الديمقراطية الأمريكية عبارة عن عقيدة بدون إيمان. تحاول أمريكا أن تعلم العالم النظام الديمقراطي حسبما تفهمه. ولكن "باب النجار مخلع". تتجلى هذه الحقيقة فى العديد من المناسبات. أهمها اليوم السادس من يناير 2020 .فى ذلك اليوم حرض ترامب أنصاره ان يتوجهوا الى مبنى الكونجرس لمنع بايدن من تولى الرئاسة.
قضت الخطة بالحيلولة دون إحصاء أصوات "المجمع الأنتخابي" الذى كان نائبه السابق/ مايك بنس
يشرف عليه. الا ان كان انقلاباً على مبدأ التبادل السلمى للسلطات باء بالفشل!!
فى ذلك اليوم تدفق آلاف من مناصري ترامب على مبنى الكونجرس وعلقوا مقصلة على أرض الكونجرس. وارتفعت الحناجر صارخة: "اشنقوا مايك بنس واوقفوا سرقة الرئاسة من ترامب". كانت اكذوبة واصبحت هتافاً يصدر من حناجر ترفض النظام الديمقراطي وتؤمن بأن تزوير قوائم الأصوات قد حدث، وأتصل ترامب نفسه بوزير داخلية ولاية جورجيا يناشده أن يسرق (11700) صوتاً لكي يعود ترامب الى البيت الابيض.
أصيب ترامب بصدمة فشل محاولته قلب نظام الحكم. وكعادته بدأ في شن هجوم على ذلك المسئول واصفاً إياه بـ"الضعيف". وهو لفظ قريب الى قلب ترامب الذى يثنى على رؤساء حكومات تركيا وكوريا الشمالية وروسيا. هؤلاء هم أقرب الناس إلى قلبه الذي يخلو من أحترام سيادة القانون . ترامب يؤمن بأن القوة فوق الحق!!
القانون وحتى الدستور فى نظر ترامب لايزيد عن بنود يمكن تفسيرها على هواه إن أدى ذلك التفسير الى بلوغ أمانيه . إنه تاجر عقارات. والمساومة جزء من شخصيته. تعامله مع البنوك وأولهما دويتش بانك يقوم على أساس المبالغة فى قيمة عقاراته من أجل تيسير حصوله على السلفيات من تلك البنوك وبالمقابل خفض اسعار أملاكه لكى ينجو من أثقال ضرائب العقارات. استخدم قانون الإفلاس اربع مرات. الافلاس يعفيه من دفع المستحقات!!
ولكن وقع ترامب في فخ المدعى العام فى منهاتن إذ حكمت المحاكم لصالح أحقية المطالبة بالمطالب المالية. وكان القبض على المحاسب وايسلبرجر الذى يعرف كل الأسرار المالية لموكله ترامب الطريق العريض والسريع لإغلاق السبل أمام ترامب فى كل شئونه المالية.
حياة ترامب ليست فى الرياسة ولكن فى العقارات. الرياسة فى ذهنه كما أثبت فى عهده من عام 2016 الى عام 2020 ماهي الا تجارة يديرها من داخل البيت الأبيض وابنته إيفانكا.
ترامب يملك جهازين هما عبارة عن ذراعي الكماشة: تزوير الاوراق واستخدام أنصاره فى تسويق أكاذيبه. ومن الآن ينادي بعودته الى الحكم عام 2024 لكى يظل الحزب الجمهوري في جيبه.
فى فترة الرياسة التى انتهت بفوز بادين فى عام 2020 بالرياسه استخدم ترامب صلاحياته كرئيس يملك حق العفو عن المحكوم عليهم قضائياً على نطاق لم تشهده أمريكا منذ انشائها منذ اكثر من 240 عاماً. والعفو فى يده سلاح قوي يستطيع استخدامه فى تقويض النظم والقوانين حسبما يشاء. وهو سلاح له عمر طويل بطول رئاسته. ترامب خارج الحكم ليس الا طائر سقط من فوق الشجرة وانكسرت أجنحته. وبذلك السقوط انتهى تمويل تحركاته وقدرته على تحشيد التجمعات الشعبية بالملايين، وغاب صوته وسقط منبره.
لكن الديمقراطية الامريكية، وهي ديمقراطية بها خروق اكثر من الخروق فى الجبن السويسري، تسمح لترامب بالعودة الى الحكم مرة أخرى. لذا ينادي ترامب بإحتمالات عودته الى البيت الابيض فى عام 2024. ولهذه النداءات هدف مالى، هو استمرار تدفق التبرعات المالية على انشطته، وهدف سياسي الا وهو الاحتفاظ بقاعدته الشعبية التى يقال بأنها تزيد عن سبعين مليون من الأصوات.
ترامب يبغض السود. هو عنصري. والده دخل السجن إذ كان عضوا بجماعة كوكلاس كلان Ku Klux Klan التى تقاوم صعود السود الى مناصب السلطة والقوة على كل المستويات. نادى ترامب بحظر او تحديد هجرة المسلمين الى امريكا رغما عن محاولاته لبناء ابراج تحمل اسمه فى الخليج العربى.
وهو يرى فى اسرائيل خير سند له فى جلب اصوات اليهود الامريكيين الى صالحه وذلك عن طريق استخدام زوج ابنته ايفانكا واسمه كوشنر وهو حبيب نتنياهو.
ولذا نقل السفارة الامريكية فى اسرائيل الى القدس ورفعت ابنته العلم الامريكي فوق السفارة الامريكية التى يقضى القانون الدولى بمنع إقامتها فوق أراضى فلسطينية محتلة.
كل هذه صفقات يربطها خيط واحد. صداقة اليهود والتقرب الى المملكة العربية السعودية ومنع المسلمين من الهجرة الى امريكا. ورقص ترامب بالسيف الى جانب الملك سلمان فى الرياض رقصة العرضة الشعبية السعودية. تناقضات، وحياة ترامب معظمها تناقضات. هدم الايمان بالديمقراطية، وموالاة الدول التى يطمع فى بناء ابراج فيها تحمل اسمه، والاشادة بصداقاته مع النظم الديكتاتورية فى الخارج، والخوف من الأسرار التى يعرفها بوتين عنه وخاصة مع عاهرات فى موسكو كسلاح لطعنه ان توقف عن عمالته مع النظام الروسي.
هجوم الغوغاء من انصاره على مبنى الكونجرس فى اليوم السادس من يناير عام 2020 جعل ترامب يضحك داخل البيت الابيض. حاولت ابنته ايفانكا أن تحمله على اصدار الأوامر الى الغوغاء بالتوقف عن الاعتداء على مبنى الكونجري الذي يقدسه الامريكيون كعنوان على الديمقراطية الأمريكية. لم يقبل. ولم يأمر حرس المليشيات فى واشنطن بالتدخل لمنع تلك المساخرولم يستطع البنتاجون التدخل فى أحداث 6 يناير عام 2020 إذ يحول الدستور دون استخدام القوات المسلحة لقمع أية مظاهرات داخل أمريكا هذا عمل متروك لأجهزة الشرطة ومكتب التحقيقات الفدرالية FBI وحرس المليشيات National Guards
كل هذه الأجهزة لاتتدخل مع بعضها الا بأوامر الرئيس الامريكي. وقد امتنع ترامب خلال رياسته أن يقوم بواجبه فى هذا المجال. وصدر ضده مرتين من مجلس النواب الاتهام بالتقصير ولكن مجلس الشيوخ رفض الموافقة عليها. انتصر ترامب!؟
الثقوب كثيرة فى الديمقراطية الأمريكية، القانون شيء والتطبيق شيء آخر. لذا نقول "يا أمريكا باب النجار مخلع".