حسنى حنا يكتب: وادي النصارى .. أعجوبة الطبيعة والانسان

حسنى حنا يكتب: وادي النصارى .. أعجوبة الطبيعة والانسان
حسنى حنا يكتب: وادي النصارى .. أعجوبة الطبيعة والانسان

"ماأعظم أعمالك يارب!.. كلها بحكمة صنعت"

*مزمور 104: 24

 

تقع منطقة وادي النصارى الى الشمال من سهل البقيعة الخصب. الواقع بين جبال الساحل السوري وجبال لبنان، وهو تتمة لسهل عكار من جهة الشرق. كما يقع الى الغرب من مدينة حمص وتمتاز هذه المنطقة بجمالها الطبيعي، ورقيها الحضاري، وخصوبة أرضها وكثرة اشجارها.

 

طبيعة المنطقة

تتكون منطقة وادي النصارى، من سهول متقطعة. وجبال وتلال، ووديان عميقة، ووهاد. فهي شديدة التنوع التضريسي. وهي تمتاز بوفرة مياهها، لكثرة مافيها من ينابيع المياه العذبة. وبرقة هوائها، يغطيها بساط من الاشجار الدائمة الخضرة، وغابات شجر الزيتون، إضافة الى مناظرها الطبيعية الخلابة.. وفي عهد لوحدة السورية المصرية تم استبدال اسمها التاريخي (وادي النصارى) باسم جديد هو: (وادي النضارة) إلا انها مازالت تعرف باسمها القديم.

 

 

السكان

تدل أسماء الأماكن أن الآراميين أو السريان، سكان سوريا الداخلية الأصليين، قد أستقروا بشكل كثيف ومتجانس في منطقة (المشتى) المجاورة للوادي غرباً. وذلك في بداية العصر الفارسي (القرن 6 ق.م) أما استقرارهم في منطقة (صافيتا) المجاورة الى الشمال الغربي، فقد تم في اطار من التقاليد الزراعية والرعوية القديمة. وقد كان الاستقرار هنا، اقل تجانساً، على الرغم من قدم عهده، بسبب عمليات السبي والتوطين التي حصلت في عهد الملك الآشوري تغلات فلاصر الثالث (749- 727 ق.م) وهذا ما أثبتته دراسة فرنسية علمية معاصرة. وهناك إشارات كثيرة عند عدد من المؤرخين العرب، على أن قسماً كبيراً من العرب الغساسنة المسيحيين. قد نزحوا الى هذه المنطقة من حوران في جنوب سوريا الحالية. وحافظوا على ديانتهم المسيحية ولغتهم العربية.. (انظر ماذكره المؤرخ يحيي بن سعيد الأنطاكي في هذا المجال)!..

وتتميز منطقة وادي النصارى بارتفاع المستوى الثقافي والتطور الفكري والحضاري في شتى المجالات. وكثرة عدد حملة الشهادات الجامعية وشهادات الدكتوراه كما تتميز بوجود عدد كبير من أبنائها في بلدان الاغتراب لاسيما في اوروبا وامريكا واستراليا وغيرها..

 

أهم حواضر المنطقة

من أهم حواضر منطقة وادي النصارى بلدة (مرمريتا) و(قلعة الحصن) و(دير مارجرجس) و(النبع الفوار) و(تمثال سيدة الوادي).. ولكل من هذه الأماكن، خصائصه الجغرافية والتاريخية. وتزدان المنطقة بعدة بلدات تتوالى كحبات اللؤلؤ في العقد ومنها: الحواش- المزينة- الناصرية- الكيمة- عناز – المشتاية- عين العجوز- الزويتينة- حب نمرة- وقلعة نمرة وغيرها.

 

بلدة مرمريتا

تقع في حضن جبل السائح، اسمها سرياني الأصل، يعني المكان المطل أو المشرف، حيث تطل على سهول عكار والبحر المتوسط وجبال لبنان.

وبحسب تقديرنا أن الاسم يعني القديسة (مروثا) مع تحريف بسيط وقد ذكر هذا الاسم ابن فضل الله العمري، في كتابه (مسالك الأبصار) عند حديثه عن دير (مار مروثا) حيث قال: "دير صغير بظاهر حلب. وكان سيف الدولة الحمداني محسناً الى أهله وله بساتين وفيه نرجس وبنفسج وزعفران"

ومن المعروف أنه توجد في بلدة مرمريتا، عين ماء عذبة، تعرف باسم (عين مريم) يقصدها الناس في عيد القديسة مريم، الذي يقع في الرابع من شهر اغسطوس- آب من كل عام.

ولهذه المدينة اهمية خاصة: حيث أنها تقع تقريباً قي منصف الطريق الواصلة، بين مدينتي حمص وطرطوس. وهي الطريق التجارية، التي تربط الساحل السوري بالداخل، والطريق الحربية التي عبرتها الجيوش الغازية عبر العصور.

 

 

قلعة الحصن

قلعة منيعة، مهيبة المنظر، رائعة الهندسة. يعتبرها علماء الآثار أجمل وأكبر وأكمل قلعة في العالم. وهي تعود الى العصور الوسطى.

كما أنها أبقاها على الزمن. وأدعاها للاعجاب. وهي تنتصب فوق رابية عالية، ترتفع عن سطح البحر (720 متراً) وهي تبعد عن مدينة طرطوس الساحلية (65) كيلو متراً وعن مدينة حمص (75) كيلومتراً.

وتعتبر قلعة الحصن أو قلعة الفرسان Krak des Chevaliers التي بدأ العمل ببنائها عام (1031م) واكتمل في العام (1170م) اضافة الى قلعة المرقب قرب مدينة بانياس الساحلية، والبرج الأبيض Castel Blanc في صافيتا، تجسيداً لعصر بكامله، هو عصر (حروب الفرنج) في المشرق، والتي باتت تعرف اليوم باسم (الحروب الصليبية).

ومن الجدير بالذكر هنا، أن نشير الى أعمال الترميم الواسعة، التي قامت بها فرنسا، في زمن الانتداب على سوريا، بين عامي (1920- 1946) وقد بدأت تلك الأعمل في العام (1934) واستمرت بعد الاستقلال.

وقد أعادت هذه الأعمال الى القلعة، روعة هندستها، وهيبة عظمتها الأصلية.

بنيت هذه القلعة أساساً، لحماية الممر الاستراتيجي، المسمى باسم (فتحة حمص) الذي يصل داخل البلاد السورية، بواجهتها البحرية. هذه الفجوة يمكن اجتيازها بدون صموية في كل الفصول. ويقول العالم الجغرافي ريتر Ritter أن هذه القلعة هي (حصن مريام) القديم المعروف في عهد الأسكندر المكدوني (أواخر القرن 4 ق.م) كما قال عنها الضابط الانكليزي الشهير، الكولونيل توماس لورنس T.Lawrence أنها أكثر القلاع إثارة للاعجاب في العالم:

"The best Preser red, and must wholly admirable castle in the world"

(انظر كتاب لورنس: القلاع الصليبية. الصادر في لندن. وفيه معلومات هامة عن هذه القلعة).

أقام الفرنج في هذه القلعة بشكل متواصل حتى عام (1271م) حين احتلها سلطان المماليك في مصر (الظاهر بيبرس) وكانت قد صمدت سابقاً لهجمات نور الدين زنكي وصلاح الدين الايوبي.

 

دير مارجرجس

من أعظم الأديرة المتبقية من العصر البيزنطي في سوريا. أسسته جماعة من النساك المسيحيين، الذين كانوا يتعبدون في مغائر هذه المنطقة وغاباتها. ويعود بناؤه الى مطلع القرن السادس الميلادي. وقد بني على اسم القديس جرجس أوجاورجيوس، الذي استشهد في بلدة (اللد) في فلسطين، زمن الرومان في العام (303م) دفاعاً عن ايمانه المسيحي. وهو معروف عند المسلمين باسم (الخضر) بفتح الخاء وكسر الضاد. لاسيما أن اسمه باليونانية يعني (الزارع).. وقد كان قائد ألف في حرس الامبراطور الروماني دقلديانوس، الذي اشتهر باضطهاده العنيف للمسيحيين..

يقع هذا الدير وسط الغابات، وأشجار الزيتون الدائمة الخضرة، التي تضفي على الدير منظراً رائعاً.

إن معظم أقسام الدير في الوقت الحاضر، يعود بناؤها الى القرون (18- 19- 20) ويشتهر هذا الدير بكنيسته، التي تعلوها قبة، تعود الى القرن التاسع عشر، وحامل الأيقونات (الأيقونسطاس) الذي يعتبر من أكبر الحوامل، في كنائس سوريا ولبنان وهو يعود الى القرن الثالث عشر.

وتوجد فى هذا الدير أيقونات ICONS قديمة بيزنطية وسورية جديرة بالاهتمام، ولاتقدر بثمن. كما تحتفظ الكنيسة بالكثير من الكؤوس والأطباق المنقوشة. وعلى منبر وكرسي خشبين، مزينين بنقوش بديعة!

ونقل عن المؤرخ الواقدي (ت 822م) أن اميراً طرابلسياً مسيحياً، سار في محفل عظيم، يزور الدير في عيده، ويزوج ابنته. فلقيه جماعة من عرب الشام، فأحاطوا به، فأدبر الأمير ومن معه، فلحق بهم العرب، حتى نهر طرابلس، ووقعت ابنة الأمير أسيرة في أيديهم، وصارت من نساء زعيمهم، وربما أتت تسمية النهر القريب من الدير باسم (نهر العروس) نسبة الى تلك العروس!..

يزور الدير عدد كبير من الزوار من سوريا والعديد من بلدان العالم على مدار العام. وخاصة يوم (6 مايو – ايار) عيد (مارجرجس) ويدوم الاحتفال ثلاثة ايام. وفي عيد الصليب يوم (14 سبتمبر- ايلول) ويمتد فيه الاحتفال من (11- 14) من الشهر المذكور.

 

النبع الفوار أو نبع الدير

على مسافة كيلومترين فقط من دير مارجرس يقع (النبع الفوار) العجيب، والشهير بارتفاع مياهه في أوقات غير منتظمة. وهو من العيون الدورية العظيمة. ينحبس من كتلة صخرية مثقوبة كالكهف. وفيه حوض ماء عمقه (2- 3 متراً) وعرضه كذلك.

ينقطع ماء النبع في الأوقات العادية، كأنه ليس نبعاً. ثم يسمع له كل بضعة أيام، دوي كالرعد. وينفجر الماء من هذا النبع بشدة، ويصب في السهل المجاور. ويستمر الماء متدفقاً عدة ساعات، ثم ينقطع.

وحكي أنه في العام (1822) استقر الماء في الكهف عاماً كاملاً، على أثر الزلزلة العظيمة، التي ضربت سوريا في الثالث عشر من شهر آب، واحدثت الكثير من الخراب، خاصة في مدينة حلب في الشمال السوري. فأنزل انقطاع الماء بالأهالي ضرراً جسيماً، لاعتمادهم على مياهه في زراعتهم إذ كانت مواسمهم تختلف، على نحو اختلاف غزارة النبع، في أوقاته العادية. ومصب هذا النبع في نهر العروس، الذي يصب بدوره في النهر الكبير الجنوبي. لمعروف قديماً عند اليونان والرومان بأسم (ألوثيروس).

 

النبع الفوار وأحداث التاريخ

عندما جاء رعميس الثاني (1300- 1234 ق.م) لمحاربة الحثيين في معركة قادش الشهيرة إلى الجنوب الغربي من مدينة حمص في العام (1293 ق.م) مر بمدينة صور Tyre وبيروت، واجتاز نهر الكلب وسهل البقيعة.

مر النبع الفوار. وجعل من السفوح المجاورة مقيلاً لجنوده، بسبب حر الصيف. ومن أجل استطلاع حلة العدو، وقد دعت المصادر الفرعونية هذا الموقع باسم (شيطون) وقد ذكر ذلك الشاعر (بنتاؤور) الذي رافق الفرعون رعميس الثاني في حروبه.

وعرف الرومان هذا النبع، وقد حط عليه القائد (تيطس) Titus بعدما قضى على ثورة اليهود فيها. وذلك كي يرتاح هو وجنوده من مشاق السفر. وقد وجد في سهل البقيعة الخصيب مرعى لخيوله، ولايستبعد أنه أقام في (حصن مريام)!...

رافق المؤرخ فلافيوس يوسيفوس Flavius Josephos القائد تيطس في حروبه وعودته المظفرة الى روما (انظر كتاب: تاريخ يوسيفوس) وقد ذكر هنا المؤرخ (النبع الفوار) في تاريخه، وسماه (النبع السبتي) على أساس أن المياه تتفجر منه يوم السبت حسب روايته. كما ذكر هذا النبع أيضاً المؤرخ الروماني (أفلينيوس).

ومن المؤرخين العرب، الذين ذكروا هذا النبع العجيب ابن فضل الله العمري (ت 1349) في كتابه (مسالك الأبصار) قال: "قرب حصن الأكراد- قلعة الحصن- غرباً بشمال، على الطريق السالكة، صفته هناك، صفة بئر قائمة في الأرض، وفي أسفل البئر سرداب ممتد الى الشمال. يفور كل اسبوع يوماً واحداً لاغير. فتسقى به أرض ومزروعات وبقية الايام لاماء فيه. ويسمع له دوي كالرعد قبل فورانه.. وقد ذكر من داخل السرداب، أنه في نهايته يوجد نهر كبير، آخذاً من الغرب الى الشرق تحت الأرض. وله جريان معين، وبه موج وريح عاصف. ولايعرف من اين يجري، ومن اية جهة يجيء"!

وجاء ذكر هذا النبع ايضاً في كتاب (زبدة كشف الممالك ص48) وكتاب (الأعلاق الخطيرة 2 صفحة 115- 120).

وذكر هذ النبع العجيب، العالم والمستشرق الأمريكي كارنيليوس فانديك C.Van Dyck (ت1895) في كتابه (المرآة الوضية فى الكرة الارضية) المطبوع في بيروت عام (1870) وقال فيه: "عين دورية، تجري منها المياه مدة، ثم تنقطع مرة اخرى. وطول نوبة جيرانها وانقطاعها، يختلف باختلاف الفصول"..

ويذكر هذا النبع أيضاً، الكاتب الفرنسي (جان هيرو) في كتابه (سوريا اليوم) بقوله: "تنبع في الوادي المجاور لقلعة الحصن مياه، يقال أنها تتمتع بمزايا علاجية شهيرة، ويطلق عليه سكان المنطقة اسم النهر العجيب"!

 

تمثال سيدة الودي

يقع على قمة جبل السائح في بلدة الناصرة. شفيعة المؤمنين ومقصد الزائرين. وهو يعد اكبر تمثال لمريم العذراء في الشرق الاوسط، بارتفاع يبلغ ثلاثين متراً، مع قاعدته الحجرية. وقد تم تدشينه في العام (2009).