون، مما يكون معه النص غير غير دستوري.
2- كما رأت المحكمة ، أن نص الفقرة الثانية من المادة "7" من قانون الحجز الإداري، قد اعتبر أن تعليق نسخة من محضر الحجز الإداري على المنقول، الذى يرفض المدين أو من يجب عنه التوقيع عليه، على باب المركز أو القسم أو غيره من الجهات المختصة إجراء يقوم مقام الإعلان، ممايزًا بذلك بينه وبين المحجوز على منقوله حجزًا إداريًّا بطريق حجز ما للمدين لدى الغير، بمقتضى نص المادة "28" من قانون الحجز الإداري، الذى يكون إعلانه بصورة من محضر الحجز بواسطة ورقة من أوراق المحضرين، تعلن وفقًا للقواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية، طبقًا لنص الفقرة الثالثة من المادة "29" من قانون الحجز الإداري، مما يكون معه النص غير دستورى .
3-كما رأت المحكمة أن محضر الحجز إنما يعادل السند التنفيذي، بما يوجب إعلانه لشخص المدين، أو في موطنه الأصلي، ليتحقق بذلك علمه اليقيني أو الحكمي بالبيانات الجوهرية للحجز الموقع عليه، وكانت الغاية من إعلان المحجوز عليه بمحضر الحجز الذي رفض المدين، أو من يجيب عنه، التوقيع عليه، لا يحققها التنظيم القانوني الذي تضمنه النص المطعون فيه مما يكون معه النص غير دستورى.
ثانيا: آثر الحكم على الحجوز الإدارية التى تمت أو تتم على المنقولات سواء المتدوالة أمام المحاكم أو التي لم يتم الطعن عليها
المقرر أنه يترتب على صدور حكم بعدم دستورية نص في القانون غير ضريبي أو لائحة عدم جواز تطبيقه اعتبارا من اليوم التالي لنشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية، أما إذا تعلق بنص ضريبي فإنه يطبق بأثر مباشر، وهذا الحكم ملزم لجميع سلطات الدولة وللكافة ويتعين على المحاكم باختلاف أنواعها ودرجاتها أن تمتنع عن تطبيقه على الوقائع والمراكز القانونية المطروحة عليها حتى ولو كانت سابقة على صدور هذا الحكم بعدم الدستورية باعتباره قضاء كاشفا عن عيب لحق النص منذ نشأته بما ينفي صلاحيته لترتيب أي أثر من تاريخ نفاذ النص.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
وفى هذا الشأن، سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الأزمة فى الطعن المقيد برقم رقم 1821 لسنة 67 قضائية، حيث قالت فى حيثيات الحكم أنه لما كانت المحكمة الدستورية قد قضت بحكمها المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 21 من مايو سنة 1998 بعدم دستورية نص البند "ط" من المادة الأولى من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري الذي يجيز إتباع إجراءات الحجز الإداري لاستبداء المبالغ المستحقة للبنوك التي تساهم الحكومة في رؤوس أموالها بما يزيد عن النصف.
وكان البنك المطعون ضده يعد من تلك البنوك مما لازمه عدم أحقيته في توقيع الحجز الإداري محل النزاع ولو كانت عن وقائع سابقة على صدور ذلك الحكم ونشره في الجريدة الرسمية لانتفاء صلاحية ذلك النص في ترتيب أي أثر من تاريخ نفاذ القانون المتضمن هذا البند. لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد قضى برفض دعوى الطاعن أي تأييد الحجز الإداري فإنه يتعين نقضه.
ثالثاَ: آثر الحكم على الجنح المتداولة بشأن تبديد المقولات المحجوز عليها حجزا إداريا
لما كانت جريمة تبديد المحجوزات بعد صدور حكم المحكمة الدستورية المشار إليه أصبحت غير قائمة لتخلف أركانها وهو انعدام النص الذى تم الحجز على أساسه، وقد استقرت المحكمة الدستورية العليا في أحدث أحكامها علي أنه إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي، فإن أحكام الإدانة الصادرة استناداً إليه تعتبر كأن لم تكن، ما يعني سقوطها بكل آثارها ولو صار الطعن فيها ممتنعاً ويكون أثر الحكم بعدم الدستورية جارفاً لكل عائق علي خلافها ولو كان حكماً باتاً صادراً من محكمة النقض، وذلك طبقا للطعن رقم 65 لسنة 38 دستورية عليا.
رأى محكمة النقض فى آثر الحكم على الجنح المتداولة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذا الأمر فى الطعن رقم 350 لسنة 69 قضائية، حيث قالت في حيثيات الحكم كان الحكم الأخير قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي بإدانة الطاعنة عن تهمة تبديد حجز إداري لصالح بنك التنمية والائتمان الزراعي، وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت بحكمها الصادر بتاريخ 9 من مايو سنة 1998 في الدعوى رقم 41 لسنة 19 قضائية دستورية بعدم دستورية البند "ط" من المادة الأولى من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري فيما تضمنه من حق البنوك التي تساهم الحكومة في رؤوس أموالها بما يزيد على النصف في إتباع إجراءات الحجز الإداري على مدينيها، وكانت المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة.
وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها في الفقرة السابقة في الجريدة الرسمية وبغير مصروفات خلال 15 يوماً على الأكثر من تاريخ صدورها، ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن، ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه، وكان من المقرر طبقاً لأحكام محكمة النقض.
وعلى ما جرت به المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا أن عدم جواز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته لا ينصرف أثره إلى المستقبل فحسب، وإنما ينسحب على الوقائع السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية ذلك النص وكان الحكم بعدم دستورية نص البند "ط" من المادة الأولى من القانون رقم 308 لسنة 1955 بجعل الحجز الذي توقع استناداً إليها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كأن لم يكن من يوم إجرائه، فإن جريمة تبديد المحجوزات التي دينت بها الطاعنة تغدو غير قائمة لتخلف أركانها، لما كان ما تقدم، وكانت المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم، فإنه يتعين – والحال كذلك – نقض الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة الطاعنة من التهمة المنسوبة إليها.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع