الكوليرا مرض فتاك و معدي نتيجة لعدوى بكتيرية معوية حادة تنشأ بسبب تناول طعام أو ماء ملوث ببكتيريا تسمي الضمة الكوليرية (Vibrio Cholerae) ويرجع الفضل في اكتشاف هذه البكتيريا المسببة للكوليرا للعالم الايطالي فليبو باسيني عام 1854 ، وقد وصف العالم الألماني المشهور روبرت كوخ، هذه البكتيريا المسببة للكوليرا للمرة الأولي في التاريخ، بأنها بكتيريا تتحرك عن طريق أسواط، وتهتز باستمرار في مكانهاو تصيب هذه العدوى الجهاز الهضمى خاصة الأمعاء الدقيقة وعلى الرغم من أن بكتريا الكوليرا هى مصدر العدوى، فإن التأثير المميت للمرض يأتى من السم الذي يُعرف باسم (CTX) الذي تفرزه البكتريا فى الأمعاء الدقيقة حيث يلتصق هذا السم بجدار الأمعاء، ويؤثر على التدفق الطبيعي للصوديوم والكلوريد، مما ينتج عنه إفراز الجسم لكم هائل من الماء مسببا الاسهال المائيالحاد ؛ غير المصحوب بمغص أو آلام في البطن، وهذا الإسهال يكون مفاجئا وغزيرا ويشبه كثيرا ماء الأرز المطبوخ، وهذا بدوره يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من سوائل الجسم في مدة قصيرة، والذي يمكن أن يؤدي إلى الجفاف نتيجة للفقدان السريع لسوائل الجسم بعد الإسهال والقيء مما يؤدي إلى هبوط في الدورة الدموية.والكوليرا مرض لا يتورع عن حصد الأرواح مجتاحا الدول دون حواجز أو قيود ولقد كان يعتقد لفترة طويلة أن الإنسان هو المستودع الرئيسي للكوليرا، كما كان يسود الاعتقاد بانتقال عدوى بكتيريا الكوليرا عن طريق الروائح الكريهة ولكن في القرن التاسع عشر استطاع عالم الوبائيات البريطاني جون سنو، الربط بين انتقال العدوى بالكوليرا ومياه الشرب الملوثة بالبكتيريا ومن ثم أصبحت أصابع الاتهام تتجه الي البيئات المائية التي يمكنها العمل كمستودعات للبكتيريا.
تنتشر الكوليرا في المناطق التي لا تعالج فيها مياه المجاري ، محدثة مخاطر جمة في البيئات الفقيرة المكتظة بالسكان و وسط اللاجئين حيث سوء المرافق الصحية و مياه الشرب غير النقية ، لذلك تتحول الكوليرا الي وباء حينما تأتي قرينة للفقر أو الحروب أو الكوارث الطبيعية.ويتم التأكد من الإصابة بالكوليرا عن طريق فحص عينة من براز المريض و الكشف عن وجود البكتيريا المسببة للمرض بها.
كان اسم الكوليرا في الماضي كفيلا أن يثير الرعب والهلع في النفوس وقد كان أول ظهور لوباء الكوليرا بمصر عام 1830 حيث بذل الطبيب الفرنسي كلوت بك وتلاميذه جهودا مضنية للتصدي له حتي أن محمد علي والي مصر أنعم عليه في نفس العام بالبكوية ومن وقتها صار كلوت بك الا أنه في العام التالي تفشي المرض عن طريق الحجاج والذي انتقل اليهم من حجاج الهند مما دعا محمد علي الي إدخال نظام الحجر الصحي المعمول به في أوروبا فأنشيء أول محجر صحي بجانب الميناء الشرقي الذي ترسو به سفن الجاليات الأوروبية والأجنبية . وقد أطلق عليه اسم ( لازاريت) ولفظ لازاريتذات أصل لاتيني معناهاالأبرص أو المجزوم والطريف أن تحريفات الاهالي حولتها بعد ذلك الي الازاريطة والتي أصبحت من اهم احياء الاسكندرية ودخلت التاريخ مؤخرا ببرجها المائل !!!!.
هناك العديد من النّصائح للوقاية من الإصابة بمرض الكوليرا، منها: غلي الماء مدّةِ دقيقةٍ إلى ثلاث دقائقٍ على حرارةٍ مُرتفعةٍ، تجنّب الأطعمة النّيئة مثل: الفواكه والخضروات غير المُقشّرة، والحليب، ومنتجات الألبان غير المُبسترة، واللحوم النّيئة أو غير المطبوخة، تجنّب تناول الأسماك والتي قد تكون مُلوّثةً بمياه الصّرف الصحيّ كذلك ضرورة غسل اليدين بالصابون على نحو منتظم بعد الإبراز و قبل مسك الأطعمة أو تناولها، إضافة إلى إتباع الممارسات السليمة في تحضير الأطعمة وحفظها. ومن أطرف سبل مقاومة المرض ما ساقه الطبيب الامريكي (بول هاريسون) في كتابه ( رحلة طبيب في الجزيرة العربية) في وصفه لرحلته إلى سلطنة عمان في عام1926 في وقت كان مرض الكوليرا مستشريا الي الحد الذي يهدد بإفناء سكان عمان مما دعى الحاكم وقتها ان يصدر تهديدا لسكان عمان اذا تم ضبط أي شخص يشرب ماء غير مغلي معرضا حاله والآخرين للمرض فانه يعدم رميا بالرصاص عند شروق الشمس !!!وبذلك توقف الوباء في السلطنة كما لو كان قد استؤصل بفأس، ولم تظهر أية حالة جديدة أخرى.
تعزيز الترصد والإنذار المبكرمن الامور الهامة التي تساعدالي حدّ كبير في الكشف المبكر واتخاذ كافة تدابير المكافحة, وعلى العكس، فمعالجة المجتمع على نحو روتيني بالمضادات الحيوية، لا يؤثر في كبح انتشار الكوليرا، بل قد يؤدي إلى آثار عكسية من خلال تزايد مقاومة مضادات الميكروبات ومنح شعور كاذب بالأمان.
يرتكز علاج هذا المرض علي شرب كميات كبيرة من الماء والسوائل فهما الدُّعامة الأساسيّة لمرض الكوليرا اعتماداً على مدى شدّة الإسهال؛ حيث يكون العلاج عن طريقِ الفم، أو عن طريق الحقن بالوريدِ بمحاليل معالجة الجفاف في الحالات شديدة الخطورة لتعويضِ الجسم عن السّوائل المفقودة وكذلك إعطاء بعض المضادات الحيوية التي تقتل البكتيريا (مثل التتراسيكلين أو الدوكسيسيكلينأو ازيثروميسين كبسولات ) أحيانا إلى جانب المحاليل والسوائل والمُضادّات الحيوية لا تُعتبر جزءاً من العلاجِ الطارئ في الحالاتِ الخفيفة، ولكنها يُمكن أن تُقلّل من مُدّة الإسهال بمُعدّل النّصف، كذلك تُقلّل إفراز البكتيريا، ممّا يساعد على منع انتشار المرض. فضلا عن أخذ الأدوية المُضادّة للأعراض المُصاحبة ، مثل أدوية القيء، والإسهال، وخافضات الحرارةوقديما كان الثوم يستخدم في القضاء على مرض الكوليرا كما يعتقد أن زيت القرنفل مفيد جدا لعلاج الكوليرا والحماية منها كما أظهرت الأبحاث أن الزنك قد يساعد فى تقليل مدة الإسهال وفى كمه عند الأطفال التي تعانى من الكوليرا.
د.محمد فتحي عبد العال
صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية
كاتب وباحث