قالوا لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين، وما زالتْ الأفعى تخرج علينا من حين إلى آخر، تلدغ مشايخنا مرة تِلو الأخرى، وتعود إلى وكرها بخير وسلام وأمان.
مشايخنا سيكررون نفس السيناريو الرديء ببراعة، سيدعون المجاهدين إلى نصرة الأقلية المسلمة "الروهينجا" في ميانمار، وسيجمعون التبرعات للمجاهدين، وستفتح المراكز الإغاثية مكتبها الرئيسي في الولايات المتحدة، وفروعها في الدول العربية والإسلامية لجمع التبرعات لنصرة دين الحق، ورفع راية التوحيد، وستفتح هذه الدول أبوابها لخروج المجاهدين من جحورهم وكهوفهم، دون قيد أو شرط أو تصريح أو منع، يدعون لهم بسلامة الخروج والوصول، ويدعون عليهم بسوء المنقلب والمصير.
نحن أمة ضحكت وما زالت تضحك من جهلها الأمم، وشربت في عزاء شبابها كؤوس الفرح ونخب الانتصار، وركبت الدنيا كلها على أكتاف مشايخنا، إلا نحن وقعنا تحت أقدامهم. انتبهوا يا سادة القوم، القضية ليست قضية دينية، القضية عرقية وصراع على الهوية. والحكاية وحلها ببساطة، أن "الروهينجا" الأقليّة المسلمة، تعدادها لا يتخطى المليون نسمة، يتمركزون في ولاية "راخين"، وليسوا من سكان البلاد الأصليين، أغلبهم نازحون من تايلاند وبنجلاديش على الشمال الغربي لدولة بورما سابقًا أو ميانمار حاليًا، التي لا تعترف بهم مواطنين أصليين، فهم محرومون من الجنسية، وتملّك الأرض، وحق السفر والتصويت والعمل، وكافة حقوقهم الإنسانية، ليس على أساس ديني، بل لأنهم مهاجرون غير شرعيين، نازحون ومتسللون من بلاد الجوار، واستقروا على الحدود المتاخمة لها، حتى الفارين منهم إلى أصولهم وإخوانهم المسلمين في بنجلاديش، تحت ضغط الاضطهاد، يمنعهم إخوانهم المسلمون في بنجلاديش من الدخول، ولا يقدمون لهم يد العون أو الزكاة أو الصدقات الواجبة شرعا! حتى يموت أغلبهم في العراء. هناك أقليات كثيرة في ميانمار تواجه نفس الاضطهاد العرقي، منهم مسيحيون وهم "أقلية كاشان" وهم نازحون إلى البلاد من "جبال التبت"، وأقلية تشين، وأقلية "الكارين"، ويتمركزون في ولاية "كارين"، وأقلية "وا"، ويتمركزون في ولاية "شأن" يشاركهم فيها وثنيون، وهناك أقليات بوذية كبيرة تعدادها يقترب من ستة ملايين نسمة، موزعون بين ولايات عدة هي "ولاية سان ،ولاية كايان، ولاية كاشين". كل هذه الأقليات المضطهدة من عرقيات وديانات مختلفة، قد قررت ترك السلاح، بعد حروب امتدت أعوامًا كثيرة، موّلتها جهات مخابراتبة أججت وحرضت لهذا الصراع، وقررت الدخول في مفاوضات مع الدولة بعد أن عرفوا أن الحروب لا طائل ولا فائدة منها، عدا الأقلية المسلمة فقد استمرت على تمردها. قائد (جيش إنقاذ روهينجا أركان) عطاء الله أبو عمار (وهو من أصل باكستاني نزح والده إلى السعودية وهو طفل صغير وتربى ونشأ في الحصن الوهابي!) يعلن أنه سيضحّي بمليون من أبناء طائفته في سبيل حريته، وحريته تعني انفصاله عن الدولة، وبدأ في مهاجمة مراكز الشرطة والجيش وأفرادهما، الدولة تعتبر هذا الكيان تنظيمًا إرهابيًّا يحب محاربته والقضاء عليه، التجاوز الوحشي في هذا الشأن مرفوض من قوات الجيش، من تشريد واغتصاب واغتيال بدافع الانتقام، وهو عمل غير إنساني، إلا أن الحل ليس في تصعيد القتال من جانب الروهينجا. والسؤال هل هناك اضطهادٌ للمسلمين الأصليين في البلاد؟ أو منعهم من أداء فرائضهم الدينية؟ بالطبع لا. وهذه هي الإجابة التي تقطعها "جهيزة".
نحن نعود مرة أخرى إلى إشعال حرب بنكهة إسلامية جديدة كحرب أفغانستان، والبحث عن منطقة جهاد جديدة يجري على قدم وساق، والتكفيريون والدواعش الذين خرجوا من العراق وسورية، تحت حماية وغطاء جوي دولي، بأسلحتهم وأموالهم وأولادهم يبحثون لهم عن مأوى يجاور الصين وكوريا، وتدفع الدول العربية والإسلامية فاتورة هذا الصراع، ونضحي بشبابنا المضلل تحت دعاوى الجهاد المغفل والمزيف، ونعاني نصف قرن قادم من العائدين من الروهينجا، كما عانينا وما زلنا نعاني من العائدين من قندهار. هناك اضطهاد؟ نعم على أساس عرقي وليس على أساس ديني.. وهذه حقيقة.. ساعدوهم ماديا وطبيا ومعنويا، واحملوا واطرحوا قضيتهم وغيرهم من الأقليات الأخرى في المحافل الدولية، حتى تعود إليهم إنسانيتهم وآدميتهم، دون تقديم سلاح، وأكرر دون سلاح أو شباب، ولينظر كل إلى داخل دولته، فهناك اضطهاد في دولنا الإسلامية على أساس عرقي وديني وجنسي، وهو أولى بالحل وأنفع للجميع، وبيتك أولى بالسلام والعدل أيها المشايخ المتسرعون.