عندما خرج الرئيس السيسى عن النص المكتوب لفت الأنظار، وعندما وجّه «نداء السلام» من فوق منصة الأمم المتحدة استحق تصفيق الحضور رفيع المستوى لمرتين، السيسى- بخطابه المكتوب باحترافية سياسية وبكلمات فى جمل منتقاة من قاموس الدبلوماسية المصرية العريقة- تَجاوَز مرحلة التمثيل المصرى المشرف فى المحفل السنوى العالمى إلى استعادة الدور المصرى كاملا.
فيه روح السادات، «نداء السلام» الذى أطلقه السيسى تجاوز القيادات التى جُبلت على تضييع الفرص تباعاً، بتعنتها ومراوغاتها وتملصها من التزاماتها الإقليمية والدولية، وقفز فوق ترددها وخشيتها إلى خطاب الشعبين على ضفتى نهر الدماء، يوجه النداء إلى مَن يهمهم الأمر، ويقع عليهم الغرم والشقاء.
النداء أولاً ووجوبياً إلى الشعب الفلسطينى الحبيب.. الأقربون أولى بالمعروف: «وأقول له- للشعب الفلسطينى- من المهم للغاية الاتحاد وراء الهدف، وعدم الاختلاف، وعدم إضاعة الفرصة، والاستعداد لقبول التعايش مع الآخر، مع الإسرائيليين فى أمان وسلام، وتحقيق الاستقرار والأمن للجميع».
والنداء تالياً وضرورياً للشعب الإسرائيلى: «وأقول: لدينا فى مصر تجربة رائعة وعظيمة للسلام معكم منذ أكثر من أربعين سنة، ويمكن أن نكرر هذه التجربة والخطوة الرائعة مرة أخرى.. أمن وسلامة المواطن الإسرائيلى جنباً إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الفلسطينى».
ويكرر النداء- قاطعا الطريق على المتلمظين إلى قطعة جديدة من الأرض الحرام، ويمضى إلى غاية النداء بالتحذير الواجب من قيادة دولة اقتحمت المنطقة بنداء السلام قبل أربعين عاما: «إننى أخاطب الرأى العام الإسرائيلى.. اطمئنوا نحن معكم جميعاً من أجل إنجاح هذه الخطوة، وهذه فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى».
خلاصته: إذا ضاعت الفرصة السانحة للسلام فلا تلومُنَّ إلا أنفسكم، لقد ذكّرنا بالفرصة وتوقيتها وحذرنا من خطر ضياعها.. قد لا تتكرر ثانية، تجسدت روح المرحوم السادات فى خطاب السيسى وهو يقتحم الشعب الإسرائيلى بنداء السلام.
وكلمتى الأخرى.. كلمة الرئيس الأخرى، باسم الشعب المصرى، فى نداء موجه إلى شعوب العالم: «إلى كل الدول المحبة للسلام والاستقرار، إلى كل الدول العربية الشقيقة، أن تساند هذه الخطوة الرائعة، وإلى باقى دول العالم أن تقف بجانب هذه الخطوة، التى إذا نجحت فستغير وجه التاريخ».
وحمّل الرئيس القيادة الأمريكية واجباً أخلاقيا- قبل أن يكون سياسيا- برعاية هذه الفرصة خشية ضياعها، وتحذيرا من كلفة هذا الضياع الذى تعيشه المنطقة على سلام وأمن شعوبها وعلى الأمن والسلام الدوليين: «ونداءً إلى القيادة الأمريكية والرئيس الأمريكى: لدينا فرصة لكتابة صفحة جديدة فى تاريخ الإنسانية من أجل تحقيق السلام فى هذه المنطقة».
فليُبلغ الشاهد الغائب.. فرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع، السيسى يحلق من فوق رؤوس الحضور وصولا إلى الشعوب فى أرضها، يوجه إليها نداء السلام، يخاطب فيها الحاجة الماسّة إلى الأمن والأمان، بعد تاريخ من الحروب والصراعات ومئات الآلاف من الضحايا وعقود من الكراهية.
يحذرهم جميعا من ضياع الفرصة، ونحن كعرب أولى بالتحذير، فإذا كان هناك وصف حزين للقضية الفلسطينية فهو «قضية الفرص الضائعة»، ولربما لن تسنح فرصة أخيرة ماثلة لاتفاقية تعبر بالمنطقة حدود الزمان والمكان إلا هذه الفرصة، التى تومض كبرق خاطف فى بحر الظلمات.