لا أدري لمَ كل هذا الغضب من الإعلام والصحافة.. فالهجوم على الإعلام وانتقاده، يكاد يكون بنداً شبه ثابت في خُطب الرئيس عبدالفتاح السيسي ومداخلاته وأحاديثه الصحفية والتلفزيونية، وآخرها، وهو يعلن حالة الطوارئ، مساء الأحد الماضي، مُعرباً عن غضبه لتكرار البث التلفزيوني لمشاهد حادثي العدوان الآثم على كنيستي طنطا والإسكندرية، بالتفجيرات، الذي راح ضحيته عشرات الشهداء والمصابين.. مثل هذا الهجوم والنقد من الرئيس لا يجوز.. فهو على رأس الدولة، وكل كلمة منه لها تأثيراتها وانعكاساتها ونتائجها وتوابعها الثقيلة أحياناً.. ففي بلادنا العربية عموماً، حين يُعرب الحاكم، رئيساً كان أو ملكاً، عن غضبه واستيائه من شخص أو هيئة أو مهنة، أو فئة من المجتمع.. تنقلب الدنيا على رأس الشخص أو الهيئة أو المهنة أو الفئة.. يتطوع «الجميع»، إلا نادراً، تطبيلاً ورقصاً ونفاقاً وتملُّقاً وتقرُّباً، للحاكم، بأن يمطروا «المغضوب عليه» بالسباب واللعنات، ويصبوا عليه جام غضبهم، ويعلقوا في رقبته كل البلايا والمشكلات، ويرموه بالخيانة والعمالة، والتآمر لحساب الأعداء وأهل الشر.. يسارع الانتهازيون والذين في قلوبهم مرض، أيا كانت مواقعهم إلى انتهاز الفرصة، واستغلال غضب الحاكم وتوظيفه لصالحهم، انتقاماً وتصفيةً لحسابات شخصية ضيقة، لا علاقة لها بالصالح العام ولا بـ«الوطن» الحائر.. على نفس المنوال، لو غضب الوزير أو المحافظ أو شيخ القبيلة، أو مسؤول صاحب سلطة على واحد ممن يقعون تحت سلطتة.
لذا لم يكن غريباً صباح اليوم التالي (الإثنين)، أن يسارع الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب، المُتربص بالإعلاميين والصحفيين، المُطارد لهم بالبلاغات، فور موافقة البرلمان على إعلان حالة الطوارئ، موجهاً إنذاراً شديد اللهجة إلى «الصحافة والإعلام»، بأن قانون الطوارئ سيطبق عليهم، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كأنه يريد إيصال رسالة للعاملين بها، بأن «الطوارئ»، مُعلنة خصيصاً للتضييق عليهم في ممارساتهم المهنية، ومهامهم الإعلامية، وتقييداً لحرية التعبير، ولو على صفحات فيس بوك وتويتر، بينما المعلوم أنها لمواجهة الإرهاب الذي ينتشر ويتمدد بالبلاد بعد أن كان محصوراً في «شمال سيناء»، الخاضعة للطوارئ منذ نحو عام.. وبغض النظر عما إذا كانت الطوارئ علاجاً ناجعاً للإرهاب من عدمه.. فهي حق للرئيس على كل حال، وله الاستعانة بها طالما يراها سلاحاً فعالاً لـ«مكافحة الإرهاب»، شريطة أن يكون هذا في حدود الدستور والقانون، وعدم إساءة استغلالها، التزاماً بالسبب المفروضة من أجله، وليس مصادرةً للهامش المحدود من حرية الرأي والتعبير.
إن الدولة تمتلك عشرات القنوات الفضائية والإصدارات الصحفية، والمحطات الإذاعية، وتتحكم فيها، وفيما تنشره وتبثه، وتسيطر تماماً على الفضائيات الخاصة، وبرامجها، وهذا كله من خلال أجهزتها المعنية (غير المرئية)، والتي تُحدِّد لغالبية برامج التوك شو، أجندة الموضوعات التي تتناولها، وربما الضيوف، المسموح بظهورهم، والمحظورين، ناهيك عن قنوات «دي إم سي»، المُنشأة حديثاً، والتي يتردد أنها تابعة لهذه الأجهزة، وتحت إداراتها، بما مفاده أننا أمام إعلام موالي إلى حد النفاق، في القسم الأكبر منه، متخلياً عن الموضوعية والمهنية، مجاملاً للسلطة ومسايراً لتوجهاتها، وخاضعاً لها.. فلماذا، مع كل هذه الآلة الإعلامية الجبارة، يحدث الضجر من برنامج تليفزيوني «مارق» هنا، أو إعلامي ناقد، أو مقال في صحيفة موالية (البوابة)، أو غيرها متوازنة أو معارضة؟!.. كأنما يجب أن يكون الإعلاميون جميعاً صفاً واحداً، على قلب رجل واحد، وهو أمر بعيد المنال، كونه يتنافى مع طبائع البشر، الذين جُبلوا على الاختلاف والتباين.
إن الإعلام ليس هو مُفّجِر الكنائس، ولا هو سبب قصور الخطط الأمنية، وعدم تحديثها، لمجابهة التغيرات النوعية في الأعمال الإرهابية الداعشية، كما أنه ليس وراء الغضب الجماهيري من الأداء الحكومي السيئ.. فالواقع المرير الذي يعيشه المواطن، أصدق أنباءً من كل الفضائيات والصحف، رغم التطبيل وتزيين الحال المعيشي المتردي.. إن الدور الإعلامي يتركز في نقل الأخبار والمعلومات بصدق وموضوعية، وإتاحة الفرصة للآراء المختلفة، وتبادلها، تفسيراً وتحليلاً للأحداث والقضايا التي تُهم المواطن، وإدارة النقاشات حولها.. فإن فَشل في هذه المهام بفعل التضييق، أو التعسف تحت قانون الطوارئ.. فإن هذا يدفع بالجمهور إلى الفضائيات الإخوانية المعادية، بحثاً عما لا يجده في قنواتنا.. وليس سراً أن كثيراً من المشاهدين كانوا قد قاطعوا هذه المحطات، لفقدانها المصداقية، لكنهم باتوا يعودون إليها، إشباعاً لفضولهم، وهو ما يؤدي لتسرب الأكاذيب، والترويج لقراءات مسمومة للأحداث، ومُغرضة، طالما أن إعلامنا غائب خضوعاً للتخويف والترهيب.
نسأل الله السلامة لمصر.