بلا مجاملة د. هاني توفيق يكتب: نار الفرن

بلا مجاملة د. هاني توفيق يكتب: نار الفرن
بلا مجاملة د. هاني توفيق يكتب: نار الفرن

صوت صفارة تدوى من بعيد وتقترب رويدا رويدا ..إنني اعرف هذا الصوت جيدا انها تشبه صفارة الشاويش عبد البر هذا ما فكر فيه إسحاق وهو في سبات النوم ..نوم اشبه بالموتى بعد يوم من العمل الشاق وخيل الى إسحاق انه يحلم حتى تلقى نغزة قويه على كتفيه من الشاويش عبد البر قائلا

عبد البر: قوم يا ابنى ..نوبه صحيان

حاول إسحاق ان يلملم قواه حتى يستطيع ان يفتح عينيه وهو في قمة الإرهاق هذا الفتى العشرينى إسحاق ابن صعيد مصر مجند في الامن المركزي نقل من العريش بعدما أصيب في هجوم إرهابي وقضى ثلاث شهور بين العلاج والنقاهة في مستشفى الشرطة بالقاهرة وبعدها أراد العودة مرة أخرى الى سيناء ولكن رفض طلبه وتم توزيعه الى محافظه المنيا وبما انه ابن هذه المحافظه وأهله يعيشون في احدى قرى المحافظه فكان هذا بمثابة تكريم له على شجاعته التي ابداها ضد الارهابيين في العريش.

وبالكاد فتح عينيه ليرى وجه الشاويش عبد البر الذي هو خليط من وجه الخنزير البري والحمار الحصاوى على رشه من الغباء المنقوع في البله المغولي يحملق فيه قائلا

عبد البر: فيه ايه بقالي عشرة دقائق بصحي فيك قوم..يلا فيه عندنا مأموريه

لم يستيقظ إسحاق الساعة 3صباحا منذ ان نقل من سيناء الى محافظه المنيا وابتهج إسحاق قائلا لنفسه لابد انها مأموريه هامه حتى نستيقظ في الفجر ..ونظر حوله فوجد الجميع في شدة ميدانيه ..نعم لابد اننا سنهاجم وكر إرهابيين ..نعم لقد حانت ساعه الحساب والانتقام لكل الشهداء الذين دفعوا حياتهم فداء لهذه البلد ..وانتفض الشاب بسرعه يرتدى ملابسه ويلملم معداته وسلاحه في فرحه عارمه وماهي الا دقائق حتى كان على كرسيه في سيارة المأمورية وهى تنهب الطريق مثل السهم في طريقها الى قلب الهدف.

بعد حوالي نصف الساعة بدأ الصباح يلوح في الأفق واشعه الشمس تعانق سنابل القمح الحبلى بالخير. وما هي الا دقائق حتى ظهرت معالم الطريق .ذلك الطريق الذى يعرفه ابن المنيا جيدا انه الطريق الى قريته  نعم انها قريه صغيرة في حضن الجبل اسمها قريه الفرن ..وهتف الشاب في اعماقه ياالهى في قريتنا إرهابيين وعاد بذاكرته الى الوراء وتذكر عم عبدة عندما سافر الى السعودية بعقد عمل وعاد بعد ثلاث سنوات بالمال ولحيه وجلباب ابيض وكلما قصر الجلباب طالت لحيته وازدادت اموله.

 واستقطب عم عبدة او مولانا الشيخ كما يطلق عليه اتباعه العديد من شباب القرية حوله واصبح له زاويه خاصه يصلى فيها باتباعه بعيدا عن وصايه الدولة ممثله في وزارة الأوقاف.

وفجأة توقف رتل السيارات وانطلق صوت عبد البر يجلجل كله ينزل وبعد نزول الجميع بداء قائد الفريق توزيع المجاميع على مداخل ومخارج شارع صغير وامر الشاويش إسحاق ان يمنع أي فرد من دخول ذلك المبنى ..وسأل إسحاق الشاويش هم فين الإرهابيين يافندم .

رد الشاويش : إرهابيين ايه

إسحاق  : الإرهابيين الى احنا طالعين المأمورية من اجلهم

وقهقه الشاويش بصوت اجش من النهيق حتى قاطعه صوت القائد يقول: يارجاله المأمورية النهارية اننا نمنع أي حد يدخل البيت ده واي فرد يدخل او يخرج من الشارع لان المسيحيين عايزين يصلوا بدون تصريح على السادة الضباط تفيذ الأوامر بكل صرامة.

ودوى صوت الشيخ عبدة ينادى على القائد قائلا: يا باشا الفطار جاهز اتفضل انت والباشوات اتفضلوا.

ووقف إسحاق في ذهول يفكر كل هذه الأسلحة والقوات من اجل منع شويه مسيحيين من الصلاة ومنذ متى كانت الصلاة بتصريح من الحكومة ..وما دخل الحكومة بالصلاة هل انا في حلم وقاطع تفكيره صوت الشاويش وهو يلوك طعام الإفطار قائلا

الشاويش: إسحاق ادخل مع القسيس البيت فيه حاجات عايز يخدها من جوة ..الباشا سمح له بالدخول  اتفضل ياشيخ تعالى .

من اول الشارع جاء القسيس وهتف إسحاق في داخله ..انه ابونا جرجس انا اعرفه جيدا وهرع إسحاق يقبل يد الاب الكاهن الذى سحب يده بسرعه قائلا ازيك ياسحاق يابنى وتقدم إسحاق يفتح الباب وما ان دخل حتى رائ حجرة متوسطة المساحة في وسطها مذبح بسيط وعلى الجدران صور العذراء وبعض القديسين وباغت ابونا جرجس إسحاق قائلا ..هي دي الكنيسة الى يمنعونا من الصلاة فيها.

ورد إسحاق بسرعه: بس دي مش كنيسه يا قدس ابونا ..وعموما انا اسف ياابانا مفيش في إمكاني حاجه اعملها ...رد ابونا لا فيه انك تشيل معايا الحاجاتدي.

وحمل إسحاق أدوات المذبح خارجا وراء ابونا جرجس وخرج من الشارع حتى تسمرات قدماه من المفاجئة لقد رأى اهل القرية المسيحيين في الشارع المجاور على شكل صفوف وتقدم الكاهن فوضع الأدوات على المذبح ليبدا القداس وهنا صاح احدى الضباط استني يا راجل انت بتعمل ايه

رد الكاهن: بصلي يا باشا

وهنا ترجل الضابط الى وسط المسيحيين في اتجاه المذبح ويتبعه الحاج عبدة بجلبابه الأبيض القصير وورائه بعض من اتباعه

صاح الضابط: انت تتحدي القانون ..انت ما عندكش تصريح بالصلاة

رد الكاهن: ومنذ متى كانت الصلاة بتصريح يا باشا

وبدء التذمر والغضب يظهر بوضوح على وجوة المصليين المسيحيين وبدأت الأصوات تعلوا

 وهنا صاح الضابط: هاتوا القسيس وشيلوا الطرابيزة دي (يقصد المذبح)

وهنا أراد اتباع الشيخ عبدة التقدم لتنفيذ الامر فباغتهم الضابط قائلا: لا مش انتوا العساكر فين العساكر ونظر فوجد إسحاق واقفا مبهور بما يحدث.

فصاح قائلا: اتحرك يا عسكري روح هات القسيس وشيل الطرابيزة وارمى اللي عليها

وهنا استدارت كل الرؤوس تتابع إسحاق الذي لم يبدى أي اهتمام بما قاله الضابط وهنا استشاط الضابط غضبا واندفع في اتجاه إسحاق وما ان وصل امام إسحاق حتى رفع يده حتى يصفع الشاب.

وهنا سمع صوت زئير القائد قائلا مكانك يا حضر الضابط ولا حركه.

والبقيه في العدد القادم لنعرف من أشعل نار الفرن.