يحكي أن رجلا من سكان الغابات ذهب في زيارة لصديق له بإحدى المدن المزدحمة، وبينما كان سائرا معه في أحد الشوارع أنتبه قليلا ثم قال: " صوت الحشرات مرتفع هنا"، نظر إليه صديقه في تعجب وقال " كيف ؟ماذا تقول ؟ كيف تسمع صوت الحشرات وسط هذا الجو الصاخب ؟" أبتسم رجل الغابات في ثقة وقال " إنني أسمع صوتها بوضوح.. وسأثبت لك شيئا "...ثم أخرج من جيبه قطع نقود معدنية وألقاها على الأرض، في الحال، أحدثت قطعة النقود صوتا ضعيفا جداً، ولكن العجيب أن مجموعة كبيرة من السائرين حولهم التفتوا ليروا قطعة النقود الساقطة علي الأرض ويتابعوا أمرها، أبتسم رجل الغابات في ثقة وأردف قائلا:" أرأيت يا صديقي لا ينتبه الناس إلا للصوت الذي يعبر عن اهتماماتهم وأولوياتهم في الحياة، وهنا في ظل صخب الحياة الشديد، أنتبه الناس على الفور لصوت العملة المعدنية فكلهم يهتمون بالمال، أما أنا فأهتم كثيرا بالأشجار والحشرات التي تضرها، ولذاك يثير انتباهي صوتها."
تذكرت هذه القصة حينما كنت أتابع ردود أفعال المحيطين حول مؤتمر الشباب الرابع في مدينة شرم الشيخ، ربما أتاحت لي مشاركتي في المؤتمر تكوين رؤية واضحة عن كثب حول أهداف وأولويات هذا المؤتمر الذي حمل رسالة واضحة للعالم وأعتقد من استطلاعي لردود أفعال الحضور أنه نجح بدرجة كبيرة في نقلها للعالم.
منذ هبوط الطائرة على أرض المطار ترى من نوافذها شعارات في كل مكان "الجميع من أجل السلام all for peace ". في مظهر حضاري منظم تتقدم حافلات نقل الوصول لمبنى المطار تحمل ألوانا مبهجة وشعارات " الجميع من أجل السلامall for peace "، الجميع من أجل التنمية " all for Development"، " الجميع من أجل الاستدامة all for sustainability". خروجا من مبنى المطار تجد حافلات أخرى و"تاكسي لندن" يحمل الشعارات ذاتها لينقلك إلى شوارع شرم الشيخ التي تزينت بنفس اللافتات.
في قاعة المؤتمرات التي تزينت هي الأخرى بنفس اللافتات تقابل فرق عمل متباينة على أعلى المستويات من التنظيم والرقي والتحضر يجتهد الجميع في نقل صورة حضارية متميزة عن مصر، ولن أخوض في تفاصيل دقيقة بشأن كفاءة التنظيم الداخلي للمؤتمر ولكن يكفي أن أعبر عنه بخلية نحل حاول فيها الجميع أن يوفر أقصى درجات الراحة للملوك والملكات المدعوين!! نعم أيها السادة هكذا وصف المشاركون الذين حضروا من مائة وأثني عشر دولة في العالم من جميع قارات العالم حرفيا معاملتهم في المؤتمر وتعهدوا بأن يكونوا سفراءا لمصر في الخارج، كلمات الضيوف جاءت معبرة عن تحقيق أهداف المؤتمر."لقد كان لدى شكوك بشأن السلام في مصر والآن أتيت بنفسي وشعرت بالأمان وإلى الأبد سوف أنتمي للأسرة المصرية"، "وجدت هنا مكان الأمن والأمان والحوار والسلام"، " مصر أرض تحترم الله والله يحب مصر وسوف يرحم الله مصر"، " العالم في أعيننا لم يعد كما هو وسوف نكون سفراء لمصر ونعود مرة أخرى"، " لقد وقعنا في حب مصر الحكومات تأتي وتذهب وما يتبقى هو المواطنين للنقاش وحل المشكلات"، " علينا أن نعمل معا من أجل وقف الحرب"، " أيها المصريون افتخروا ببلدكم ففيها رأينا جمالا لم نره من قبل"
جمعتني لقاءات متعددة مع وجوه بيضاء وسمراء من صفوة شباب العالم اجتمعوا تعارفوا وارتبطوا ولا يزالون على تواصل ينقلون رسائلهم للعالم كله "مصر أرض السلام" "مصر أرض الأمان" "مصر دولة رائدة على خريطة العالم سوف تساهم في تشكيل مستقبله بقوة وثبات"
في وسط ضجيج الأصوات الصاخبة سمعت أنا كما سمعت قيادتنا صوتا مختلفا عما يسمعه المعارضون لأننا نرى العالم من منظور مختلف عمن لا يسكنون الغابات منظور يحمل المستقبل لنجاة مصر في ظل صراع عالمي محتدم، منظور يقوم على البذر من أجل حصاد المستقبل، منظور إعادة تشكيل الصورة الذهنية والعلامة التجارية لمصر، وسط هذا الضجيج سمعت صوت الدكتور "وسيم السيسي" حول ذلك الرجل الأسمر في الهايد بارك الإنجليزي الذي أعترض أحد المتفاخرين الإنجليز الذي أدعى أن إنجلترا هي نور العالم وهي مصدر الحضارة، حيث هب الرجل الأسمر قائلا: أنا من أعطيتكم الحضارة ودليلي انتم "الأنجلوساكسون" أخذتم حضارتكم من الرومان والرومان أخذوا حضارتهم من اليونان واليونان أخذوا حضارتهم من المصريين، "فأفلاطون" أبو الفلسفة جاء لمصر وتعلم ثلاثة عشر عاما، وأبو الفلسفة "طاليس" عاش سبع سنوات في مصر وعاد لبلده "ايونيا" في اليونان ليعلمهم الفلسفة، "فيثاغورس" تعلم الرياضيات في مصر وعاش أثني وعشرين عاما بها، "صولون" تعلم القانون في مصر وأعتنق الأمونية ليدخل المعابد حيث بها المكتبات، أيها السادة لم يكن هذا الرجل مصريا ولكنه أفتخر بانتمائه لمصر نور العالم وكان سفيرا لها حين قال" انا لست مصريا ولكنى نيجيريا من أفريقيا التي بها مصر فأنا من علمتك وأعطيتكم الحضارة" لقد أنتج هذا المؤتمر بنجاح أكثر من ثلاثة آلاف سفير لمصر في جميع أنحاء العالم وحقق أهدافا أخرى سياسة وقومية....صوت خطر لا يسمعه سوى من عاش في الغابات.