د . منى نوال حلمي تكتب : تهبنا دون مقابل الخلاص من منغصات العالم

د . منى نوال حلمي تكتب : تهبنا دون مقابل الخلاص من منغصات العالم
د . منى نوال حلمي تكتب :  تهبنا دون مقابل الخلاص من منغصات العالم
 
اختار العالم يوم 21 يونيو من كل عام ، ليكون اليوم العالمى للموسيقى ، تلك
الأعجوبة الساحرة التى يمكنها فعل كل الأشياء ، تحويل الممكن الى مستحيل ، واليأس
الى رجاء ، والبكاء الى تطهير للروح ، والحزن الى شجن يضئ الليل ، والصمت الى فلسفة تحتضن الألم .
الموسيقى ، بعد فراق الأحباء ، والنزف لا يلتئم من قسوة الرحيل ، والذهول 
الموحش ، من اختفاء أقرب الناس ، هى التى أنقذتنى من الجنون ، أو الانتحار ،
أو الانقراض ، أو السير فى الطريق ، وأنا أمزق شَعرى ، وملابسى ، وأحبال صوتى ،  
بعد أن أحرق أوراقى ، وذكرياتى ، وغرفة نومى ، وأبيع أثاث بيتى ، بأى مقابل . 
ما سر الموسيقى ، الذى حير الناس ، فى كل زمان ، ومكان ؟؟. وكيف من علاقة الانسان ، أو الانسانة ، بالموسيقى ، تتكشف معالم الشخصية ، والطبائع ، 
والأمزجة ، والأخلاق ؟؟. 
انها اللغة بدون لغة ، والكلمات دون حروف . انها البرق ، والرعد ، و قطرات المطر ، وهى الهدوء والسَكينة وزوال الخطر . هى دقات القلوب ، ودقات القدر ، ربما
تكون الوطن ، والأرض ، وقد تكون الطيران وأجنحة السفر ، تذيب جلمود الصخر ، وتفلق صلابة الحجر .     
عشاق الموسيقى ، من النساء والرجال ، بالضرورة ، لهم " جينات " خاصة 
جدا ، تظهر فى انفتاح التفكير ، ورقى السلوكيات ، ورحابة الثقافة ، واحترام تعددية الأصوات ، والنفور من انتهاك خصوصيات الآخرين ، ورفض أى نوع من الوصايا على 
البشر . حسب كلمات فريدريك نيتشه ، 15 نوفمبر 1844 – 25 أغسطس 1900 ،
فيلسوف القوة الذى أعشقه ، " الموسيقى تمجدنا ، تحررنا ، تقود أفكارنا الى الأسمى ". 
لا عجب أن أصحاب الأفكار الظلامية ، المتعصبة ، المتطرفة ، أحادية التفكير ،
رافضة التنوع والاختلاف والتعددية ، مخترعى الارهاب الدينى الدموى ، أو ارهاب 
التشنج ، والزعيق ، والتشويح بالأيدى ، وبالشتائم ، لا يكرهون شيئا مثل الموسيقى ،
بعد كراهيتهم للنساء . 
وهناك الانسان الذي يذهب إلى حفلة للموسيقى ويقضى ساعتين، مع الأنغام، والألحان (هذا مع افتراض تمتعه بآداب الاستماع إلى الموسيقى) ثم يعود إلى حياته، سالكاً من التصرفات ما هو مناقض للقيم الجمالية، الموسيقية، من خدش مشاعر الآخرين، أو استباحة خصوصياتهم، أو إزعاجهم بالضوضاء، أو التعصب لرأي ، أو لديانة ، أو طبقة ، أو عِرق ، أو لون . مثل هذا الانسان ، مجزأ المشاعر ، متناقض ،
يتعامل مع الموسيقى ، على أنها " وسيلة " لقضاء الوقت فقط ، أو " سلعة " تستهلك فى لحظة ، وينتهى الأمر .
فالاستماع، والمشاهدة, واقتناء الشرائط، والاسطوانات، كلها أشكال استقبال استهلاكية مؤقتة ، لا يكون فيها الإنسان إلا طرفاً سلبيا.
إن جوهر الموسيقى، بل جوهر الفنون كلها، هو أن يكتشف الإنسان ذاته الحقيقية، وأن يلمس ذلك الخيط السحري الواصل بين ذاته والعالم.
إن المعزوفة الموسيقية، أسعدتنا، لأنها جعلتنا نكتشف الموسيقى التي بداخلنا.
إن الإقبال على الحياة، الذي تصنعه معزوفة موسيقية، غير ممكن، إلا إذا كان معناه أننا أصبحنا أكثر اقتراباً، من طاقة الحياة بداخلنا.
كيف تتحول تلك اللحظة المؤقتة، التي تجتاحنا عند الاستماع إلى الموسيقى، إلى لحظة ممتدة في الحياة ؟.
إن الإبداع في الحياة، ليس بالضرورة موهبة خلق الأعمال الفنية.
لكنه القدرة على أن نعيش الحياة بجمال، وأن نرهف السمع لصوت الخير والعدل، داخلنا وخارجنا. وأن نقاوم ميول الشر، والتعصب، والعنف، وأن نتصالح مع أنفسنا، ومع الطبيعة. وأن تُغلف تصرفاتنا بالتواضع أمام جلال الكون، ورحابته، وثرائه.
عالمنا المعاصر يجهض كل تناغم راقى الانسانية ، ولا تطربه إلا النغمات "النشاز".
والنتيجة أنه عالم تعس، ضلّ الطريق إلى ما يطهر النفوس من عزلتها الموحشة، وإلى ما بإمكانه أن يعيد للبشر تواصلهم، بعد حصار الكذب ، والشهوات الزائلة ، والجشع .
والتغيير لن يحدث ، إلا إذا تحولت الموسيقى، من مجرد سلعة للاستهلاك المؤقت، إو مهنة في سلم الوظائف، أو أداة للترفيه ، أو مناسبة لعقد المهرجانات ، إلى "عادة" نفسية، واجتماعية يومية، نمارسها دون جهد، مثل التنفس، والحركة، والاشتياق الى الحرية ، والعدالة .  
21 يونيو اليوم العالمى للموسيقى ، وهو أيضا بداية موسم الصيف ، ترى أهناك علاقة
خفية بين توهج الشمس ، وتوهج النغمات ؟؟ . 
      لكِ المجد أيتها الساحرة .
من بستان قصائدى
-------------
                                         
هل فى قلبك متسع
لامرأة وحيدة تشعر بالبرد
فى  بداية موسم الصيف ؟
هل فى بيتك غرفة هادئة  خالية
تصلح لشاعرة
تتسكع بين مدن الأحزان
على أنقاض الخواء ؟
هل لديك بعض الوقت
لمنْ تعيش خارج الوقت ؟
هل تجيد صنع القهوة ؟
هل تستمع الى قصائدى
ونسافر بعيدا مع الموسيقى
هل تتقن فن الاصغاء ؟
هل تعرف طريقا مختصرا
الى جزيرة تعانقنى
أتكره مثلى كل الأوصياء ؟؟