يتقلب الفتى اليافع ...ثمة عنكبوت فى حلقه ....عطش غريب كأنه ابتلع ورقة نشاف ,أو أكل جبلا من الجص! . اتجه الى الثلاجة ليطفئ الظمأ ... لكن الأذن تتلقف أصواتا مبهمة .. ثمة احساس مباغت ...لهاث ..لهاث صوت يعرفه ..نعم يعرفه بكل تأكيد ! الصوت يتلوى ويتلوى ...يصعد ويهبط ..يتجمد الفتى يرهف السمع الاذن تتحول الى ميناء ..ثمت موسيقى ناعمة تغلف اللهاث صوت خشن يخربش صوتا ناعما اثنان فى سباق عنيف ...فى نهاية السباق ... لهاث ..وهمسات محمومة !! صوت المراة يخترق أعمق الأعماقه ..تصعد من داخله صورة ملاك أبيض حزين ...تتلاشى الصورة ...تعلو حشرجات عنيفة قاسية لألم بهيج .وجد نفسه – فجأة – فة وحدة قاسية وحدة أقسى من عزلة المدرسة الداخلية التى يعيش فيها مع زملاء الخبث والمقت سجن يطوقه ..سجن رهيب ..اكتشف - بطريق تدعو للذعر انه أكثر مقتا واحد تسلط عليه من جلد المدير .....ونوايا المشرف الشريرة التى تداعب نظراته الوقحة و وبراءته المزيفة !...... يروح الفتى على أطراف أصابعه الحافية على الارض المفروشة بالسجاد ...يرتمى فى الظلام ...تتملقه كوة من نار اشمئزاز .......اشمئزاز رغبة فى الغثيان يلصق وجهه بزجاج النافذة يرقب الليل وهو يهيل على الأشياء الشوارع المراقة تسيل رمادا وتلتوى فجأة تحت مصابيح شاحبة .... يسند رأسه على الجدار ...لا يعرف كيف يبكي ...ويذرف كآبته تنتصب الدقائق ....تتوقف ملل ..ملل لا أحد يحس به لا أحد يشعر به ...يقف على مشارف الرغبة الملعونة ...تتفتح العين أكثر فى الظلام ...تتلصص على أحب انسانة إلي قلبه يقفل العين اللعينة يرتجف ....يتخيل الثعبان يقفز من الظلام الى جوفه يرتجف ...يرتجف يضغط الوسادة على رأسه يسترجع الهمسات الشريرة للأولاد الكبار ...يحاول التناوم يرى وحشا ينهش نصفه الأسفل وهو يتمدد فى حوض من النخيل الخضر ...يكتم الأنفاس
■ ■ ■
يصرخ ويصرخ ....يطلب النجدة نهض مذعورا يختنق القلب فى دقائق ميتة ...يخنقه الرعب ...يعتصره الانقباض ..راح يعض أصابعه ...شئ يعض أعماقه ...ينهش معدته وتأمل نفسه وقد كبر ...وتخرج فى الداخلية ثم الجامعة ...وتصور نفسه قويا يلكم زوج أمه فى وجهه يحطمه هكذا ...وهكذا راح يلكم الوسادة فى حقد العرق يغمره ...ما اجمل النوم والنسيان ولم لا ؟!!!! النسيان يعطيه حرية بلا قيود ...حرية بلا حدود ....لا داعى للخوف او الحقد أو الحسد يتقلب فى سريره الذى تحول الى جهنم , قلبه يزداد ارتجافا وجد نفسه يصرخ بفزع لا ..لا ...دعونى وشانى . دعونى وشأنى تركت الأم زوجها هرعت الى الغرفة الأخرى كأنما مستها الكهرباء امتدت اصابع خشنة لتسكت جهاز التسجيل وتخرس موسيقى ناعمة ....انفرج الجو الحالم احتضنت الأم فى جزع حقيقى فتاها ...ازداد فى البكاء بصورة غير مفهومة ...هزته برفق : ماذا بك ...ماذا اصابك ...ماذا يا ولدى لم البكاء ؟ دب فيها الحزن والخوف ...من صورة ما قد يكون الفتى توصل اليها طردت الخاطر بسرعة من راسها عادت فى جزع تسأله عساها تقف على مشارف وعيه وادراكه يبدو الفتى أكبر من الأمس
. ■ ■ ■
ماذا يا ولدى تكلم قل لأمك ماذا يحزنك ؟... لم تصرخ ..تكلم ! كابوس كابوس يا أمى ....كابوس رهيب ! قال ذلك وهو يجفف دموعه بسرعة ....ويتأملها أكثر وأكثر ...كأنما يراها لأول مرة ....يراها امراة جميلة فى ريعان شبابها فى قمة النضوج .....بل هى أجمل امراة فى العالم ..... نعم ..أجمل امرأة فى الدنيا ...ينبوع الحنان والحب والرحمة الخاطر المرعب لا يهدا فى رأس المرأة ...كررت سؤالها فى تردد ماذا يزعجك بالضبط : قل . تراقبه بعين خبيرة مدربة ...تلح عليه ..لعله يفصح عن مشاعره الدفينة ...تمسح شعره , تفهم ولدها حين يتألم زحين يكذب نبرة صوته تفضحه عندها ....نظرة منه تشبع اليأس فى حناياها !! الفتى منكس الرأس ...مسدل الشعر ...يرتجف ..يتألم ...تعود فتهزه ....تكلم ..تكلم ياولدى قال الولد فى صوت متكسر وهو يمسك بكف أمه . لا أفهم الدنيا يا أمى ....لا أفهم العالم ....الدنيا كابوس متكرر ....كابوس عجيب وراح يتخيل الرياح السوداء وقد جاءت تحصد كل الأزهار البديعة ....فكيف يتعامل مع الينبوع وقد تحول الى حفرة جافة ...! قالت الأم وقلبها مفعم بألم حقيقى ...اطفأ كل نشوة فى مسامعها اننى افهمك ...رغم انك لم تقل شيئا ....أبنى الحبيب غدا سوف تفهم ...وتعرف ...وتقدر ....فتغفر ....وتعيش بلا الم !! - أنا أيضا افهمك يا أمى ......
■ ■ ■
ربتت على ظهره ....المهم أن تنام الآن ...وتنعم غدا بإجازة سعيدة , واغتصبت ابتسامة ...واستطردت : ((سوف نذهب الى مكان جميل ....فى نزهة بحرية رائعة ...فما قولك ؟)) نظر الى جسمها الريان ....وتذكر سهما بشعا يخترق اعماقه رد بسرعة غير متوقعة لا ....لا ....لا أحتاج الى نزهة بحرية بحرية أو برية وصمت ...تراجعت الأم ...وكررت استفهامها ماذا عندك ؟.... ماذا تريد ؟ قالت الأم وهى ترقب التمرد وارادت أن تحتويه : هل يمل الفتى أمه بهذه السرعة ؟ أم أزعجك شئ ما ؟ قال فى قسوة وهو يعض على نواجذه ... لا ,,, أنا أحبك ..أحبك وأضاف فى مرارة ...ماذا يريد فتى مثلى ...كل شئ جميل ..أليست عندى كل المسايات ..وجميع الألعاب ..وكمبيوتر وتليفون وتلفاز ونقود تذكرت الأم بعلها فى الغرفة الأخرى ...فقالت لأبنتها : اذن سأحضر لك كأسا من الحليب ...تشربه . - ثم - - ثم - وجد فى عينيها طيبة تستحق كل أحفاده ...لا يمكن أن يكره كل هذا الحنان المتدفق ..لم يكرهها وحين يقترب منها ....يجد متعة الحياة ..ودفئ العالم ....ولكن هذا الطوفان الهائل من السعادة ينحسر منذ جاء الغريب فى البيت يخجل أن يلتصق بها ...هبط بينهما حاجز من زجاج ...بارد - تجرع الحليب تحت الحاح الأم ....قبلته فى مودة ...غزته رائحة غريبة ...غطته بملاءة رقيقة وأطفأت نور الحجرة .... - وذهبت الى الرجل المنتظر فى الغرفة الأخرى - أما الفتى ....فعاد ينظر الى النافذة ...يتوقع أن يهاجمه ثعبان هائل يربض فى الظلام ...راح يرهف السمع الى صدره حيث الصخب والجنون
. --تمت --