لاشك أن مصر هي الأم _ لها ندين _ بعد الله سبحانه وتعالى بكل الفضل والعرفان بالجميل ..
ومن منطلق الشعور بالحب الخالص ، والولاء الكامل لمصر وَجَبَ على كل من وُلِدَ على أرضها وشرب من نيلها ونَعِمَ بخيراتها أن يحمي هذه الأرض ويدافع عن تلك الخيرات ضد من تسوّل له نفسه بالإعتداء عليها أو العبث بها ..
والحماية والدفاع مرتبطان بالقوّة البنّاءة الرادعة المتمثلة في جيش قوي ،قادر على ردع أي اعتداء في أي وقت ، يتوازى ملتحماً مع إقتصاد حر يتضاعف ويزداد ليفي باحتياجات أبناء الوطن ليحيَوا حياة كريمة ..
وبما أن الانسان هو الأهم والأكثر فعالية في تلك المعادلة فإن إعداده وتجهيزه يجب أن يبدأ مبكراً من مرحلة الطفولة ... لذلك يتحتّم علينا أن نتبع أسلوباً خاصاً في تربية الطفل وطرق تعليمه المتطورة مع المراحل المختلفة بما يجعله مؤهلاً لهذا الدور ( الحماية ) في حينه . ذلك إن أردنا مواطناً مصرياً محبّاً لبلده ، أميناً عليه .. . فإلى جانب العناية بالتعليم النظري وغرْس القيم الانسانيّة الراقية من الخطأ _ في نظري _ أن ننتظر حتى يصبح الطفل شاباً ثم تبدأ علاقته بالجندية والتدريب العسكري .. ففي هذه الأيام نرى كثيراً من الشباب لا يمكن تصوّرهُ بأي حال جنديّاً ممسكاً بسلاح يحمي به أرضه ونفسه بل وعرضه أيضاً بسبب ما يتعرّض له من عوامل هدم وإحباط نفسي ، وعروض تستدرجه إلى الميوعة والخلاعة وذلك عبْرَ ما تبثّه بعض القنوات الفضائية ومواقع " الانترنت " .. وبشئِ من المصارحة مع النفس يجب الاعتراف بأن كثيراً من الشباب _ من الجنسين _ قد تغيّرت ملامحه ، وتبدّلت سلوكياته من حيث الأزياء ..وطريقة الكلام .. والألفاظ المستخدمه في التخاطب ، وكذلك حدث تغيّر في التعامل مع الأكبر سنّاً في الشارع والمدرسة بل وفي الجامعة .. كما تلاحظ إنتشار عادة التدخين عند الفتيات بما في ذلك تدخين " الشيشة " على المقاهي وهو ما ينذر بالخطر ويبعث على القلق ... وما يزيد الأمر خطورة هو ظهور جماعات تحمل أفكاراً غريبة تمارس طقوساً شديدة الغرابة ، وجماعات يطلق عليهم " الأيموز " وأخرى تعزف موسيقى " الميتال " ذات الايقاعات الصاخبة .... الخ من الجماعات المضطربة فكرّاً وعاطفيّاً التي أفرزتها ظروف مجتمعية بعضها يتصل بالاغفال الأمني والتقصير في الرعاية الاجتماعيّة من الدولة ، وبعضها له علاقة بغياب الرعاية الأسرية من توجيه ومتابعة ... فمن غياب دور الأسرة وجدنا الشاب المدمن ، والشاب الذي يتزوّج عرفياً وهو ما زال طالباً بالمرحلة الثانوية ، والشاب الذي إستمرأ السهر وارتياد المقاهي عازفاً عن البحث عن عمل أو ممارسة أي نشاط يعود عليه بالفائدة ، أضف إلى ما تقدّم من عوامل الهدم والانحراف ما يُعْرَض من فنٍ هابط يتضمّن مشاهد العُري والاغتصاب ، والعنف ، وتعاطي المخدرات ....الخ
ولأن الشباب دائماً هو الطاقة المستهدفة من اعداء الوطن لإدراكهم أن على الشباب يقع الدور الأكبر في البناء بل وفي الحماية والدفاع .. لذلك لا يهدأ بال عدونا حتى يرى أبناءنا في ضعف و وهَن ..
من هنا كانت الدعوة إلى الأخذ بأسباب القوة عند السلم وعند الحرب ، عملاً بقول الله تبارك وتعالى : " وأعدّوا لهم ما استطعتم منْ قوّةٍ ومن رباطِ الخَيل ترهبون به عدو الله وعدوّكم " سورة الأنفال _ الآية 60 .. ...وبهذه المناسبة أذكر عندما وقعت لمصر هزيمة 1967 كنّا طلاّباً بالمرحلة الثانوية ، وأيضا من سبقونا إلى الجامعات ، كُنّا جاهزين للذهاب إلى جبهة القتال ، فقد أتاحت دراسة مادة التربية العسكرية ( الفتوّة ) لذاك الجيل تدريباً عسكرياً جيداً يؤهله _ بقدر كبير _ للإشتراك في الحرب ضد العدو المغتصِب..
وعندما أتحدّث عن الإعداد العسكري للشباب مبكراً لا أحسب أن عاقلاً سيصوّرُ له عقله أن تلك دعوة لصناعة جيل من الارهابيين _ حاش لله _ أن نكون دُعاةَ إرهاب واعتداء .. فالارهاب هو الإعتداء على الغير وقتل الأبرياء ، ونهب ثروات الشعوب ، واستباحة الدماء البريئة ، والأعراض الطاهرة دون ذنب ولا جريرة بل ربما كان الإعتداء لمجرد الاختلاف في الرأي أو المذهب .. أمّا ما ندعو إليه هو الإعداد القوي والاستعداد للدفاع عن النفس أرضُ وعِرض .. هي دعوة بأن تكون القوة من أجل البناء أولاً والدفاع والحماية ثانياً فتصبح الأمة قوية بأبنائها عسكرياً وغنية إقتصادياً ... لذلك يجب ألاّ نفصل بين العاملين الرئيسين _ الجيش والاقتصاد _ فكلاهما معاً يحققان القوة إذا ما كانت الروح السائدة والعقيدة الراسخة لدى كل مصري هي روح الجندي ، وعقيدة المقاتل ... فالجندية شجاعة وخشونة ،قوة تحمّل وصبر ، حسن تصرف ، وتقدير جيد للمواقف . بالاضافة إلى الإنضباط والإلتزام ..وقبل ذلك كله الإيمان القوي بالله ثم بالوطن .. فمن أجل دينه وأرضه يضحّي بدمه بل وبروحه طواعية ..
أمّا الأسلحة اللازمة لهذا الإعداد القوي فإنها تختلف باختلاف الموقع والمرحلة .. فمصر بحاجة إلى العالم والطبيب ،المُعلّمْ والمهندس ،الصانع والزارع ، التاجر والموظف على أن يعمل كلٌ في موقعه بأخلاق الجندي ... لكن المهم قبل أن نتعلّم كيف نحمي وطننا يجب أولاً أن نعرف من هو العدو ومن الصديق ..وأن ندرك متى يكون الخطر قادماً ومن أي اتجاه يأتي ..وكذلك كيف يكون السلام وبماذا يتحقق ، بحيث لا يُفْرَض علينا فرْضاً ، أو يترتب عليه أي تفريط في حبّة رمل من أراضينا ، ولا تنازل عن أدني قدر من العزّة والكرامة .. سلام يتحقق بالنديّة والقوة المماثلة _ على الأقل _ وهذه أمور تحددها ثقافة الشعوب والتي يجب أن يكون مصدرها ومنبع الإلهام فيها هو حب الوطن ... من أجل ذلك يجب أن نعلّم أبناءنا وأحفادنا كيف نحب وطننا ، ثم يأتي الدرس الثاني هو " كيف نحمي وطننا " ...
Top of Form