لم يكن الدين على مر التاريخ مجرد طقوس وعبادات تعبر عن تعاليم عقيدة بذاتها، بل كان في معظم الأحيان وسيلة “الأنظمة الديكتاتورية” في تخدير الشعوب واستعبادها.. كما كان وسيلة بعض “عشاق السلطة” في الوصول إلى الحكم.. ومن ثم فقد خرج الدين عن مساره الصحيح حتى أصبح في آحايين كثيرة وسيلة للتلاعب بعقول البسطاء، وأداة يرزخ بمقتضاها العامة تحت قهر السلطة.. وربما كان الدين “آلية” الحكام والحاشية في صناعة المواطن العابد المستكين!
لقد حاول الكارهون للإسلام في الآونة الأخيرة تشويه صورة الإسلام، من خلال الدفع ببعض “المهووسين بالدين” تارة و”المدفوعين بالمال” تارة أخرى، إلى تقديم صورة سيئة عن الإسلام. وتشويه تعاليمه والتشكيك في مبادئه.
وكان “الإعلام الإلكترونى” وسيلة سهلة لتسويق تلك الأكاذيب.. مستغلين حالة “الجهل الثقافى” التي يعيشها الشباب العربى، في ظل انشغال المؤسسات الدينية بالانخراط في العمل السياسي، دون مجهود واضح في تجديد الخطاب الدينى.. مع تعدد مصادر “الإفتاء” التي أحدثت بلبلة كبيرة لدى قطاع من الشباب، حتى أصبحت قضايا “ازدراء الأديان” من القضايا شبه اليومية، خاصة بعد ما يسمى بثورات الربيع العربى، وما تبعها من انفلات أخلاقى..
وحقيقة الأمر أن استخادم الدين كوسيلة ليس أمرًا مُحدِثًا.. فقد استخدمه الفراعين في استعباد الشعب على مَر التاريخ.. ولم يَفق الشعب المصرى من “سَكرَته” إلا حينما توحشت “المجاعة” وأعلنت البطون عصيانها للضمير الدينى، فثار الشعب مُسقِطًا “آلهته” التي تحكمه؛ ومُعلِنًا للتاريخ “أن البطون إذا جاعت لا تملأها نصوص السماء وأن أفواه الفقراء إذا جاعت لا تسكتها خطب السياسيين”.. وبمقتضى ذلك أعاد الشعب صياغة “عقده الاجتماعى” مع الحاكم” قدم فيه الواجبات الاقتصادية للحاكم على حقوقه الدينية. وجعل مسئولية الحاكم الأساسية هي إدارة الشئون الاقتصادية للشعب، بصرف النظر عن ديانته!
ورغم أن المصريين قد لقَّنُوا الحكام درسًا، عبر ثورة اجتماعية عَارِمَة؛ أسقطت الحاكم في عهد بيبى الثانى.. إلا أن الحكام على مَر التاريخ، لم يَكفوا عن استخدام الدين في تخدير الشعب. حتى أصبحت تلك الآلية سهلة طيعة، في يد بعض الأشخاص الذين يطمحون في الوصول إلى السلطة.. والذين ظهروا للعامة في أثواب الوُعَاظ وطهارة الملائكة. وزَينوا للعامة شكل “الفردوس” الذي يدعونهم إليه.. ومن هؤلاء الشياطين من بَرَع في استخدام “مُخَدِر” الدين، حتى أنه تمكن من إقناع بعض البسطاء إلى “الانتحار” من أجل فردوس وهمى.. صنعته كلمات ذلك “التاجر الفاسد” الذي امتطى الدين للوصول إلى السلطة!
وظهر هؤلاء الشياطين في كل الديانات السماوية.. فلا يستطيع “الشيعة” أن ينكروا جماعة الإسماعيلية النذارية أو ما تسمى بـجماعة “الحشاشين” التي ظهرت في النصف الثانى من القرن الثانى عشر في “سوريا” أعقاب وفاة “المستنصر بالله الفاطمى” على يد “ حسن بن الصباح” أو ما يطلق عليه “شيخ الجبل” ثم انتقلت إلى جبال “قِم” على حدود إيران.. تلك الجماعة التي أسست ما يسمى بالإرهاب الدينى، الذي يقوم على الاغتيالات السياسية، من خلال “تجنيد” أشخاص لديهم الاستعداد الكامل للانتحار في سبيل الفردوس الأعلى، التي أقنعهم بها شيخ الجبل!
وهنا تفنن “شيخ الجبل” في إنشاء حديقة كبيرة ملأى بألذ أشجار الفاكهة، تتخللها قصور وجداول، تفيض بالخمر واللبن والماء والعسل.. وتسكنها فتيات حسناوات، يُجِدنَ فنون العزف والرقص والغناء.. وأوهم شيخ الجبل أتباعه بأن الجنة هي تلك الحديقة، لا يدخلها إلا من قرر الشيخ انضمامه إلى جماعة الحشاشين..
وكان الشيخ يُدخِل الشباب قلعة الجبل في مجموعات، ثم يقوم بتخديرهم، ويأمر بحملهم إلى الفردوس المزعوم، وحينما يصحون من نومهم، يجدون أنفسهم في “جنة” تذخر بكل أنواع المُتَع، حتى إذا غرقوا في الملذات، أعاد تخديرهم مجددًا، وحَمَلَهم إلى قلعة الجبل، ليجدوا أنفسهم راكعين تحت أقدام الشيخ.. فيسألهم من أين أتوا؟ فيقولون من الفردوس.. فيسألهم: وماذا تريدون؟ فيجيبون نريد العودة إلى الفردوس بالطبع.. وهنا يكلفهم شيخ الجبل باغتيال الأشخاص المستهدفين.. ويعدهم بالعودة للفردوس. إذا نجحوا في مهمتهم.. أما إذا ماتوا فسوف تأتيهم ملائكته لتحملهم للجنة ثانية! واستمرت هذه الجماعة الإرهابية في تسويق “أسطورة الفردوس” إلى أن أهِلَكَت هلى يد “هولاكو” عام 1256م!
وإذا كانت جماعة “الحشاشين” قد أسست لفكرة توظيف الدين لتسهيل عمليات القتل والتخريب في الإسلام، في فترة زمنية اتسمت بالجهل والتخلف.. فقد جاء الأب “جيم جونز” في نهاية السبعينيات من القرن العشرين بالتحديد عام 1978م، ليرتكب أبشع جريمة عرفتها الإنسانية في عصرنا الحديث، مستمدا أفكاره من التعاليم “البروتستانتية”.. واستطاع جيم جزنز أن يؤسس لفكرة “الانتحار الثورى” ضمن مشروعه الدينى المتطرف الذي أطلق عليه “مَعَبَد الشعوب” حيث دعا “جونز” أتباعه إلى إحدى المدن الشيوعية بأمريكا الجنوبية تدعى “غيانا”، وفيها جمع أتباعه الذين تجاوز عددهم 1100 شخص، في معسكر أسماه “جونز تاون” حاول فيه ممارسة أسوأ أنواع التعذيب والاعتداء البدنى والجنسى عليهم.. وعندما حاولت الدولة أن تطوق نشاطه الإجرامى؛ أخبر أتباعه أن من تعاليم المسيح “من أهلك نفسه من أجلى وجدها عندى” أي من قتل نفسه محبة في المسيح؛ فقد وقع أجره عليه.. وهنا أمر جيم جونز الأب المتطرف أتباعه بقتل أنفسهم. وفى ليلة واحدة تمكن جونز من إقناع أتباعه بـ”الانتحار” محبة في المسيح.. فشربوا “السيانيد السام” حتى ماتوا جميعًا في وقت واحد.. أما جونز فقد أنهى حياته بطلقة نارية في الرأس!
وبالرغم من اختلاف تعاليم الإسلام عن المسيحية في بعض من الأمور العقائدية؛ إلا أنه تمكن كل “شيطان عابد” من إقناع أتباعه بالموت في سبيل أسطورة من نسج خياله المريض.. اسمُها “أسطورة الفردوس”!