فرانسوا باسيلي يكتب: البنات والصيف

فرانسوا باسيلي يكتب: البنات والصيف
فرانسوا باسيلي يكتب: البنات والصيف

 


الصيف هو شهر الحر، والحرية 

........................................

في الصيف نتحرر من الملابس الثقيلة، وعلي الشواطيء نتحرر من معظم الملابس، وتستلقي الأجساد شبه عارية علي الرمال، تستحم بعطرٍ وتتنشف بنور، علي رأي جبران خليل جبران بصوت الفاتنة فيروز، والمدهش أنه رغم تواجد آلاف الأجساد شبه العارية نائمة علي الرمال فلا تسمع أن أحد الرجال قد اثارته الشهوة الهائجة فهجم علي إمرأة نائمة، وما يهدم نظرية الدعاة والوهابيين السلفيين تماما، الذين يقولون أن علي المرأة أن تنتقب لكي لا تثير غريزة وشهية الرجال، الاف الشواطيء في بلاد الغرب، وملايين الرجال والنساء الذين يستلقون علي رمالها شبه عرايا، يفضحون خرافات دعاة النقاب الذين يقمطون المرأة لكي لا تقع عين الرجل المتوحش علي كفها أو قدمها أو وجهها فيفقد تماسكه وسيطرته علي نفسه،

 كم أنت عظيم أيها البحر لأن شواطئك في أنحاء المعمورة قد فضحت أكاذيب هؤلاء الدعاة المدعين.

...................................

كما أن الصيف هو شهر الحرية، فمعظم ثورات شعوب العالم قد حدثت في الصيف، وعلي رأسها الثورة الفرنسية التي بدأت بتحطيم سجن الباستيل في شهر يوليو المبارك، كما أن ضباط مصر الأحرار تحركوا في 23 يوليو 52 فيما سمي وقتها بالحركة المباركة. وأشعلت ثورة يوليو في مصر أكبر حركة تحرر إجتماعية في تاريخ مصر الحديث، فقد خرجت الفتاة المصرية بالملايين لتدرس في الجامعة أو تعمل في المصنع أو المتجر في مدن مصر،

 وارتدت الفتاة المصرية الميني جيب والميكرو جيب (وانت ترضي ده لأختك أو زوجتك؟ كان هو السؤال الذكوري الفحل الذي يرد به الإخواني السلفي الذي أخرجه الفكر الرجعي من طوق تاريخه الحضاري لمصر القديمة وألقي به في رذيلة الفكر السلفي الذي لا يري العالم سوي بمنظار "عورة" المرأة، رغم أن المرأة ليس بها عورات، والعورة الوحيدة هو فكر البدائية الرجعية المتلفحة بالتدين الشكلي الاكروباتي المتزمت، الذي روج له الإخوان والوهابيون علي أنه المعروف من ألدين بالضرورة، وهي أسطورة أخري من أساطير فكر الكهوف، فتفسير أي وكل دين هو "حمال أوجه" أي يقبل أكثر من رؤية واحدة فلا شيء إسمه معروف من ألدين بالضرورة، وينطبق هذا علي كل النصوص المقدسة مادامت مكتوبة بلغة، واللغة بطبيعتها "حمالة أوجه".

....................................

 

كانت المرأة المصرية في الخمسينات  تقرأ "أنا حرة" لإحسان عبد القدوس، اليوم ابنتها محجبة وحفيدتها منقبة. 

لم أكن من المعجبين بإحسان، فأنا منحاز ليوسف ادريس ونجيب محفوظ، ولكن إحسان كان يكتب روايات اعتبرت جريئة في وقتها يتحدث فيها بلسان المرأة عن مشاعرها الدفينة، ورغباتها العاطفية، وكان هذا غير معتاد وقتها، وكتب البنات والصيف التي تحولت إلي فيلم لعبد الحليم حافظ، وبه قصص الحب والحرية للشباب في الخمسينات والستينات، وكانت فترة تحرر إجتماعي هائل، لعبت الرواية والأغنية والفيلم والمسرحية دوراً كبيراً في اشعالها، ثم جاء الإخوان مع ضعف التعليم وضعف القيادة السياسية فتراجع المجتمع المصري إلي كهوف السفلية والتزمت الديني.
في الصيف إذن نتحرر شكلاً وموضوعاً، فكراً ولبساً، فلنرسل الأفكار إذن حرة جريئة تقتحم الكهوف المعتمة، ولنعش حياة حرة جديرة بأن تسمي حياة.

………………………………..

رحم الله المفكر السياسي الكبير رفعت السعيد الذي كان يحارب وحده تقريباً في الكثير من الأوقات الفكر البدائي الإخواني الذي كان يتغول في الجسد المصري، رحم الله رجلاً كان دائماً كبيراً لأن عقله كان كبيراً وضميره كان كبيراً، هو أحد أعمدة اليسار المصري، وأمثاله حين يرحلون لا نجد في مصر من يملأون فراغهم فقد ساد الجدب والقحط والبوار في كافة المجالات، رحمك الله ورحم بعدك شعب مصر المعذب المطروح علي موائد اللئام 

تريد أمثلة حديثة للفكر البائس الذي كان يحاربه الراحل الكبير؟ خد عندك ...

…………………………

قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر الشريف، إن وضع التماثيل في المتاحف حرام شرعًا، حيث إن بعض البعثات الأجنبية أو المصرية تقوم بنبش القبور واستخراج التماثيل وعرضها في المتاحف، مستطردًا: "ترضى إن جدك يخرجوه من المقبرة ويعرض في صندوق زجاجي يشاهده الجميع بعد وفاته".

وأضاف كريمة، خلال حواره في برنامج "منهج حياة"، على قناة "العاصمة"، أن علماء الفقه قالوا أن يجب قطع يدي النباش، أي الذي يقوم بحفر القبور للبحث عن الجثث أو الآثار، لأنها تعتبر سرقة.

هل تصدق أن هذا الكلام يقوله مسؤول مصري، بلد الآثار المصرية التي يقف العالم اليوم أمامها مذهولاً؟

………………

تريد مثالاً آخر؟ خد عندك ..

في مقال لطارق الشناوي النقد السينمائي يقول:

حكى لى المهندس الراحل نبيل ابن الموسيقار الكبير محمد فوزى، أنه وجد نفسه مشغولا بسؤال يؤرقه، هل أبوه الذى أسعد الملايين ولا يزال، سيدخل الجنة أم مصيره النار؟ وعندما التقى الشيخ على جمعة عندما كان مفتيا للديار المصرية وجدها فرصة لسؤاله؟ أجابه نعم يدخلها وعدد له أغنيات دينية رددها محمد فوزى حبا فى الله، وحتى أغانيه العاطفية لم يرفضها على جمعة، ولكن نبيل عاجله قائلا، لكن يا مولانا أنا شفت أبويا يشرب الخمر فى الحفلات؟ رد عليه هل تأكدت أنه يشرب أم يجامل أصدقاءه ويحمل فقط الكأس؟ أجابه لست متأكدا، فقال له إذن محمد فوزى فى الجنة بإذن الله.

………

هذه هي ثمار الفكر الإخواني البدائي جعل الكثيرين من الأبناء ينصبون من أنفسهم حكاماً ومفتشين في قلوب آبائهم، يطلبون من الأم أن تتحجب، ومن الأب أن يلتزم بما أقنع به الإخوان الناس أنه معلوم من ألدين بالضرورة، رغم أن هذه مقولة لا معني لها لأن كل شيء مكتب بلغة هو "حمال أوجه" كما جاء في القرأن نفسه، وبالتالي فما هو معلوم بالضرورة لدي زيد ليس معلوماً بالضرورة لدي عبيد، وكل النصوص المقدسة لها أكثر من تفسير ولهذا نشأت المذاهب، عموماً نجح الإخوان في فرض رؤيتهم الكهفية للدين علي المجتمع بتواطؤ من دولة السادات ثم مبارك وقتها، ورأينا عجباً حين جاء جيل مصري أكثر تزمتاً من جيل والديه، رغم أن العالم كله يتقدم دائماً نحو التحرر جيلاً بعد جيل، أي نجح الإخوان في تحويل دفة المجتمع المصري نحو الخلف، وكان التراجع والتدهور الذي ما زال مستمراً إلي اليوم.

……………………..

9 أغسطس الذكري التاسعة لرحيل محمود درويش، هو الأجمل بين شعراء العربية، لديه عبقرية التعبير عن أكثر المعاني فلسفة بكلمات بسيطة وصور باهرة 

محمود درويش في أمسية في دمشق في 2005, عندما كانت دمشق هي دمشق، وقد بدء كلامه بالتغني باسم دمشق

في تعليق علي حفل لمحمود درويش يقرأ فيه قصائده، كتب أحدهم: الله يرحمك يا درويش، كنت تبكي فلسطين.والآن نبكي فلسطين و العراق و سوريا ولبنان و اليمن وليبيا ومصر وكل الوطن العربي

………………………..

كما كتبت من قبل أن الدجل الديني ليس حكراً علي أصحاب دين واحد، فتجار الأديان موجودون في كل مكان، وفي الشهر الماضي رأينا هذا واضحا فما قاله قسيس أمريكي بروستانتي 

………….

أحد المتحدثين الرسميين بإسم الرب خالق الكون، المدعو روبرت جيفرس Robert Jeffress

أعلن اليوم أن خالق الكون قد منح دونالد ترامب السلطة والسلطان لشن حرب ضد كوريا الشمالية، وحتي لا يجادله أحد إستشهد القسيس الإنجيلي بأيات من الكتاب المقدس العهد القديم، مخرجاً لها من سياقها لتخدم أغراضه، وهو أحد المستشارين الروحيين - من ياروحي - للشيخ دونالد ترامب الذي قدم نفسه للانجيليين المعروفين بالإفانجيليكان علي أنه واحد منهم، رغم أنه قد أخطأ امامهم في قراءة عنوان أحد فصول الكتاب المقدس في فضيحة علنية، وها هو مستشاره الديني القس البروتستانتي لأحد الكنائس الكبيرة بأمريكا ينادي علناً بالحرب، بدلاً من أن ينادي بنبذ العنف كما تعلمنا المسيحية التي يتاجر بها ليلاً ونهاراً، وهكذا نجد الكثيرين من الدعاة من أي دين يصبحون أكبر المخالفين لتعاليم دينهم من أجل خدمة السلطان الحاكم الذي يخدمونه ويعبدونه في الواقع من دون الله، وهم يتشدقون بالتقوي والورع والتدين القاتل من علي منابر الأسواق الدينية التي ينصبونها مدعين أنها كنائس، هؤلاء هم من يصلبون سيدهم المسيح كل يوم بكلماتهم الرخيصة وأفعالهم المشينة وتجاراتهم الرابحة جداً مادياً لأن هناك من يستمع بورع وخوف وطاعة شديدة لكل كلمة كاذبة يقولها لهم هؤلاء.

…………………………..

وأختتم هذه الأفكار الصيفية بنكتة مصرية إجتماعية سياسية رائعة:

 

 

نكتة البابا شنودة 

 

قرأت في مقال للناقد السينمائي المعروف طارق الشناوي هذه النكتة التي قيل أن قداسة البابا شنودة كان يقولها، ولها معني لاذع يعبر عن الواقع المؤلم:

وقعت خناقة على أرض متنازع عليها، الأقباط قالوا إنها كانت فى الأصل كنيسة، والمسلمون أكدوا أنها كانت جامع، فاستعانوا ببلدوزر للحفر، فوجدوا صليب، فهتف المسلمون: الله أكبر الله أكبر، صليب سيدنا محمد.